قضايا وآراء

البحث عن الأزمة!

| مازن بلال

يصعب إيجاد الأزمة السورية وسط التراكم الذي خلفته طوال السنوات الماضية، وهي ظهرت أساساً من دون حالة سياسية واضحة، فأدواتها كانت وما تزال إعلامية بالدرجة الأولى، على حين لا يبدو عمقها السياسي واضحاً إلا في بعض النتائج التي خلفتها، فرواية الأزمة تقارب في صعوبتها الحلول التي يمكن أن تظهر في التفاوض، ونوعية التحالفات التي تبلورت بشكل خارج عن المألوف.
في الأزمة السورية كانت مسألة الحل السياسي عنواناً ظهر في اللحظات الأولى، لكنه لم يأخذ بعده العام إلا مع عام 2015 مع التدخل العسكري الروسي، فقبل هذا التاريخ كان الحل يتخذ تفسيرات كثيرة ويُستخدم في عمليات الضغط الدولي كما حدث في جولتي جنيف 1 و2، ورغم البعد الدولي لمسألتي التفاوض والحل السياسي لكنهما أبعد ما يكون عن التحقق، فهما مجالا الصراع الأساسيان بخصوص شرقي المتوسط عموما.
عملياً فإن العناوين السياسية هي مجال شد وجذب في المحافل الدولية، ولكن الغريب في الموضوع السوري هو أن هذه العناوين تتمظهر بشكل مختلف داخليا على الأقل، فكل جولات جنيف وما رافقها من تصريحات لمختلف الأطراف لم تنعكس على مساحة الفكر السياسي داخلياً، ولم تدفع لآليات سياسية للأطراف الموجودة، على حين على المقلب الآخر فإن المعارك كانت العنصر الوحيد الذي يقدم صورة الأزمة، أما في الخارج فالأمر كان كارثياً لأنه تفوق على كل الاحتمالات وقدم شكلاً من التقلبات للأطراف لا تعبر إلا عن مساحات سياسية مغلقة ورغبات شخصية مفتوحة.
يتضح البعد الداخلي للأزمة السوري في الأداء الحكومي الذي يتوقعه المواطن، وليس في أي بعد آخر مرتبط بنسق سياسي خاص، فالحرب لم تدفع أي نخب جديدة ولم تطرح منهجية تفكير مختلفة، وربما لأنها بقيت في مساحة غامضة لا تملك أي تفسير لما حدث فانتهى التفكير السياسي بها، واتجهت نحو إطار المعاناة التي أنتجتها الأحداث العنيفة، وعندما نحاول التفكير بالحل السياسي اليوم فإننا نواجه أمرين لا علاقة لهما بكل أشكال التفاوض، ولا بأي خطاب سياسي ظهر سابقا أو يرافق حدثا جديداً على الأرض، فنحن أمام:
– بعد محلي لا يمكن مقارنته بالبعد الدولي الذي اتخذته الأزمة في كل أطوارها، فالمواطن المعني بتجاوز ما خلفته الحرب لا يكترث لمساحة «الانتقال السياسي» التي يطرحها البعض في المحافل الدولية، فهو ينتظر كسر الحصار الاقتصادي بـ«إجراء حكومي» و«إعادة الإعمار» بحلول ضمن خطط الوزارات، فالأزمة بالنسبة له مرتبطة أولا وأخيراً بواقع محلي منفصل عموماً عن كل التعقيدات الخاصة بالأزمة.
– رؤية للأزمة لا علاقة لها ببدايتها، فقانون السبب والنتيجة مفقود هنا، ومن يتذكر مهرجانات «التظاهر» في بداية الأحداث يستغرب ما آلت إليه الأمور، وبغض النظر عن وجهات النظر المتباينة في سير الحدث السوري، إلا أن الغريب أن «الرؤية» اليوم منصبة على التفاصيل الخاصة بمسؤولية الدولة وليس بسياسات الدولة كما كان البعض يتحدث عنه في بداية 2011.
الأزمة في كل مساراتها كان فيها هامش من الزيف أوسع بكثير من الدائرة السياسية المتعلقة بها، وعندما نحاول البحث عن المساحة التي أنتجتها فإننا نكتشف أنها بدأت واستمرت من دون أي تصعيد على مستوى الثقافة الاجتماعية، فهي لم تخلف سلوكا وأدوات يمكن عبرها تمييز مرحلة الأزمة عن غيرها، ولكنها مرت بكل أحداثها الكارثية لترسم إشارات استفهام حول هذا المسار الذي لم يفهمه الكثيرون، وهو يحتاج بالفعل إلى إنتاج علاقات سياسية لا تفسر ما حدث بل تقدم تصوراً إلى الاتجاه الذي يمكن أن نسير إليه حالياً ومستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن