قضايا وآراء

ترامب يدق طبول حرب استعراضية.. وينتظر على الهاتف

| د. قحطان السيوفي

بعد عام من انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، يزداد التوتر بين واشنطن وطهران حتى وصل مرحلة التصعيد العسكري الخطير. المشهد يشير إلى أن ترمب يعيد إنتاج اللعبة الأميركية القديمة الجديدة في الخليج، وعلى كل جبهات «الابتزاز الأميركي»: يخلق «شبحا افتراضيا» ويحشد كل شيء لمواجهته؛ ولتأكيد الإشارة إلى أسلوب ترامب في محاولة يائسة «لفرض التفاوض» باللجوء إلى مزيد من الضجيج بلا طحن، ما شهدته الأيام القليلة الماضية من عدة أحداث متزامنة على أكثر من جبهة، يعبر تماماً عن أسلوب ترامب وأهدافه، التي قد لا يكون من بينها حرب ميدانية، ترامب يعيد «خلط الفعل برد الفعل»، فيبرر إرسال حاملات طائرات وقاذفات إلى مياه الخليج العربي بورود «مؤشرات وتقارير» – غير موثقة – عن هجوم إيراني مُحتمل على القوات الأميركية في المنطقة.
يبدو واضحاً دور إسرائيل وأجهزة استخباراتها في هذا التصعيد، حيث أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن «الاستخبارات الإسرائيلية نقلت معلومات بهذا الشأن، وتم ذلك خلال زيارة قام بها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مايربن شابات إلى واشنطن… ».
ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن البيت الأبيض طلب من وزارة الدفاع وضع بدائل عسكرية لضربات في إيران، وهو الطلب الذي أثار قلقا لدى البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية. هذا التصعيد يقابله ارتفاع أصوات أميركية محذرة من خروج الأمر عن نطاق السيطرة، ومن بين تلك التحذيرات ما صدر عن المبعوث السابق للحرب على الإرهاب (بريت ماكجورك) الذي قال (لايوجد اليوم أي قنوات للتواصل مع الإيرانيين، وهذا خطأ كبير)
وأبدى السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، مخاوفه بهذا الشأن، واستشهد ميرفي برأي الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأميركيين ممن التقاهم خلال زيارته للعراق، وقال (كان هناك إجماع على رفض خطوة إدارة ترامب وذلك لأسباب عملية، ولأنها لا تخدم مصالح واشنطن في العراق) من جهة أخرى حذرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية من سير الولايات المتحدة وإيران إلى صِدام على إيقاع دقات طبول الحرب.
ورأت المجلة أن ترامب، الناقد بقوة لحروب أميركا في الشرق الأوسط، والمنادي بسحب القوات الأميركية من المنطقة، يدق طبول الحرب، فهل هو محض استعراض للقوة؛ يهدف في النهاية، كما تتوهم إدارة ترامب، إلى إجبار طهران على اللجوء إلى طاولة المفاوضات؟
قال ترامب بكل «عنجهية» ووضوح إنه «يرغب في أن يتصل به الإيرانيون»، زاعماً أنه منفتح على إجراء حوار مع القيادة الإيرانية، ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مصادر دبلوماسية أميركية قولها إن البيت الأبيض حدد رقما هاتفياً خاصاً، في حال أرادت إيران الاتصال بترامب عن طريق سويسرا، وقد استقبل ترامب، في مكتبه، الرئيس السويسري وتسربت معلومات تفيد أن ترامب طلب من الرئيس السويسري التوسط لدى إيران لتشجيعها على المفاوضات. وبالتالي فإن ترامب ينتظر على الهاتف ما يوصف بـ«الدلال الأميركي»، كان قد اعتاد ترامب مُمارسته، بما في ذلك تصريحه في تموز 2018 حول استعداده لمقابلة الرئيس الإيراني روحاني من دون شروط مسبقة، مع استخدام صيغة شَرطية: «إذا أرادوا أن نلتقي فسنلتقي».
بالمقابل، رفض مسؤولون إيرانيون وقادة عسكريون عرض ترامب باعتباره «حلماً بلا قيمة»، مؤكدين تناقض تصريحاته مع تحركه لإعادة فرض العقوبات وتحريك القطع العسكرية.
الواقع أن ترامب وضع كل ثقله لفرض حصار خانق على إيران، ولكنه لم يحصد غير التحدي والمواجهة، من خلال التهديد بمنع إيران كلياً من بيع نفطها، وصولاً إلى التلميح بفرض ذلك من خلال مضيق هرمز، وهو ما يعني الحرب. وهذا قد يضع أميركا ورئيسها في مأزق الهزيمة المدوية، والفشل هنا ينتظر ترامب. كيفما فعل دونالد ترامب فلديه قدر كبير من الغطرسة، والجهل بحقائق العالم ومتغيراته، ما يدفعه إلى الاعتقاد بإمكانية النجاح في إخضاع خصومه، وحتى أصدقائه، باستخدام أدوات الحرب الاقتصادية. وهو ماضٍ في خوض هذا النمط من الحرب، بدءاً من الصين، وصولاً إلى إيران. يعتقد ترامب أن سياسة الضغوط القصوى تجاه إيران ستفضي آجلاً أو عاجلاً إلى القبول بـ«المطالب» الأميركية، عبّر عن ذلك عندما أعلن أنه ينتظر اتصالاً من الإيرانيين لبدء عملية تفاوضية معهم.
إذا كان الهدف من التصعيد الحالي جلب إيران إلى التفاوض فإنها لن تأتي بالسهولة التي يتخيّلها ترامب، إنما بالشروط التي تحدّدها طهران، خصوصاً أنها راقبت التجربة الأميركية مع كوريا الشمالية واستوعبت دروسها. مجموعة في إدارة ترامب، تضم ائتلافاً من أنصار إسرائيل، على رأسها مستشار الأمن القومي جون بولتون، وصهر ترامب جاريد كوشنر الصهيوني، تحاول دفعه إلى اعتماد خيار الحرب. الرئيس ترامب قد لا يريد الحرب وربما لخوفه من عدم القدرة على التحكم بمداها ومدتها ومن كلفها ونتائجها على مستقبله السياسي. لكن مجموعة الحرب في إدارته. ترغب بإنجاز مهمة تكفل أمن إسرائيل. لذلك تضاعف ضغوطها على الرئيس.
وبين رسائل الردع التي توجهها إيران، ومحاولة الطمأنة التي تقوم بها واشنطن، يظهر تخبّط غير مفهوم في الإدارة الأميركية. لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمنّي النفس، مفترضاً أن طهران ستتفاوض قريباً مع واشنطن، مجرد أمنيات، وقال بوضوح مؤخراً (لا نريد الحرب مع إيران، نريد التفاوض) بالمقابل قالت رئيس مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي: الرئيس ترامب لا يملك حق شن الحرب، يجب أن يقدم لنا المعلومات. يُلاحظ أن إيران لم تغيّر في موقفها الردعي في مواجهة مواقف ترامب المتقلّبة وتصريحات إدارته المتناقضة، حيث أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني «واشنطن ستعجز عن كسر ثبات الشعب الإيراني وإرادته»، مشيراً إلى أن الأعداء وصلوا إلى خط النهاية. الأسبوع الماضي أعلن وزير خارجية إيران من طوكيو أن لا صحة للمزاعم أن طهران ترغب بالمفاوضات مع ترامب، وأن بلاده تتصرّف بـ«أقصى درجات ضبط النفس»، متهما الولايات المتحدة بتصعيد «غير مقبول» يبدو أن الجانبين لا يريدان الحرب كما أعلن كل من دونالد ترامب الذي يخشى من تكرار مغامرة جورج دبليو بوش، والمرشد الإيراني علي خامنئي الذي أشار إلى أن الحرب «لن تقع» مع الولايات المتحدة. ترامب يدق طبول الحرب الاستعراضية وينتظر التفاوض على الهاتف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن