اقتصادالأخبار البارزة

قرار رسمي روسي ثابت بدعم سورية اقتصادياً … الملحق التجاري الروسي في سورية لـ«الوطن»: شركات الطاقة الروسية تنتظر البدء بمشاريع النفط والغاز

حاوره : علي محمود سليمان – تصوير: طارق السعدوني :

اتسمت العلاقات السورية الروسية بالتعاون الكبير في كل المجالات على مدى العهود السابقة وخصوصاً في السياسة والتعاون العسكري، ولكن يبقى التعاون الاقتصادي هو الأهم والأكثر نفعاً لهذه العلاقات، لكون الاقتصاد هو المحرك الأساسي للعلاقات بين الدول، ويلاحظ أن التعاون الاقتصادي بين الدولتين لم يصل إلى المستوى المأمول حسب التصريحات الرسمية، وقد بدأ العمل مؤخراً على تطويره خصوصاً منذ بداية الأزمة السورية، حيث شهدت السنوات الماضية عقد العديد من اللقاءات سواء بين الجهات الرسمية أو القطاع الخاص في البلدين.
«الوطن» التقت الملحق التجاري في سفارة جمهورية روسيا الاتحادية في دمشق الدكتور إيغور ماتفيف واطلعت منه على تفاصيل العلاقة الاقتصادية بين البلدين.

علاقات طيبة
كيف تقيمون الميزان التجاري بين سورية وروسيا؟
بداية نوضح أنه لا يوجد توازن بين الصادرات والواردات بين البلدين بشكل عام، ونعطي مثالاً الأرقام المتعلقة بالعام الماضي 2014، حيث بلغ حجم الصادرات من روسيا إلى سورية أكثر 600 مليون دولار، بينما لم يتجاوز حجم الصادرات السورية إلى روسية مبلغ 20 مليون دولار، وهذه تعتبر فجوة كبيرة وخللاً واضحاً في الميزان التجاري لأسباب عديدة منها، إن التعاون الاقتصادي بين البلدين كان مقتصراً في مراحل سابقة على التعاون الحكومي الرسمي في القطاع العام، على حين كان التعاون في القطاع الخاص ضعيفاً نسبياً وشبه معدوم في مراحل سابقة خصوصاً خلال فترة الاتحاد السوفييتي، إضافة إلى أن العقوبات الخارجية التي فرضت على سورية سواء خلال الأزمة أو قبلها، والعقوبات المفروضة على روسيا ساهمت في الحد من تطوير التعاون في القطاع الخاص، حيث تتسبب العقوبات في إضعاف مصادر التمويل للعلاقات الاقتصادية الخارجية في البلدين، حيث إن العقوبات منعت المصارف الروسية من تمويل التبادل التجاري وإقامة المشاريع، وبالمثل تتسبب العقوبات في سورية بعدم وجود دعم وتمويل للتبادل التجاري الخارجي، وقد تم البحث خلال الجلسة التاسعة للجنة المشتركة الروسية السورية التي عقدت في مدينة سوتشي خلال شهر تشرين الأول الماضي في تشجيع العلاقات بين رجال الأعمال الروس والسوريين، وتم الاتفاق على تطوير العلاقات بين القطاع الخاص في البلدين.

قرية للصادرات والواردات في اللاذقية
خلال اجتماعات سوتشي تم التباحث في العديد من النقاط منها افتتاح فروع للمصارف الروسية في سورية، وتمويل المشاريع من المصرف المركزي في البلدين بالعملة الوطنية، وإقامة مناطق للصادرات بين البلدين وغيرها، أين وصل العمل بهذه الأفكار؟
الحوار الذي جرى في سوتشي بين رجال الأعمال الروس والسوريين كان نشيطاً ومهماً جداً، وقد جرى العديد من زيارات لرجال أعمال سوريين إلى روسيا من بعده، إضافة إلى الزيارة الأخيرة لرئيسة هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية إلى موسكو، وقد تم خلال هذه الزيارات الاتفاق على افتتاح فروع لشركات روسية ضمن الأراضي السورية، والعمل جار حالياً لإقامة قرية الصادرات والواردات السورية الروسية في مدينة اللاذقية، وأصبح المشروع على قائمة المشاريع القريبة التنفيذ حيث يتوقع الانتهاء من إنجازها خلال نهاية الشهر الحالي أو ضمن شهر تشرين الأول القادم.
حيث سيتم ضمن هذه القرية تجميع الصادرات السورية إلى روسيا وبالعكس تجميع الصادرات الروسية القادمة إلى سورية، ومن خلال هذه القرية ستتم إقامة فروع لمعامل وشركات روسية في سورية، وهي تعتبر الخطوة الأولى الحقيقة والأهم في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفي مرحلة ثانية ستتم إقامة البيت التجاري السوري في روسيا، بهدف دعم وتمويل عمليات التبادل التجاري لهذه القرية وغيرها من المشاريع المشتركة، والحوار قائم بهذا الخصوص بين رجال الأعمال في البلدين إضافة للتواصل مع مصرف سورية المركزي بانتظار تحديد الجدول الزمني للبدء بهذا المشروع.
وعند الانتهاء من إقامة قرية الصادرات والبيت التجاري ستصبح الحاجة ملحة لإيجاد مصادر تمويل للمشاريع في البلدين، وعندها سيتم افتتاح فروع للمصارف الروسية في سورية لتمويل المشاريع، فلا يمكن للمصارف أن تفتح فروعاً لها في أي بلد إن لم يكن هناك حاجة لها.
إضافة إلى أن المباحثات جارية وبنشاط وزيارات الوفود لم تتوقف من أجل العمل على تمويل المشاريع من المصرف المركزي في كلا البلدين، بانتظار البدء بخطوات حقيقة وفعالة بمشاركة رجال الأعمال من الطرفين بحيث يصبح التعاون بين رجال الأعمال الروس والسوريين عامل ضغط على حكومة البلدين لتمويل المشاريع المشتركة بالعملات الوطنية من المصرف المركزي في البلدين، وذلك بعد إقامة علاقات الثقة بين رجال الأعمال في البلدين، حيث إنه وللأسف لا يوجد تاريخ طويل بين رجال الأعمال، ولكن الآن مع وجود العقوبات الأوروبية والأميركية على البلدين يجب أن يتم تطوير التعاون بين القطاع الخاص في البلدين لأنه أصبح حاجة ملحة وضرورية لإيجاد قنوات جديدة للتعاون الاقتصادي.
بعد مرور قرابة العام على إطلاق خط الممر الأخضر البحري بين البلدين وقد تم نقل عدة شحنات من البضائع والسلع ضمنه، ما تقييمكم لهذا المشروع وكيف سيتم تطويره؟
بداية أود أن أوضح أن المعلومات التي نشرت في وسائل الإعلام عن هذا المشروع لم تكن صحيحة كلها، حيث إن فكرة الممر الأخضر بدأت في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في سورية بناءً على خبرات إيجابية من سنة 2002 لدخول البضائع والسلع السورية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي وخصوصاً إيطاليا وكانت الفكرة ناجحة جداً، وتم التمهيد لها من خبراء في معهد البحوث الزراعية في سورية، والمشروع كان كبيراً جداً ويتضمن العديد من الإجراءات الإدارية والجمركية واللوجستية، ولا يتوقف عند تصدير البضائع فقط.
وقد تم طرح فكرة المشروع خلال اجتماعات سوتشي، وتم البدء به بمرحلة تجريبية في الفترة الماضية، ولكن حتى يعطي هذا المشروع النتائج المخطط لها يجب أن يكتمل تنفيذ مشروع قرية الصادرات، حيث سيكون لهذا الممر الأخضر دور أكبر وأهم هو صلة الوصل بين البلدين، وسيتم التوسع فيه من ناحية نوعية وكمية البضائع والسلع المتبادلة بين البلدين، بحيث تكون السلع السورية منافسة في الأسواق الروسية بالمقارنة مع سلع دول أخرى مثل تركيا ومصر والمغرب، وسوف يساهم في تصحيح الخلل بالميزان التجاري بين البلدين.

مشروع لتجميع المحولات الكهربائية
ما أهم القطاعات الاقتصادية التي تهم رجال الأعمال الروس في سورية وهل تشجعونهم للعمل فيها وإقامة مشاريع لهم ضمن الأراضي السورية؟
يعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات التي تهم رجال الأعمال الروس وخصوصاً في مجال البنية التحتية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وسيكون التعاون في إقامة مشاريع لها بشكل مستقل من الشركات الروسية، إضافة إلى تعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة، كما أن قطاع الكهرباء يحظى باهتمام جيد وهناك مشروع مشترك سيقام في فترة لاحقة لتجميع المحولات الكهربائية في الأراضي السورية وممكن أن يتم تنفيذه بشكل مستقل أو ضمن قرية الصادرات في اللاذقية، إضافة إلى مشروع لأعمدة الكهرباء يتم الاتفاق عليه بين رجال الأعمال بين البلدين، كما أن هناك مشروعاً للمياه في اللاذقية سيتم العمل على تنفيذه بالتعاون بين البلدين.
ومن المهم معرفة وجود شركات روسية ضخمة تسعى للدخول إلى السوق الروسية كشركات الغاز، حيث سيتم العمل مع شركة روسية لبناء محطة تشرين الكهربائية الثالثة في ريف دمشق، مع وجود خطة عمل في قطاع تكنولوجيا البناء السريع والعمل جار للبدء بتنفيذ مشروع ناجح قبل نهاية العام الحالي، إضافة إلى بدء تنفيذ مشروع مطحنة للحبوب في منطقة تلكلخ في محافظة حمص من شركة روسية، وهو مشروع مهم جداً وعلى أساسه سيتم العمل على بناء ثلاث مطاحن أخرى بدعم وتعاون مع الشركة الروسية نفسها.
وهناك حوار لتصدير الخشب من روسيا إلى سورية لتطوير الصناعات المتعلقة فيه في الأراضي السورية، كما يوجد اهتمام معين بتطوير البنية التحتية لقطاع السياحة والمباحثات جارية بين القطاع الخاص لدى البلدين لبناء منشآت سياحية في اللاذقية.
وقد كان هناك مباحثات سابقة لإقامة خط نقل مباشر بين مطار اللاذقية ومطار كرازنادر الدولي على الأقل للموسم الصيفي ولكن لأسباب تتعلق بظروف الأمن والأزمة في سورية تم الاكتفاء بإقامة خط لنقل المساعدات الإنسانية الروسية إلى مطار اللاذقية، ولكن الاهتمام موجود في مجال الطيران بين روسيا وسورية، إنما حالياً لا يوجد إمكانيات ملموسة حقيقية لإقامة هذا التعاون بانتظار تحسن الظروف لبدء المباحثات والتطبيق على أرض الواقع، مع الإشارة إلى أنه عند الانتهاء من تنفيذ مشروع قرية الصادرات في اللاذقية سيكون هناك حاجة ملحة لتطوير وسائل النقل بين البلدين ولن يتم الاكتفاء بالنقل البحري.
وبشكل عام فإن التعاون والتباحث بين رجال الأعمال بدأ بالنشاط بشكل قوي سواء بين الشركات الكبرى أو المتوسطة وحتى الشركات الصغيرة لإيجاد اتجاهات مثمرة للتعاون بين سورية وروسيا.
إلى أي درجة تهتم الشركات الروسية بقطاع الطاقة في سورية وهل من مشاريع سيتم البدء بها قريباً؟
المباحثات في مجال النفط والغاز لم تتوقف في المرحلة السابقة وبعدها مستمرة، وقد بدأت شركة روسية بأعمال المسح والاستكشاف للنفط في المياه الإقليمية السورية، ولكن هناك فرق بين أعمال الاستكشاف في البحر كمنطقة آمنة، وبقية أعمال التنقيب في مناطق أخرى تعتبر غير آمنة حالياً، حيث إن الشركات الروسية متحمسة لإقامة مشاريع لها ضمن الأراضي السورية ولكنها تنتظر عودة الأمان لكل المناطق للمباشرة بهذه المشاريع، فمثلاً إقامة مشروع مصفاة نفط في منطقة الفرقلس تحتاج للأمان لتنفيذها بشكل كامل.
وهنا أوضح أن التعاون كبير جداً بين الحكومة الروسية والقطاع الخاص الروسي في مجال مشاريع الطاقة التي تنفذ خارج الأراضي الروسية، ولذلك تهتم الحكومة الروسية بتوفير الأمان للعمال الروس لضمان سلامتهم في تنفيذ المشاريع، والاهتمام بمشاريع النفط والغاز في سورية يعتبر بالغ الأهمية لدى الحكومة الروسية والشركات الخاصة الروسية، مع وجود ثقة تامة بعودة الأمان إلى جميع الأراضي السورية، ومن ثم البدء بهذه المشاريع الحيوية المهمة.

دعم سورية في الانضمام إلى المنظمات الدولية
تقدمت سورية بطلب للانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي، وطلب آخر للانضمام إلى منظمة شنغهاي إضافة إلى التباحث مع منظمة دول بريكس، ما القرار الروسي بشأن هذه الطلبات وما كيفية التعامل معها؟
ما يتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي فإن الحوار مستمر ولم يتوقف، والموقف الرسمي الروسي واضح بهذا الخصوص بدعم الانضمام السوري ولكن القرار لا يتوقف عند روسيا فهناك دول أخرى ضمن الاتحاد، وتعمل روسيا على المساعدة للإسراع بعملية الانضمام، وبالمقابل يجب على الطرف السوري بذل الجهود المطلوبة للتعاون مع بقية الدول في الاتحاد، وإني أرى أن الانضمام للاتحاد الأوراسي بالنسبة لسورية سيكون قريباً.
أما بالنسبة لمنظمة شنغهاي يعتبر القرار سياسياً أكثر منه اقتصادياً وما زال مبكراً الحديث عن الانضمام ولكن العمل جار بهذا الخصوص، أما بالنسبة لمنظمة دول بريكس فإن الحوار جيد بين سورية وكل أعضاء منظمة بريكس في مجالات مختلفة وهناك مساعدات تقدم من دول بريكس، والمباحثات والاتصالات مستمرة وهو أمر طبيعي لأن دول منظمة بريكس تدعم الموقف السوري في مكافحة الإرهاب الدولي، مع وجود آمال في المستقبل بأن يصبح التعاون والتنسيق أكبر وبدرجة أعلى.
وهنا أؤكد وأشدد على أن الحكومة الروسية لديها قرار ثابت بأن أي طلب يتعلق بالشقيقة سورية يقابل بأقصى درجات الاهتمام والمتابعة والدعم وهو مبدأ أساسي للسياسة الروسية في العلاقة مع سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن