قضايا وآراء

روسيا تعلن عن الحلف الحقيقي لمواجهة الإرهاب

القاهرة – فارس رياض الجيرودي :

طرأت ثلاثة متغيرات دراماتيكية مهمة غير قابلة للعكس على مواقف الأطراف الإقليمية والدولية صاحبة التأثير على ساحة النزال في سورية وذلك خلال الأشهر القليلة الأخيرة من عمر الأزمة.
تمثل المتغير الأول بالتوصل للاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى في العالم، وهو متغير إستراتيجي تاريخي اكتمل بعد آلاف الساعات من جلسات التفاوض، وبعد أن اختبر الغرب بدائل عديدة للتعامل مع إيران بدءاً من حصارها اقتصادياً وتقنيا وسياسياً وانتهاءً بمحاولة القضاء على حلفائها الإقليميين بقصد عزلها، كانت الحرب الإرهابية بالوكالة على سورية في أحد أبعادها محاولة إكمال الطوق على إيران عبر إسقاط حليفها السوري، وذلك بهدف القضاء على آخر ما يعوق تصفية القصية الفلسطينية وما يهدد أمن إسرائيل من وجهة النظر الغربية، لذلك فإن التوصل للاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني يعني إستراتيجياً من ضمن ما يعني سقوط أحد أهم وظائف وأهداف الحرب على سورية، فلو كان إسقاط سورية بمتناول الغرب لأجل توقيع الاتفاق لما بعد إتمام هذه المهمة، التي لو أنجزت لأضعفت بشدة موقف إيران التفاوضي، والواقع أن الغرب اضطر في النهاية وبعد أن انتظر سقوط سورية خمس سنوات، لمقايضة القنبلة النووية الإيرانية باعتراف سياسي بإيران كطرف إقليمي ودولي لا يمكن تجاهله، وبانفتاح اقتصادي، رغم استمرار الصراع معها وإن بأشكال أخرى.
و جاء المتغير الدراماتيكي الثاني على إيقاع المتغير الأول، حين شعر أمراء المحميات الخليجية بالذعر والخطر بعد أن جمعهم الرئيس الأميركي أوباما في كامب ديفيد وأعلمهم بقرب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران مطالباً إياهم بالتكيف مع الواقع الجديد، الذي سبق وتعمدت الولايات المتحدة أن تهيئهم لتقبله عندما أجلت التوقيع على الاتفاق لمرات عدة. لقد وجد حكام الخليج أنفسهم في مواجهة عودة إيران إلى المجتمع الدولي من أوسع أبوابه مع ما يعنيه ذلك من تدفق الاستثمارات الاقتصادية إليها، وبالتالي تنامي قدراتها في مختلف المجالات، فاتخذوا قرارهم بالمبادرة لأول مرة خارج المظلة الأميركية المباشرة، فحركوا جيوشهم نحو اليمن.
ربما سيعتبر الدخول العسكري الخليجي المباشر في اليمن الحدث الأهم في تاريخ دويلات الخليج الهشة، والتي لا تمتلك مقومات البقاء لولا عاملا الحماية الغربية المباشرة والاحتياطات المالية الضخمة التي يؤمنها بيع النفط، وهما أمران أصبحا محط نقاش إثر اكتشاف تقنية استخراج النفط من الصخور في الولايات المتحدة. لقد أمل أمراء الخليج من الجيل الجديد والذين تعودوا على شراء كل ما يريدونه بالمال، بأن ينجحوا في شراء انتصار عسكري في اليمن يضعهم على قدم المساواة مع خصمهم الإيراني من دون الحاجة لمساعدة الجيوش الغربية التي لطالما استظلوا بحمايتها، لكن اليمن وبحكم حجمه الديمغرافي الذي يفوق حجم سكان دويلات الخليج مجتمعاً، ونظراً لطبيعته الجغرافية، وبسبب ما تختزنه ذاكرة أهله تجاه الجيران الأثرياء والنرجسيين والمتسلطين، تحول لفخ محكم يهدد القدرات البشرية المتواضعة للكيانات والجيوش الخليجية بالاستنزاف والغرق.
حالة التورط الخليجية صاحبها انزلاق لأردوغان الداعم الإقليمي الآخر للإرهابيين في سورية في مواجهة داخلية مع المكون الكردي الذي كان له الدور الأهم في إسقاط آماله في الاستمرار في السلطة من خلال التصويت ضد حزبه في الانتخابات الأخيرة.
والتقطت روسيا لحظة سقوط الأهداف الإستراتيجية للحرب الإرهابية على سورية، وتورط داعمو تلك الحرب في مواجهات عسكرية مباشرة، لتطلق المتغير الثالث، حيث قررت ألا تنتظر التبدل البطيء في موقف الولايات المتحدة التي لا تشعر بأنها معنية بإيقاف استنزاف خصمها السوري، حتى مع غياب أي هدف أو معنى إستراتيجي للحرب، وحتى مع تنامي خطر الإرهاب على الأمن العالمي، فتحركت روسيا سياسياً واستغلت المأزق الخليجي في اليمن لتعرض على السعودية سلماً للنزول عن الشجرة، عبر الدخول في حلف إقليمي ضد الإرهاب مع سورية.
لم يكن عرض الرئيس الروسي مستنداً إلى الرهان على حكمةٍ أو بعد نظرٍ لم يعرف بهما السعوديون يوماً، لكن عرضه وكما اتضح لاحقا، كان خطوة لسحب الذرائع وتمهيداً سياسياً ذكياً للإعلان عن الحلف الحقيقي لمحاربة داعش، والذي ستنخرط فيه روسيا بقدراتها، حلف يكون فيه للجيش العربي السوري الدور المركزي، بعد أن أعلن كل من وزير الخارجية الروسي والناطقة باسم الكرملين بأن سورية وجيشها هما الطرف الأفعل في مواجهة داعش، لقد اختارت روسيا التي تعتبر الوهابية المسلحة تهديدا مباشراً لأمنها القومي اللحظة المناسبة لتعلن عن حلف حقيقي لمواجهة الإرهاب، سيضم إلى جانبها وسورية كلاً من إيران والعراق، وربما قريبا مصر، وهو حلف سيغير بلا شك وجه المنطقة، وذلك بعد مضي أكثر من سنة على إعلان الحلف الأميركي، والذي ثبت هزال ما أدى إليه من نتائج.
وفيما يبدو رد الفعل الأميركي العنيف والرافض للتحرك الروسي طبيعياً ومتوقعاً، نظراً لما يعنيه الواقع العسكري والسياسي الجديد الذي دشنته روسيا من تنامٍ لدورها في المنطقة على حساب انحسار الدور الأميركي، يبدو رد الفعل الأوروبي مفاجئاً لكثيرين لجهة ملاقاته الحركة الروسية بجملة تصريحات لوزراء الخارجية الأوروبيين والدعوة لتعاون مع دمشق ضد داعش، وذلك على إيقاع تنامي مشكلة اللاجئين التي تعتبر فقط أحد الآثار الكارثية المتوقعة كتهديد للأمن الأوروبي نتيجةً لمغامرة دعم الإرهاب في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن