ثقافة وفن

«خبز الحياة» غزارة إنتاجية وأزمة تسويقية … المال عصب الصناعة الدرامية ومن دونه لا يمكن للعمل الإنتاجي أن يستمر

| وائل العدس

أزمة حقيقية واجهت عدداً من صنّاع الأعمال الدرامية خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية، بسبب مقاطعة الكثير من القنوات العربية، وبسبب ما يشهده الوطن العربي من حروب انعكست على الواقع الاقتصادي، إضافة إلى إدراج الأعمال العربية المشتركة التي بدأت يوماً بعد يوم تتصدر المشهد الدرامي خاصة مع الاعتماد على الكتّاب والمخرجين والممثلين والفنيين السورية، إلى جانب الدراما المدبلجة التي كانت ومازالت مادة مطلوبة.

ولكن مع بدء انجلاء الغمامة السوداء عن سماء سورية وتحقيق الانتصارات السياسية والعسكرية الواحد تلو الآخر، بدأت الدراما السورية تفرض نفسها بقوة على معظم القنوات العربية، من المحيط إلى الخليج، لتثبت أن هذه الدراما حاجة عربية لا بديل منها، لأن العرب أدمنوا درامانا فأصبحت هذه الدراما جزءاً من حياة كل أسرة عربية بطريقة أو بأخرى.
ولنعترف أن معضلة الدراما الرئيسية كانت تكمن في غياب السياسات التسويقية، إلى جانب إنتاج بعض الأعمال وفق ميزانيات متواضعة تؤثر سلباً في جودتها، والأهم هو عدم وجود نصوص لها علاقة بالمرحلة والمناسبة لحالة التسويق.
فالانتشار البطيء يكون عادةً بسبب المستوى السطحي الذي تعتمده بعض شركات الإنتاج التي تغلب المصالح والمحسوبيات في اختيار الممثلين غير الأكفاء، اعتقاداً منها أن الجمال وحده يسوّق للعمل.
وتعد وزارة الإعلام المسؤولة الأولى والأخيرة عن مسار الدراما السورية، وخاصة أنها تعتبر واجهة البلد وتتابع من الملايين في أرجاء الوطن العربي.
هذه الوزارة المهمة والمفصلية لم تبخل يوماً عن دعم الدراما، واليوم أصبحت مسؤولياتها أكبر من خلال التحفيز على صناعة الدراما وتشجيع الإنتاج الجيد ودعم صنّاع الدراما باعتبارها الأهم في ترسانة القوى الناعمة والمؤثرة.

أرقام حقيقية
خلال هذا الموسم ترنحت أربعة أعمال فقط خارج السباق الرمضاني من أصل 27 مسلسلاً كانت متاحة للعرض، منها 25 تم إنتاجها هذا العام ومسلسلان تم تأجيلهما من أعوام سابقة وهما «ترجمان الأشواق» و«هوا أصفر»، أما الأعمال التي خرجت فجميعها كوميدية وهي «أحلى الأيام» و«تكات لايت» و«حركات بنات» و«عيلة ع الموضة»، في إشارة إلى تحسن السياسة التسويقية لدى معظم الشركات.
لكن اللافت أن معظم المسلسلات السورية يعرض عبر قنوات محلية وعربية باستثناء ما أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج والتوزيع التي بقيت بمعظمها ضمن الإطار المحلي، وطبعاً المنتج الشاطر يستطيع تسويق مسلسله بأغلى سعر ولأكبر عدد من المحطات ذات الجماهيرية.
أربع قنوات فقط تكفلت بعرض مسلسلات هذه المؤسسة التي شهدت هذا العام غزارة ملحوظة في الإنتاج، فأنتجت ستة مسلسلات أضيفت إلى «ترجمان الأشواق» المعدل، لكنها جميعها عرضت عبر قناتي «الفضائية السورية» و«سورية دراما» محلياً، وقناتي «فلسطين» و«بي إن» المشفرة عربياً، وهو رقم هزيل يدل على أزمة تسويق كبيرة تعانيها هذه المؤسسة الحكومية نسبةً إلى الجهود المضاعفة التي تبذلها الشركات الخاصة لتسويق أعمالها بعيداً من المستوى الفكري والفني.
مسلسل «باب الحارة 10» مثلاً يعرض عبر 12 قناة، على حين يعرض «سلاسل ذهب» عبر عشر قنوات و«​دقيقة صمت​» بسبع قنوات، و«حرملك​» و«عطر الشام4» و«​بقعة ضوء​ 14» بست قنوات، و«مقامات العشق» و«لو جارت الأيام» على خمس قنوات، و«هوا أصفر» و«مسافة أمان» على أربع قنوات.
أما أعمال المؤسسة فتعرض وفق التالي: «شوارع الشام العتيقة» عبر «سورية دراما» و«فلسطين» و«بي إن»، و«ناس من ورق» عبر «سورية دراما» و«فلسطين» و«ترجمان الأشواق» عبر «السورية» و«سورية دراما»، و«عن الهوى والجوى» و«أثر الفراشة» و«ومضات» عبر «السورية»، و«غفوة القلوب» عبر «سورية دراما».
و أمام حالة الكساد في التسويق، وعلى اعتبار أن المؤسسة تابعة لوزارة الإعلام، فإن الشاشة المحلية ربما أرادت حفظ ماء وجه هذه المؤسسة وتكفلت بعرض أعمالها.

خبز الحياة
هيمنت على الدراما السورية خلال الأعوام السابقة مواسم من الليل البهيم متجسدة بالأعمال الساقطة والرديئة فناً وفكراً وأخلاقاً والتي لا تعبر أبداً عن المجتمع السوري.
ولذلك أطلقت المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مشروعها «خبز الحياة» لدعم الإنتاج الفني وصون الدراما السورية وفق قول منشئيها.
ودعا المشروع الفني الدرامي الإبداعي بحسب المؤسسة إلى التعاون معها من أجل إنتاج غزير ونوعي بطريقة إبداعية رابحة على كل المستويات تحقق المصلحة المشتركة للجميع.
وأكدت المؤسسة أن الهدف من المشروع حماية الإبداع والمبدعين والعاملين في قطاع الإنتاج الفني وصون الدراما السورية من التشتت والضياع اعتماداً على النبل وكرم الأخلاق.
إذاً، المشروع حقق ربحه الأول بتشغيل عدد كبير من الممثلين والفنيين والكتّاب والمخرجين، لكنه أخفق في تحقيق أرباح مالية وخاصة أن المال يشكل عصب الصناعة الدرامية، ومن دونه لا يمكن للعمل الإنتاجي أن يستمر.

عملية التسويق
لا شك أن نسبة كبيرة جداً من عملية التسويق تعتمد على علاقة المنتج بالمحطات الفضائية، وكلما كان المنتج أقوى نفوذاً كانت مسلسلاته أكثر تسويقاً، أما اسم النجم فيتحكم في التسويق بنسبة صغيرة فقط.
وهناك عدة عوامل يخضع لها التسويق، أهمها اسم النجم وجودة العمل والإنتاج والإخراج والنص، وبنسبة كبيرة، يرتبط التسويق باسم النجم لأن هناك نجوماً ينتظرهم الناس وترتبط أسماؤهم بالأعمال الضخمة والجودة، وهناك أسماء لا توزع.

الأسماء البياعة
«الأسماء البياعة» أكذوبة روجها بعض النجوم وأثبتت كذبها بدليل أن هناك نجوماً كباراً ولهم أسماء رنانة لم يعد لهم أي أهمية في التسويق لأنهم قدموا أعمالاً فاشلة ولا يجدون الآن إلا التلفزيون المحلي لينقذهم فيشتري أعمالهم.
ولنعترف هنا أن هناك نجوماً «راحت عليهم» بالفعل، ولم تعد أسماؤهم تشكل أي إغراء في عملية التسويق، لذا لابد من التجديد الدائم وإحداث عنصر المفاجأة.
هؤلاء النجوم باتوا بعيدين من الطلب ليس لأنهم وجوه مكررة فقط، بل لأنهم لم يطوروا أنفسهم، ولأنهم ينهشون النسبة الأكبر من ميزانية العمل، وبالتالي يضطر المنتج إلى التوفير في أماكن أخرى على حساب جودة العمل.
ذلك لا ينفي وجود أسماء «باتت قليلة جداً» تعد المعيار الأول في التسويق، وهي الأسماء التي مازالت تحتفظ بمكانة لا يمكن تهديدها.
ولا ننسى أن لكل قناة متطلباتها وذائقتها الخاصة على مبدأ «الجمهور عايز كده»، علماً أنها تفضل المواضيع الجديدة والنجوم غير المستهلكة.

اقتراحات
أقترح على المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني تشكيل لجنة تسويقية من أصحاب الخبرة، مهمتها إيجاد الحلول للأزمة التسويقية، من خلال التخطيط والتسعير والترويج والتوزيع، والتواصل مع أصحاب الشأن في الفضائيات العربية، ومد جسور العلاقات بين المؤسسة وهذه القنوات لتحقيق أهداف بعيدة غير آنية لا تتعلق بشخص المدير العام وإنما بالمؤسسة كلها.
وعلى هذه اللجنة مراقبة الخطط والعملية التسويقية، والوصول إلى أبعد هدف ممكن، ليكون عمل المؤسسة تجارياً رابحاً عوضاً عن تشكيل العبء على وزارة الإعلام.
وأدعو وزارة الإعلام إلى إنشاء اتحاد للمنتجين والموزعين يضع آليات إنتاج وضوابط توزيع ضمن معايير الربح وعدم المضاربة، وتأسيس مرجعية توزيع من لجنة صناعة السينما والتلفزيون وبعض شركات الإنتاج المحلية ذات الخبرة في المجال بالإضافة إلى شركة توزيع عربية تتميز بتعاملها مع المحطات العربية.
وتحتاج الدراما السورية كي تعود لعصرها الذهبي إلى تأمين التسويق قبل الإنتاج ويكمن الحل بإنشاء قنوات فضائية محلية تستوعب منتجات الدراما السورية بشرط أن تضمن استعادة رأس المال ليصبح التسويق الخارجي لزيادة الأرباح فقط، مع البحث عن صيغة لترويج المنتج السوري وحمايته بعيداً من المضاربات بين المنتجين والمسوقين.
وبكل الأحوال يجب ألا نتنازل عن الاعتداد بالدراما السورية بعد الذي وصلت إليه من نجاح محلي وعربي والتضحيات التي قدمها فنانون كبار صنعوا هوية حقيقية للثقافة السورية، فالدراما السورية مركز إشعاع وطني يشبه أكبر مراكز الأبحاث والدراسات في دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن