قضايا وآراء

بين الدراما الرمضانية وصفقة القرن.. حيّ على المقاومة

| فرنسا- فراس عزيز ديب

في هذا الشرق البائس، تستمر الدراما الرمضانية تحديداً تلك التي يصنعها الصغار ويقع في مطبّها الحمقى بتعويم الإمّعات كصُناع رأي، ربما أنه سياقٌ طبيعي اعتدنا عليه لأننا ندفعُ ثمن عقود من تدجين المبدعين الحقيقيين أو تهميشهم، لكن ما يعزّينا كمواطنين بُسطاء إيماننا بمقولة:
من خُلق ليزحف فلن يطير.
أمّا في هذا العالم الملتهب والمتشابك في ملفات عدة، فإن دراماهُ الخاصة بأبطالها وبأحداثها المشوقة لازالت تعد بالكثير، بعضهم انتهى دورهُ قبل وصولنا لليوم الثلاثين، حيث أنهى المخرج دور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قبل أن تحقّق حلمها بما سمته «رحيل أو محاسبة (الرئيس بشار) الأسد».
مشهدٌ بات مكرراً في دراما الحارة التي تمثلها تيريزا ماي، لكنه عملياً ليس المشهد الوحيد الذي يبدو كمن تمت سرقتهُ من أحداث سابقة، هو كمثل الكثير من الدراما الرمضانية الحالية مسروقة وليست مقتبسة كما يدّعي صانعوها، وإلا ما الفرق مثلاً بين المشهد الذي يشكُر فيه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مساعدة مصر لهم بإطفاء الحرائق التي اندلعت في الأراضي المحتلة، ومشهد تحليق ملك شرقي نهر الأردن السابق يوماً ما فوق الأراضي المحتلة عشية توقيع اتفاق «وادي عربة الذل» ليخاطب المحتلين بالعبارة الشهيرة: شالوم!
أما دراما حرب النجوم والتكنولوجيا الرقمية فهي وإن بدت على خصام مع صحراء شرقنا البائس الذي لا يزال يبحث عن لحوم العلماء المسمومة، إلا أنها وجدت طريقها من جديد بين الحارة الصينية والحارة الأميركية والذي فيما يبدو وكأنها معركةُ كسر عظم ستكتب نهايتها تاريخاً جديداً في هذا المجال سيصنعهُ المنتصر، ليحطّ الرّحال بنا أخيراً في دراما الخيال العلمي وبعنوان عريض: استخدام السلاح الكيميائي.
ردّ بيان وزارة الخارجية السورية على الاتهامات الغربية لنية الجيش العربي السوري استخدام السلاح الكيميائي في معركة إدلب، كان من الواضح أن البيان هو خطوة استباقية لما قد يأتي، مع تصاعد الأنباء عن تحشيد إعلامي غير مسبوق في المنطقة من قبل محور الحرب على سورية، ربما أرادوا ضمان وجود شهود عيان يتمتعون بمصداقية لتبرير ضربات قادمة أو عدوان على نقاط حيوية عسكرية أو مدنية، لكن من جهة ثانية قد تبدو التهديدات الغربية عملياً مجرد كلام من باب رفع العتب لا أكثر وبمعنى آخر: عندما استخدمت الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا وأميركا ذريعة الكيميائي لمهاجمة سورية قبل عام كانت الظروف مختلفة، حيثُ الشرق الأوسط اليوم يقف على بركان بارود يبدو فيه أن أي سوء تقدير سيؤدي لنتائج لا تُحمد عقباها، هذا يعني أن الكلام الأميركي قد لا يعدو عن كونه بيعاً للوهم لعصاباتهم في إدلب، بالإضافة لذلك فإن بيان الخارجية السورية تحدث صراحةً عن سعي الغرب لإعاقة تقدم القوات العربية السورية، ولعل هذا الكلام يؤكد ضمنياً أن قرار تحرير إدلب منتهٍ ولا رجعة عنه، فهل الإعداد للمعركة بات في لمساته الأخيرة؟
ليس هناك أسوأ من كلمة «هدنة» في قاموس السوريين المحبين لبلدهم اليوم، هذا الكلام ليس حباً بالمعارك ولكن لأن كلمة هدنة مع الإرهاب باتت ببساطة متلازمة بمسارين: غدرٌ تركي، وشهداء.
على هذا الأساس يكاد يطغى السؤال المكرّر: تُرى من خدع من في هذه الهُدن هل الروس «انخدعوا بالأتراك» أم إن «الأتراك خدعوا الروس»؟
هو ليس خطأ لغوياً لأننا أساساً لا نستطيع القول إن «الروس خدعوا الأتراك» كون التركي وعصاباته هم المستفيدون من هذه الهدن، وقد تكون الإجابة أن لا فرق بين التعبيرين، لكن في السياق العام للأحداث في سورية فإن تشابه التعابير لا يعني تساوي النهايات، فإن كان الروس انخدعوا بهذه الهدنة عندها علينا أن نتساءل: كم هو رقم هذه الهدنة؟
أما إن قلنا إن الأتراك خدعوا الروس عندها علينا أن نسأل أين هو الطرف الثالث الذي هو عملياً ضامن لآستانا مثله مثل الروسي تماماً؟
يبدو من سير الأحداث عملياً أن الفرصة التي كانت ممنوحة للتركي انتهت، القضية هنا لم تكن مرتبطة فقط برفض التركي وتقاعسه عن الإيفاء بالتزاماته، القضية مرتبطة بدخوله بشكل مباشر في المعركة بدعم المجموعات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة، والهجوم الأخير الذي هدف لاستعادتهم «كفر نبودة» لم يكن كما يسوّق هجوماً لمجموعات إرهابية بل هو هجوم تركي بسلاح ناتوي تماماً كما حدث في حلب، يومها قلنا إن البعض يتعاطى مع المعركة وكأنها معركة الجيش العربي السوري ضد العصابات الإرهابية، والوقائع كانت تشير إلى أن الناتو كاملاً تداخل في المعركة بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا التداخل اليوم يُلقي بظلاله على ملفات تبدو أبعد من الأرض السورية، ملفاتٌ كان ولا يزال وجود ما يسمونه «النظام السوري» قائماً في دمشق سبباً لعدم تنفيذها فكيف ذلك؟
لم يكن الإعلان عن استضافة العاصمة البحرينية المنامة نهاية الشهر القادم لمؤتمر اقتصادي تمهيدي لما بات يُعرف بصفقة القرن سوى رأس جبل الجليد لما ستشهده المنطقة من خطوات تطبيعية، خطوات قد تُفضي كما ينتظر عرابوها لتصفية القضية الفلسطينية ومتعلقاتها من أراضٍ عربية محتلة خارج فلسطين الطبيعية إلى الأبد. هذا الحدث لابُدّ أن يوازيه حدثٌ آخر لجعله يمر بسلام، حدثٌ يستحوذ على وكالات الأنباء من دون استثناء، فكان الخيار برفع سقف التصعيد في الخليج لأعلى درجاته وهذا ما يحدث فعلياً، ففي الوقت الذي يتلهى فيه من يتلهى وهو يترقب سقوط الصاروخ الأول على منشأة «بوشهر» النووية، فإن صواريخ التطبيع وصلت حتى «بلد الحرمين» على شكل عبارة «شالوم»، طبعاً هذه الكلمة التي تعني السلام كانت ولا تزال ذريعةً للمطبعين وبمعنى آخر: هناك من يتساءل ماذا لو وقّع الفلسطينيون صفقة القرن هل علينا أن نكون فلسطينيين أكثر منهم، لماذا لا نشتري الرخاء الاقتصادي بالسلام؟
يبدو هذا الكلام العاطفي هو أسلوب لتسويق انهزامهم من الداخل، والمفارقة هنا بسيطة فلو أن السلام يصنع الرخاء الاقتصادي فأين هذا الرخاء في كل من مصر ومملكة شرقي نهر الأردن؟
إن ما يجري الإعداد له في الخليج العربي لا يعدو عن كونه الستار الذي ستمر من خلفه صفقة القرن، وبدل النظر لإعلان ترامب عن وصول دفعات جديدة من القوات الأميركية مع كامل عتادها إلى المنطقة لندقق بالتصريحات التي تحدثت عن إعلان الولايات المتحدة بيع أسلحة وعتاد لكل من الأردن والسعودية والإمارات بمبلغ يقارب العشرة مليارات دولار، وإن كانت التهديدات تملأ الخليج العربي إلا أن العين يجب أن تكون على من هم قادرون فعلياً على وقف مفاعيل صفقة القرن، والمقصود هنا سورية والمقاومة اللبنانية فقط، فبسقوطهما عملياً تصبح إيران أياً كانت القوة التي تمتلكها تحصيل حاصل، أما بقاؤهما فسيعني أن صفقات القرن والقرون القادمة لن تبدل في الحال شيئاً فهل يكون اللجوء لفرضية فرض صفقة القرن بالقوة؟
ببساطة كل الاحتمالات قائمة، وكل المعارك عدا المعارك الكلامية متشابكة، الحل معها وعلى جميع الجبهات الانتماء لسيناريو درامي واحد، سيناريو أبطالهُ ليسوا من ورق ولا باعة كلام ومواقف جوالين، أبطاله يليق بهم بحق لقب شجعان هذا العصر، سيناريو يصلح لكلّ الأزمنة وبعنوان عريض: حيّ على المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن