اقتصادالأخبار البارزة

«الإرهاب الاقتصادي».. عندما يعبث «رجل أعمال» في بنية النظام الدولي … «الحرب التجارية» ضد الصين.. البادئ أظلم

| الوطن

مذ دخوله باب البيت الأبيض في تشرين الثاني 2016، رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ورجل الأعمال المشهور في عالم العقارات والترفيه والكازينوهات دونالد ترامب، يحاول العبث في بنية النظام الدولي، بعقل مخاطر، لا يحسب النتائج جيداً، وكأن الكيانات الدولية شركات، يمكن تصفية بعضها، أو الاندماج بين بعضها، وحتى الاستحواذ على بعضها، بما يضمن تحقيق أعلى قدر ممكن من الربح، أو واقعياً، تقليل الخسارة، التي تتمثل بميزان تجاري أميركي عاجز بشكل خطير.

مقاداً بطروحات متطرفة من أتباع نظرية المؤامرة في أميركا، بدأ ترامب بالانسحاب من العديد من المنظمات الدولية والاتفاقيات التجارية، غير آبه بمنظمة التجارة العالمية، وما قد ينتج عن ذلك من ضرر على مستوى الاقتصاد الدولي، وكم هو مؤذٍ لموقع أميركا في الاقتصاد السياسي الدولي، عندما تأخذ موقف المعادي للمجتمع الدولي بأغلب مكوناته وكياناته.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، انسحبت الولايات المتحدة من منظمات دولية، من بينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والاتحاد البريدي العالمي.
وانسحبت أيضاً من سلسلة من المعاهدات الدولية، من بينها الشراكة العابرة للمحيط الهادئ واتفاقية باريس التاريخية للتغير المناخي والاتفاق العالمي للهجرة والاتفاق النووي الإيراني والبروتوكول الاختياري لتسوية النزاعات الملحق باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وحاولت الولايات المتحدة أيضاً فرض إعادة التفاوض بشأن اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة واتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وفرضت الأفعال الأحادية التي تقوم بها الولايات المتحدة، سلسلة من التحديات على القواعد الدولية والحوكمة العالمية.
ورغم أن النظام الدولي الحالي لا يسمح بأي خطوات متهورة، وأي حكومة تتجاهل القواعد مصيرها الفشل، إلا أنه منذ أكثر من عام، تلوح الإدارة الأميركية الحالية عمداً بعصا الرسوم الجمركية، وتثير احتكاكات تجارية وتحول نفسها إلى أكبر صانع للمشاكل في المجتمع الدولي، معلنةً الحرب التجارية التي توصف بأنها أحد أشكال الإرهاب الاقتصادي، منذ وقع ترامب على مذكرة تفاهم في 22 آذار 2018 بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، وأمر فيها الممثل التجاري للولايات المتحدة بتطبيق تعريفات بقيمة 50 مليار دولار أميركي على السلع الصينية، وفي اليوم التالي نشر الممثل التجاري الأميركي قائمة بأكثر من 1300 منتج من الواردات الصينية فُرضت عليه رسوم بقيمة 50 مليار دولار بما في ذلك قطع غيار الطائرات، البطاريات، التلفزيونات المسطحة والأجهزة الطبية ثم الأقمار الصناعية والأسلحة، وصولاً إلى الحظر على شركة الاتصالات الصينية «هواوي» مؤخراً.

تجاهل الوعود

تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية بذلك وعودها وقواعد منظمة التجارة العالمية بفرض رسوم جمركية إضافية على بضائع صينية من دون إذن من منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي يوصف بأنه عمل تعسفي ومتهور يتخطى القوانين الدولية بأخرى أحادية.
إن النموذج الدولي للقوة يتغير بشكل سريع ويزداد تعدد الأقطاب وضوحاً، وفي عالم تزيد فيه المشكلات العابرة للحدود ويزيد الطلب على نظام عالمي للقواعد، تخلق الولايات المتحدة مشكلة لنفسها وللآخرين عن طريق التمسك بالأحادية، علماً بأن حماية التعددية ونظام التجارة متعدد الأطراف المرتكز على القواعد، تمثل مصلحة أساسية لجميع الدول، لكن إذا أصرت الولايات المتحدة على مواصلة طريقها، فسوف يؤدي الطريق الذي تسير فيه إلى الفشل.

حرص

انطلاقاً من الحرص على مستقبل النظام السياسي- الاقتصادي العالمي، ومبادئ التجارة الدولية، تصرّ الصين على التأكيد أنه في الحرب التجارية لا يوجد رابح، داعيةً إلى التمسك بتلك المبادئ، رغم إخفاق 11 جولة من المشاورات الاقتصادية والتجارية الرفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، علماً بأن الإجراءات التجارية الصينية جاءت من باب الدفاع عن مصالحها التجارية، وليس الهجوم، الذي بدأته الإدارة الأميركية الحالية، وهنا نذكر بتصريح نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ هانهوي خلال مؤتمر صحفي لعرض زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا هذا الأسبوع «نحن ضد الحرب التجارية، لكننا لا نخشاها»، وقال تشانغ «هذه الحرب التجارية سيكون لها أيضاً تأثير سلبي خطير على إنعاش الاقتصاد العالمي وتطوره».
المتحدث باسم الخارجية الصينية قنغ شوانغ قال منذ أيام «الإجراءات الحمائية التجارية الأميركية ربما تؤثر في الاقتصاد الصيني إلى حدّ ما، ولكن يمكن التغلب عليها تماماً»، مشيراً إلى أن الاقتصاد الصيني يحافظ على نمو مطرد مصحوباً بزخم إيجابي، مستشهداً بنمو اقتصادي بلغ 6.4 بالمئة في الربع الأول 2019، وهو أسرع مما كان متوقعاً.
ونوّه خلال مؤتمر صحفي مؤخراً بأن الطلب المحلي في الصين أصبح المحرّك الأكبر للنمو الاقتصادي، بمعدلات استهلاك بلغت 76. 1 في المئة من النمو الاقتصادي العام الماضي.
وبالفعل، فإن اقتصاديين أميركيين يشددون على فكرة التحول في الاقتصاد الصيني نحو اعتماده على الطلب الداخلي، بنسب أعلى من اعتماده على التصدير، وهذا كفيل بالحدّ من آثار الحرب التجارية، مقارنة بطموحات الإدارة الأميركية الحالية.
ودعا قنغ الولايات المتحدة إلى أن تزن بحرص مكاسبها وخسائرها، وأن تمسك بزمام الوضع وتعود إلى المسار الصحيح، في أسرع وقت ممكن، مستشهداً بدراسة أجراها اقتصاديون أميركيون، تبين أن خسارة المستهلكين والمستوردين الأميركيين خلال الشهر الماضي بلغت 4.4 مليارات دولار، نتيجة زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية.
كما حثّ قنغ الجانب الأميركي على لقاء الصين في منتصف الطريق من أجل التوصل إلى اتفاق يقوم على المنفعة المشتركة والربح للجانبين على أساس الاحترام المتبادل.

اتجاه إجباري

في النهاية، إن محاولة إدارة ترامب لاحتواء الصين تخالف تيار التنمية العالمي، ولن تحظى ممارساتها من البطش والهيمنة بتأييد شعوب العالم، وخاصة الدول النامية، مثلنا في سورية، إذ يجب بذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني وكل الدول النامية، على وجه التحديد، لرفض الأحادية والهيمنة في التجارة، والحمائية، بما يحافظ على مصالح الجميع، لأن التاريخ يثبت أن البادئ أظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن