ثقافة وفن

ماري عجمي واستقبال مي زيادة في دمشق

| د. راتب سكر

حمل إليّ صديق أثير لدى القلب(1)، هو أ. طوني أشقر، في لقاء مودة، صورا ووثائق ثقافية واجتماعية متنوعة تتصل بسيرة الأديبة ماري عجمي (1888-1965) وصلاتها المتشعبة بالأصدقاء والثقافة والحياة، ولاسيما صلاتها باستقبال الأديبة مي زيادة (1886-1941) في دمشق، عام 1922، وتنظيم احتفال مهم بلقائها في مقهى «قصر البلور»، القريب من ساحة «باب توما» في القصاع، ذلك المقهى المعرّض حالياً للاندثار تحت وطأة عوادي الزمن.

وجدت في تلك الوثائق المحفوظة في مكتبة العائلة، عن جده الذي حمل اسمه الجميل، مرجعية مفيدة في كتابة مقالة عن تجربة أدبية مهمة، غير أننا اختلفنا في تقدير أسباب تراجع الاهتمام الثقافي والاجتماعي بهذه الأديبة التي عاشت عزلة محزنة في العقدين الأخيرين من حياتها، قبل رحيلها سنة خمسٍ وستين وتسعمئة وألف (1965م).
شعرت أن في موقفه من قضية تراجع ذاك الاهتمام، بواعث من تعاطف حفيد مع عوالم جده الذي شارك تلك الأديبة بعض نشاطات زمنها الثقافية، وأورثه بعض وثائق ذاك الزمن وأصحابه.
أثار كل ذلك لديّ فضولا معرفيا ووجدانيا عمّق شعاب ظمأ النفس إلى معرفة المزيد عن سيرة تلك الأديبة الرقيقة، وصلاتها بمثقفي زمنها، فوجدت منهلاً ثرّاً في الحوار مع والديه وذكرياتهما القريبة من ذلك الزمن، ولاسيما الذكريات المتصلة بمشاركة جده «أنطون أشقر (1901-1963) الذي منح حفيده اسمه»، في نشاطات ثقافية بارزة أشرفت عليها ماري عجمي.
سرعان ما أقبلتُ على ترتيب ما سعيت إليه من أوراق، مدفوعا بشيء من تبكيت ضمير، متصل بتسرّع إرجاعي موقف الصديق القديم «طوني أشقر» من تراجع الاهتمام بتلك الأديبة، إلى حالة وجدانية في نفسه، مفتقدة مرجعية واقعية، هذا الإرجاع الذي بدا في موقفي غير خال من حماقة عجلان، عندما قرأت ما كتبه الباحث المثابر عيسى فتوح، في دراسته سيرتها وقصائدها، قائلا: «ماتت ماري عجمي من دون ضجيج أو جلبة حتى إنه لم يرافقها إلى المقبرة سوى 16(ستةَ عشَرَ) شخصاً من أقربائها ليس بينهم أديب إلا الأديب فؤاد الشايب (1911- 1970)».
برزت الشاعرة ماري عجمي أديبة ومترجمة وصحفية ومنظمة ثقافية نسائية من طراز رفيع، ومن الراجح أن إسهامها في تأسيس النادي النسائي الأدبي بدمشق سنة 1922، مع كوكبة من أترابها في طليعتهن نازك العابد (1887-1959)، من الأعمال المهمة الجديرة بإشارة لائقة، تتصل بأحد أنشطة النادي المهمة في تاريخ أدبنا ومجتمعنا.
أقام النادي احتفالاً كبيراً في 10/10/1922 بمناسبة زيارة الأديبة مي زيادة (1886-1941) لدمشق، فزارت ماري عجمي في الفندق ضيفة دمشق الكبيرة القادمة من القاهرة التي بوأتها مكانة أدبية مرموقة، وعملت بحماس لنجاح اللقاء الأدبي في «قصر البلور» الشهير بدمشق، مع كوكبة من أعيان دمشق في ميادين الثقافة والمجتمع، في عشرينيات القرن العشرين، فألقى الشاعران خليل مردم بك، وشفيق المعلوف قصيدتين جميلتين، واستهل المعلوف قصيدته بقوله:
«بنت الجبال ربيبة الهرم \ هيهات يجهل اسمها حيّ». (2)
كما ألقى عدد من الوجوه كلمات مهمة، منهم فارس الخوري ود. مرشد خاطر، وماري عجمي، وأنطون أشقر الذي احتفظ بوثائق وصور من ذلك اللقاء، كان اطلاعي عليها في أرشيف العائلة بوساطة حفيده وسميّه مصدر غبطة، وكتبت ماري عجمي عن اللقاء تقول: «لقد قمت بزيارتها في فندق فيكتوريا إثر وصولها إلى دمشق، بصحبة الآنسة المثقفة «أليس قندلفت»، وصرفنا ما ينوف على الساعتين في محادثة ميّ، ثم ودعناها وفي النفس نزوع إلى البقاء معها… ». (3).
يبدو أن الكلمة التي ألقتها الضيفة الكبيرة مي زيادة تجاهلت الإشارة إلى شكر حفاوة مضيفتها العجمي وكلمتها الترحيبية، ما ولّد لديها شعورا غير راض، فارتجل فارس الخوري بيتين شعريين، ذكرتهما حفيدته الأديبة كوليت الخوري في كلمة لها بذكرى تلك الأديبة، قال فيهما:
«يا أهيل العبقرية
سجّلوا هذي الشهادةْ
إن ماري العجمية
هي مي وزيادةْ».

هوامش
1، هو أ. أنطون أشقر (الحفيد)، تحية تقدير لذكرى له ولوالدته السيدة جوزفين أشقر، ورفيقة دربه السيدة روزانا برجود. فقد أفدت من مكتبة العائلة في الاطلاع على وثائق مفيدة في دراسة أدب ماري عجمي وسيرتها.
2، أورد الباحث د. جوزيف زيتون في محاضرة له، نشرها في موقعه الألكتروني، تفاصيل مهمة عن لقاء قصر البلور، أفدت منها فوائد دانية القطوف.
3، توسع الصديق الأديب عيسى فتوح في كتاباته ومحاضراته المتنوعة عن سيرة ماري عجمي الثقافية، وقد تابعت عطاءه في هذا المضمار، وزرته في منزله (في مشتى الحلو)غير مرة، غانما من جهوده ما رفد كتابتي المتواضعة عن سيرتها بأيد مهم ومفيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن