من دفتر الوطن

رامبو العربي!

| عصام داري

في عام 1982 تم عرض الفيلم الأميركي «رامبو» في جزئه الأول، وبعد ذلك تتالت الأجزاء لتصل إلى الجزء الخامس الذي من المفترض عرضه في أيلول القادم.
الفيلم كما هو معروف من بطولة الممثل سيلفستر ستالون ويحكي قصة جندي أميركي «خارق!» يعتبر جيشاً وحده، حسب ما كتب أحد المهتمين بالسينما والفن.
وفي عام 1985 ظهر فيلم «كوماندوز» من بطولة الممثل وبطل كمال الأجسام السابق وحاكم ولاية كاليفورنيا لاحقاً، أرنولد شوارزنيجر.
وبمختصر العبارة يعتبر هذان الفيلمان من نتاج العقل الهوليوودي، والنزعة الفوقية للفكر الأميركي والسياسة الأميركية التي تعتبر الأميركي شخصاً متفوقاً وقويا ومجرماً بالفطرة، بل أكثر من ذلك، فمثل هذه الأفلام تجعل المشاهد يتعاطف مع المجرمين والقتلة ويفرح عندما يقوم بطل الفيلم بقتل عشرات، بل مئات البشر، لتعويد المشاهد على مشاهد القتل والتعذيب والتفجيرات وغيرها.
والذين شاهدوا فيلم «كوماندوز» لا شك أنهم لاحظوا أن بطل الفيلم سأل عن الجهات التي تريد اغتيال أحد زعماء أميركا اللاتينية الموالين لواشنطن، فيأتيه الجواب أن هؤلاء الإرهابيين إما أن يكونوا من الشرق الأوسط وإما أن يكونوا من سورية!
أليس غريباً أن تكون منطقة الشرق الأوسط برمتها مرتعاً للإرهاب، ويتم فصل سورية عنها لتخصيصها بشكل فاضح بهذا الفعل الإجرامي، أي الإرهاب، وأن تكون هذه التهمة جاهزة حتى منذ العام 1985؟
المهم أن هوليوود صدرت للعالم، وللعرب على وجه الخصوص، «البطل» الأميركي الذي لا يهزم، تماماً كما صدرت للعالم «ميكي ماوس» الفأر الخارق الذي يستطيع الطيران والقيام بأعمال مبهرة.
لكننا اليوم نقف عند شخصية «رامبو العربي» في الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيوني، وكان آخرها شخصية جبل شيخ الجبل في مسلسل الهيبة في جزئه الثالث الذي يحتوي مبالغات تشبه رامو والكوماندوز الأميركيين، لكن بقالب عربي.
كما كان المشاهدون يتعاطفون مع المجرمين الأميركيين الآنفي الذكر، فإن مشاهدي «الهيبة» يتعاطفون مع جبل شيخ الجبل الذي يجسده الممثل المبدع تيم حسن بحرفية تامة.
وكذلك فإن هناك من يشجع بطل مسلسل لحظة صمت مع أنه مجرم بامتياز، وليس هناك ما يبرر أن يقدم البطل على قتل شابين لأنهما «بلطجيان» أو أنهما أبناء أحد الفاسدين، فهذه الحجة غير مقبولة على الإطلاق، وإذا بررناها فإننا نكون نبرر الإجرام بحجة محاربة الفساد، ونضعف هيبة الدولة، ونوافق على قيام أفراد بتنفيذ حكم القانون، أو قانون شريعة الغاب.
يمكن أن يقال الكثير عن مثل هذه الأعمال الدرامية، لكن أريد أن أشير إلى سقطات خطرة في النص المكتوب لمسلسل الهيبة على وجه التحديد، فمن تابع الحلقة الأخيرة من الجزء الأول فسيشاهد مقتل ابن عم جبل «شاهين» في باحة بيت جبل الذي يطلق النار ويقول للناس: زفوه!
بعد ذلك نتابع المشهد الأخير من تلك الحلقة حيث يمر زمن تضع عليا «نادين نجيم» مولودها الذكر واسمه عادل، على حين تقص الجدة «منى واصف» حكاية للطفل بينما تقوم ابنة عم جبل وصخر ريما بمغازلة صخر شبه الضرير.
تجاهل واضعو الجزء الثالث كل ذلك وأعادوا شاهين إلى الحياة، على حين إن أحداث الحلقة الأخيرة نفسها تعلن أن زمناً قد مر على وفاته، ويحيي العظام وهي رميم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن