قضايا وآراء

العراق مكب «النفايات الإرهابية» الخطرة!

| أحمد ضيف اللـه

أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق في بيان نُشر بجريدة «القضاء» في الـ7 من أيار الجاري، أن العراق اتخذ «إجراءات قانونية بحق 810 إرهابيين أجانب من جنسيات مختلفة خلال عام ونصف العام»، مؤكداً صدور «أحكام مختلفة بحق 514 منهم من الذكور والإناث، فيما لا تزال قضايا 202 متهمين من الذكور والإناث قيد التحقيق، فضلاً عن 44 متهماً ما زالوا قيد المحاكمة»، لافتاً إلى أن «مجلس القضاء الأعلى أوعز بنقل محاكمات جميع الإرهابيين الأجانب إلى بغداد، لكون أغلبية السفارات في العاصمة وليتمكن ممثلو سفارات دول الإرهابيين ممن تجري محاكمتهم من حضور الجلسات».
وكان قائم مقام قضاء القائم أحمد المحلاوي قد أعلن في تصريح له في الـ24 من شباط الماضي، أن «عشر شاحنات نقلت من سورية إرهابيين عراقيين وأجانب من تنظيم داعش وأسرهم إلى العراق في 21 شباط الجاري»، حيث استلم العراق نحو 400 إرهابي على دفعتين خلال شهر شباط الماضي من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، التي يتوقع أن يصل عدد من سيتم تسليمه إلى العراق نحو 1500 إرهابي داعشي.
النائب حاكم الزاملي القيادي في التيار الصدري قال في بيان له في الـ8 من آذار الماضي: أن «ما تم تسليمه للقوات العراقية من الإرهابيين الدواعش هم من الجرحى والمعاقين والمقاتلين المنكسرين العاجزين عن الصمود والقتال». إلا أن الخبير الأمني والسياسي فاضل أبو رغيف قال لصحيفة «الحياة» في الـ9 من أيار الحالي: إن «عدداً كبيراً من الذين أُلقي القبض عليهم في العراق وسورية خلال العمليات العسكرية هم شرعيون ومنظرون ومفتون وهؤلاء يملكون قدرة المحاججة وإيراد الأدلة وغسل الدماغ والإقناع».
إن نقل وتكديس الإرهابيين من تنظيم داعش مع عوائلهم في العراق، مسألة في غاية الحساسية والخطورة، بعد أن رفض الغرب استلام نفاياتهم الخطرة لمحاكمتهم، وقيام بريطانيا بإسقاط الجنسية عنهم، كما تتحاشى الدول العربية التواصل مع دواعشهم وأسرهم، على حين تُغري الدول الغربية كفرنسا وألمانيا العراق بتقديم ملياري دولار لقاء محاكمة هؤلاء الإرهابيين وإبقائهم في العراق، وهو أمر ترفضه قوى سياسية عراقية عديدة لما له من مخاطر على أمن العراق والمنطقة، والذي لا يخلو من نيات تآمرية، إذ من غير المقبول أن يصبح العراق مكباً للنفايات والقاذورات الداعشية. فالسجون العراقية معروفة باكتظاظ نزلائها بما يفوق حجم استيعابها بمرة ونصف المرة، ما يعني أن تكديس السجناء وصعوبة فرزهم وعزلهم وفق نوع الجرم، سيكون مكاناً وبيئة مثالية للمنظرين والمفتين للفكر السعودي الوهابي لتلويث وغسل أدمغة السجناء، وسهولة تجنيدهم باللعب على وتر الطائفية والجهل، محولين هذه السجون إلى معاهد شرعية لتخريج إرهابيين، ومواقع لإدارة العمليات الإرهابية باستغلال أسر السجناء لدى زيارتهم أبنائهم في نقل الرسائل وتوجيه العمليات الإرهابية وإدارتها، كسجن «بوكا» الذي أنشأه وأداره الأميركيون بالقرب من ميناء أم قصر بمحافظة البصرة بعد احتلالهم للعراق عام 2003، المُسمى بـ«جامعة الجهاد» الذي أنتج تنظيم داعش بتخريج الآلاف من أشرس قادته ممن كانوا معتقلين ويلعبون كرة القدم فيه، بعد أن أفرج الأميركيون عنهم! حيث كان يؤوي أكثر من عشرين ألف معتقل من مختلف التنظيمات الإرهابية المتشددة في ذلك الحين قبل إغلاقه في الـ17 من أيلول 2009، من ضمنهم أبو بكر البغدادي وأبرز ضباط صدام حسين وقادة حزبه الذين تحولوا من الفكر القومي البعثي إلى الفكر الوهابي الإرهابي، وقادوا عملياته الإرهابية في العراق وسورية.
خلال سنوات العنف الطائفي الذي واكب الاحتلال الأميركي للعراق تمكن المئات من مقاتلي تنظيم القاعدة حينها، بينهم أجانب، من الفرار من السجون. ففي الـ10 من أيلول 2010، قال اللواء قاسم عطا الناطق باسم قيادة عمليات بغداد آنذاك: إن «أربعة من قادة تنظيم القاعدة فروا من سجن كروبر»، مشيراً إلى أن «المعتقلين كانوا لدى القوات الأميركية، وليس لدى السلطات العراقية التي تسلمت السيطرة جزئياً على السجن»، وكان قبل ذلك في الـ22 من تموز 2010 قد فر أيضاً من سجن «كروبر» الذي يقع قرب مطار بغداد والذي تديره القوات الأميركية أربعة من قادة القاعدة بينهم وزير العدل والمالية وقاض. ولدى تسليم السجن إلى السلطات العراقية قبل انسحاب القوات الأميركية من العراق، احتفظ الأميركيون بـ200 موقوف دون معرفة أسمائهم ومصيرهم حتى اليوم.
ومن سجن «أبو غريب» الواقع غرب بغداد الشديد التحصين، والذي يُعتبر واحداً من أبشع وأسوأ السجون صيتاً في تاريخ العراق الحديث، الذي استخدمه نظام صدام حسين لتعذيب وقتل الآلاف من معارضيه، وبه صورت حفلات التعذيب التي قام بها جنود أميركيون لمعتقلين عراقيين بداية احتلالهم للعراق عام 2003، تمكن أكثر من 500 سجين من نزلاء سجن «أبو غريب» معظمهم من كبار قادة تنظيم القاعدة وأشرسهم المحكوم عليهم بالإعدام بالفرار في الـ21 من تموز 2013، بعد عملية عسكرية هوليودية منسقة استمرت ساعات عدة نفذها التنظيم، بالتزامن مع هجوم مماثل طال سجن «الحوت» في قضاء التاجيشمال بغداد لتشتيت الجهد الأمني والعسكري ولصرف الأنظار عن الهدف الرئيس، مترافقة مع أعمال شغب وحرق قام بها السجناء. وقد تبنى التنظيم العملية الإرهابية التي أسماها «هدم الأسوار»، والتي تبين لاحقاً أن تنفيذها كان بتواطؤ حراس من داخل السجن، وبترتيب استخباراتي من خارج العراق، لتعزيز نظرية خطأ انسحاب القوات الأميركية نهاية شهر كانون الأول 2011، حيث كانت القوات الأميركية واستخباراتها هي التي تجمع وتحتفظ بالمعلومات الاستخبارية عن تنظيم القاعدة، من دون مشاركة القوات العراقية بهذه المعلومات، كذلك فر سجناء خطرون من سجون عراقية عدة قبل عملية الهروب الكبير تلك، من أبرزها فرار 102 سجيناً من سجن تسفيرات في تكريت بمحافظة صلاح الدين في الـ27 من أيلول 2012.
ومع كل ما ذُكر، أسئلة كثيرة تطرح الآن: أين قيادات تنظيم داعش التي سَلمت نفسها لـ«قسد» بعد استسلامها أو أسرها في آخر جيب لتنظيم داعش بمنطقة الباغوزبدير الزور؟ أين ذابوا أو اختفوا؟
أين اختفى على سبيل المثال لا الحصر عصام أبو عنزة وزير صحة داعش؟ الطبيب البريطاني ذو الأصول الفلسطينية الذي كان قد عمل لمدة 7 سنوات في الخدمات الصحية الوطنية البريطانية قبل التحاقه بداعش في سورية، المعروف بإجرائه اختبارات جرثومية وكيميائية على السجناء المحتجزين لدى داعش، وباقتطاع أعضاء من أجساد السجناء لبيعها.
إذا كانت قيادات تنظيم داعش التنفيذية معتقلة فمن يدير تلك الهجمات التي تنفذ بين الحين والآخر؟ ومن أين؟ وكيف؟ بعد أن انتصر الجيشان في كل من العراق وسورية وقصما ظهر التنظيم الإرهابي، وما حقيقة نقل الدواعش إلى الهند وليبيا ومالي والنيجر لإنشاء دولتهم المقبورة هناك مجدداً؟
أسئلة كثيرة تُطرح، فهل نسأل الأميركيين؟ أم نسأل الوهابيين من آل ـسعود؟! ومع ذلك احذروا من نتائج رمي النفايات الداعشية الخطرة في العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن