من دفتر الوطن

مشفى الأخلاق

| عبد الفتاح العوض

هل بقي أحد يتحدث عن الأخلاق؟
الحديث عن الأخلاق في المجتمع أصبح مثل حديث فقير عن امتلاك طائرة خاصة!
أكثر الأشخاص الذين لا يبالون بالأخلاق هم فئتان.. الأكثر فقراً والأكثر غنًى.
ومنذ البداية أنا لا أتحدث عن الأخلاق الشخصية، بمعنى السلوك الشخصي أكان هذا السلوك أخلاقياً أم لا، ففي هذه الأمور ثمة أشياء متغيرة كما ثمة أشياء نسبية. وقبل وبعد كل ذلك هي حرية شخصية.
السلوك الشخصي ليس من حق أحد إطلاق الأحكام عليه على اعتبار أنه يبقى في
حدوده الشخصية وتأثيراته محدودة.
إذاً هنا لا أنوي أبداً أن أخوض في الحكم على السلوك الشخصي للأفراد ولكن أريد أن أناقش موضوعاً شائقاً وعميقاً وهو القيم العامة أي مجموعة الأخلاقيات التي يتوافق عليها المجتمع ويرضاها على أنها أشبه «بالعرف الأخلاقي».
إذاً الحديث هنا عن مفهوم القيم العامة التي تتبناها المجتمعات، وغالباً منظومة القيم هذه هي التي تستطيع أن تحدد مسار المجتمع وأفق تطوره. كأن يكون من قيم المجتمع احترام القوانين وقبول الآراء الأخرى والاهتمام بالشأن العام وحرمة المال العام والمسؤولية الاجتماعية والتطوع والمشاركة العامة، وغيرها كثير.
شيء آخر أود أن أنبه له هنا أنني لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع من ناحية القيم الأفلاطونية، وناهيك عن أنها أصلاً غير موجودة إلا في الكتب ومقالات الوعظ إلا أنني أتحدث هنا عن القيم المفيدة والواقعية التي تساعد في ارتقاء المجتمعات في مجالات الحضارة.
أعرف أن هذا الموضوع يثير البعض وأعلن مسبقاً احترامي لكل من يختلف معي
حول ما إذا كان هناك قيم واقعية أو مفيدة أو أن القيم لها قوانينها الخاصة بغض النظر عن كونها مفيدة أو واقعية، وأجد نفسي مضطراً للتذكير مجدداً بأنني لا أتحدث عن أخلاقيات الفرد بل أتحدث عن قيم المجتمع التي تحدد دساتيرها وقوانينها.
يقول عابد الجابري: الجماعة وليس الفرد هي التي تنتج القيم حتى ولو نسبتها إلى فرد منها.
وهنا سأورد مثالاً توضيحياً عن مفهوم الأخلاق الواقعية.
يقال إن الأحنف بن قيس هو أكثر العرب حلماً ومما يروى عنه أنه جيء إليه بابن أخيه وقد قتل ابنه، فالتفت إلى ابن أخيه وقال له: يا بن أخي رميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مئة ناقة دية ابنها، عندما شاع هذا الأمر عند العرب جاءه رجل فقال له علمني الحلم يا أبا بحر فقال له الأحنف هو الذل يا بن أخي، أفتصبر عليه.
هل يمكن أن يكون الذل عملاً أخلاقياً وقيمة عليا، فيما لا يكون الحلم إلا به؟
أيضاً مثال آخر، كان الملوك يستميلون الناس «بالأعطيات» ويخصّون الشعراء
والحكماء، والأمر بوجهه الواقعي هو «رشوة» غير معلنة!
أيضاً مثال آخر له علاقة بالصعاليك الذين كانوا «حرامية» لكنهم يسرقون من الأغنياء ويوزعون ما زاد عن حاجتهم للفقراء!
هذا الموضوع طويل لكن هناك طبيب عربي اسمه ثابت بن سنان ألف كتاباً في طب
الأخلاق، واقترح أن يكون هناك مستشفى خاص للعلاج من الأخلاق المذمومة.
أعتقد أننا بحاجة ماسة فعلاً إلى مستشفى الأخلاق!

أقوال:
الخوف أبو الأخلاق.
إنها قسمة عادلة، فالثراء للأقوياء والأخلاق للضعفاء.
اطلبوا الحاجات بعزة النفس فإن قضاءها بيد الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن