الأولى

لا حرب على إيران

| تييري ميسان

لم يكن أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حل لتجنب عزله من منصبه، بعد أن خسر الأغلبية في مجلس النواب، إلا الشروع في عقد اتفاق مع الدولة الأميركية العميقة، تم بموجبه إصدار المدعي العام روبرت مولر قراراً بتبرئته من تهمة الخيانة العظمى لمصلحة روسيا.
من منا لم يعد يعرف أن المحامي الأميركي إليوت أبرامز، وهو من المحافظين الجدد وأحد أقطاب «عملية إيران كونتراس»، قد تم تكليفه رسمياً بزعزعة استقرار فنزويلا. تلك العملية التي كان من المقرر لها أن تبدأ في تدمير هياكل الدول في «حوض البحر الكاريبي»، كاستمرار لما تم البدء به منذ سبعة عشر عاماً في تدمير هياكل الدول في «الشرق الأوسط الكبير» وفقاً لإستراتيجية رامسفيلد-سيبروفسكي، التي مُنيت بفشل ذريع، بعد أن انشق رئيس جهاز المخابرات العسكرية، وانكشف أمره، فعمد إلى تنظيم انقلاب عسكري. الأمر الذي جعل دونالد ترامب يسارع بوضوح إلى تحذير أولئك الذين يحاولون توريط الولايات المتحدة بحرب جديدة، بهدف إخفاء فشلهم.
فما كان من البنتاغون إلا أن أطلق عملية تحويل الأنظار نحو إيران لإنقاذ إليوت أبرامز، وجعل الرئيس ترامب يصب جام غضبه على مستشار الأمن القومي ​​جون بولتون، وهي مناورة لم يستسغها كثيراً وزير الدفاع باتريك شاناهان.
وفي غضون ذلك، أصدرت إحدى وكالات الاستخبارات الأميركية تنبيهاً أشارت فيه إلى أن المرشد الأعلى علي خامنئي قد أمر بشن هجمات على الدبلوماسيين الأميركيين في كل من أربيل وبغداد.
ورداً على ذلك:
أرسلت واشنطن مجموعة أبراهام لنكولن الحربية إلى مياه الخليج، وسحبت موظفيها الدبلوماسيين غير الضروريين من العراق.
أما السعودية التي تتهم طهران بتخريب منشآتها النفطية، فقد دعت واشنطن إلى مهاجمة إيران، بينما طلبت البحرين من رعاياها مغادرة إيران والعراق على الفور، بالتزامن مع قيام شركة إكسون موبيل البترولية بسحب موظفيها من موقع غرب القرنة في العراق، وطلب قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الجنرال كينيث ماكينزي، تعزيزات فورية.
وأخيراً وليس آخراً، كشفت صحيفة نيويورك تايمز في الوقت نفسه عن خطة لغزو إيران بـ120 ألف جندي أميركي، ما جعل الرئيس دونالد ترامب ينفي على الفور صحة ذلك الخبر، ويدعو طهران للحوار.
وفي الواقع، فإن كل ما حصل حتى الآن ليس ذا شأن، وخلافاً لتكهنات وسائل الإعلام الدولية، فقد استند تقرير المخابرات الأميركية حول هجوم محتمل ضد الدبلوماسيين:
أولاً، إلى مذكرة من المرشد الأعلى آية اللـه علي خامنئي. لكن المحللين اتفقوا على أن وجود تفسير آخر للمستند نفسه، أمر ممكن.
ثانياً، لم تذهب المجموعة البحرية الأميركية إلى الخليج لتهديد إيران، لأنه كان مقرراً لها أن تذهب إلى هناك منذ فترة طويلة لاختبار نظام مضاد للصواريخ البحرية AEGIS. وقد رفضت سفينة إسبانية، وهي الفرقاطة مندينيز، التي شاركت في تلك الرحلة مواصلة هذه المهمة، كي لا تشارك في هذا الالتباس الحاصل، وظلت تنتظر في مضيق باب المندب ولم تعبر مضيق هرمز.
ثالثاً، يُعتبر سحب الدبلوماسيين من العراق جزءاً من الانسحاب المفاجئ للموظفين الدبلوماسيين من أفغانستان في شهري آذار ونيسان الفائتين. وبالتالي فإن إعادة تنظيم المناصب الدبلوماسية لايُعتبر بمنزلة إعلان حرب. بل على العكس من ذلك، فقد تم التفاوض على تنقلات هؤلاء الموظفين مع روسيا.
أخيراً، إن تعمّد وسائل الإعلام الدولية تجاهل تلك النقاط أو التظاهر بتجاهلها، أتاح لها التهويل بأننا قاب قوسين أو أدنى من حرب جديدة في الخليج، لتقع المرة تلو الأخرى في خطأ تحويل رغباتها وأمانيها إلى حقائق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن