من دفتر الوطن

أميركا عالم ثالث

| حسن م. يوسف

حسب أن تاريخ البشرية على سطح كوكب الأرض هو تاريخ العنف، فقد بدأ العنف عندما استخدم الكائن البشري القديم الأداة ضد الكائنات الأخرى التي تهدده أو تنافسه، ولم يكف الرجل لحظة واحدة عن تجديد وتكريس عنفه منذ أقدم العصور وحتى الآن. وقد قرأت منذ سنوات مقالاً لأحد النقاد الأميركان يقول فيه: «اليهود الأميركان أسسوا هوليود، وهوليود جعلت الانتقام موضوعها الأساسي. إن السينما الأميركية هي تعبير عن العقل الباطن الجمعي اليهودي، وقد كانت عاملاً أساسياً في تكوين النفسية الأميركية. من هوليود انتشرت الرغبة في الانتقام إلى مختلف أنحاء العالم، وساهمت بالتأكيد في صياغة العالم الذي نعيش فيه»، كذلك قرأت بحثاً لكاتب أميركي آخر يقول فيه ما معناه: لو قتل شخص في الواقع الأميركي مقابل كل شخص يقتل في الأفلام والمسلسلات الأميركية التي تعرض داخل أميركا وخارجها، لفنيت أميركا خلال خمسين دقيقة، علماً أن عدد سكان أميركا كان عند نشر ذلك البحث نحو ثلاثمئة مليون شخص إلا قليلاً.
ما أريد قوله من خلال ما سبق هو أن ترامب لم يخترع أميركا ولم يغير شيئاً من طبيعتها ودورها، كل ما فعله هو أنه كشف الغطاء عن ممارسات أميركا كدولة مارقة على القانون.
فعندما طلبت أميركا من الملك فيصل إلغاء سندات الخزينة المستحقة للدولة السعودية بمئات مليارات الدولارات، بذمة الولايات المتحدة، اشترط أن يصلي في القدس قبل إصدار موافقته فقام ابن شقيقه الأمير فيصل بن مساعد بإطلاق النار عليه في مكتبه بالديوان الملكي يوم الثلاثاء 25 آذار وكان أول ما فعله خلفه الملك خالد هو إلغاء تلك السندات.
نعم، في السابق كان الكاوبوي الأميركي يمارس سفالاته وتسلطه تحت الطاولة، فجاء ترامب وتبجح بممارسة تلك السفالات علناً.
تعلمون أن أميركا لا تكف منذ استقلالها عن الطنطنة بمختلف أنواع الحرية، وقد طالب الأميركان ملايين المرات عبر وسائل إعلامهم طوال القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي بضرورة جعل العالم سوقاً حرة للتجارة، وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد وفق فلسفة الاقتصادي آدم سميث (1723-1790) الذي يرى أن الفرد ولد حراً لذا يجب أن يكون السوق حراً في تنظيم نفسه بنفسه عبر التنافس، نظراً لأنه لا يمكن فصل حرية السوق عن الحرية السياسية والاجتماعية عملاً بالمبدأ الشهير «دعه يعمل.. دعه يمر» الذي ينسب لآدم سميث خطأ لأنه استخدمه في كتابه «ثروة الأمم»، على حين أن صاحب المقولة هو فنست دي جورناي الذي كان عضواً في جماعة «حكومة الطبيعة» الفرنسية.
نعم لم تكف أميركا عبر تاريخها القصير عن تسويق نفسها على أنها «دوحة الحرية» و«حقوق الإنسان»، كما لم تكف يوماً عن المطالبة بـ«التدفق الحر للمعلومات»، و«حرية التجارة»، وسبب ذلك هو أن تلك الشعارات كانت دائماً تخدم مصلحتها. لكن الحياة دولاب، إذ إن ميزان «التجارة الحرة» أصبح يصب في مصلحة الصين الآن، لذا بدأت أميركا تفرض رسوماً على البضائع الصينية في محاولة لتعديل الميزان التجاري عبثاً. وقد أصيبت أميركا مؤخراً بواحد من رموز كبريائها، عندما تراجع هاتف الآيفون من المركز الأول إلى المركز الثالث عالمياً بعد سامسونج الكوري وهواوي الصيني! لذا أعلنت أميركا الحرب وأمرت شركاتها بخنق هواوي، عبر منعها من استخدام البرمجيات الأميركية في منتجاتها، زاعمة أن هواوي تتجسس لمصلحة الصين وتسرق الأسرار الصناعية الأميركية. والقصة وما فيها هو أن الأميركان جنّ جنونهم لأنهم تحولوا إلى عالم ثالث في دنيا الاتصالات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن