اقتصاد

آثار الاكتشاف الغازي في حقل زُهر بالمياه المصرية وتطور إنتاج الغاز الطبيعي في إيران

هيثم غانم :

أثار الاكتشاف الغازي في المنطقة البحرية المصرية، وكذلك إعلان إيران عن قرب إنجاز المرحلتين 15 و16 من خطة تطوير حقل جنوب بارس، ضجة كبيرة في أوساط سوق الغاز العالمية. فقد أعلنت شركة إيني الإيطالية عن اكتشاف غازي كبير في حقل زهر البحري في المياه المصرية شرق المتوسط. وأشارت إلى أن تقديرات الاحتياطي في هذا الحقل هي (30) تريليون قدم مكعب – نحو 850 مليار متر مكعب، وأن خطة تطوير الحقل ووضعه في الإنتاج سوف تستغرق 4 سنوات. من ناحية أخرى، ذكرت مصادر وزارة النفط الإيرانية أن إيران تخطط لوضع خطين لإنتاج الغاز في التشغيل في شهر تشرين الأول القادم بعد إنجاز المرحلتين 15 و16 من تطوير حقل جنوب بارس العملاق، ومن المتوقع أن تبلغ الاستطاعة الإنتاجية لتينك المرحلتين 1.7 تريليون قدم مكعب يومياً أي نحو 48 مليون متر مكعب يوميا، و75 ألف برميل كوندنسيت يومياً.
تجدر الإشارة إلى أن إيران لم تكن قادرة على زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي بسرعة كافية لمواجهة الطلب في السوق الداخلية، واعتمدت على الغاز المستورد من تركمانستان -وخاصة غاز التدفئة في الشتاء-، في حين تصدر كميات قليلة من الغاز إلى تركيا. وقد تضاعف إنتاج إيران من الغاز (باستثناء ما يحرق على الشعلة أو ما يعاد حقنه في الخزانات النفطية) من 75 مليار متر مكعب في عام 2002 إلى 5ر160 مليار متر مكعب في عام 2012. وتتصدر إيران جدول احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد في العالم، إذ تبلغ تقديراته حسب المصادر العالمية المنشورة في نهاية عام 2014 نحو 34 تريليون متر مكعب (معظمها في المنطقة البحرية – نسبة 67 %) وهذا يعني أن لدى إيران الكثير من احتياطيات الغاز الطبيعي بحاجة إلى التطوير ووضعها في الإنتاج، ما سيضعها في مصاف الدول الأولى المنتجة للغاز في العالم.
أما بالنسبة لمصر، فإن الاكتشاف الغازي الجديد هو أكبر حقل غازي في البحر الأبيض المتوسط، ويمثل نقطة انطلاق إيجابية جديدة بعد توقف خلال السنوات الماضية التي شهدت تراجعا خلال حكم الإخوان وكذلك العمليات التخريبية على خط نقل الغاز العربي التي أدت إلى توقف التصدير. وقد ذكر المتحدث باسم وزارة النفط المصرية أن كل الغاز الذي سينتج من الحقل سوف يستخدم لتغطية حاجة السوق الداخلية لفترة قد تزيد على 10 سنوات. ويرى الخبراء أن ذلك سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الاقتصادي ونمو الناتج المحلي الإجمالي. وتجدر الإشارة إلى وجود تراكيب مؤملة في منطقة نشاط شركة إيني يرجح وجود احتياطي غاز إضافي فيها. تقدر احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكد في مصر في بداية عام 2010 بحوالي 1.656 تريليون متر مكعب (قبل تاريخ الاكتشاف الغازي الجديد)، وقد كانت أصداء الاكتشاف الغازي في المياه المصرية سلبية على إسرائيل، إذ إنه يشكل خسارة لها من ناحية توقعاتها بتصدير الغاز مستقبلا لمصر والأردن والمناطق الفلسطينية. فالإنتاج المتوقع من حقل زُهر سيكون أكثر من إنتاج حقل ليفيتين بنحو 37 بالمئة. وتبدت الآثار بشكل سريع في أسواق الأوراق المالية، إذ انخفضت قيمة أسهم الشركات المساهمة في مشروع تطوير الحقل بنسبة 6.9% في بورصة نيويورك كما خسرت غيرها من شركات التنقيب خلال يومين 26% من قيمة أسهمها، ونصح مستشارون ماليون المستثمرين ببيع أسهمهم في شركات الحفر الناشطة في إسرائيل. وذكر محللون في مؤسسات مالية لندنية أن احتمال زيادة إمدادات الغاز الطبيعي من إيران ومصر يؤدي إلى توافر فائض في الكميات على مستوى العالم ويهدد طموحات الولايات المتحدة في التصدير، ويعيد تشكيل السوق العالمية.
وربما تتأثر مشاريع شمال أميركا المتوجهة نحو شرق إفريقية وأستراليا ويؤدي إلى تأخيرها أو حتى توقفها. لكننا نرى في مثل هذا التخوف تجاهلا لبرامج التنمية التي تحتاجها مصر وإيران، بعد فترة الحصار والمقاطعة، وكذلك إعادة بناء ما يجري تدميره في منطقتنا، كل ذلك يحتاج إلى مشاريع مشتركة لتطوير واستثمار مصادر الطاقة المتاحة في الأسواق المحلية ورفع مستوى التنمية، ولن يكون حلما بناء خط لنقل الغاز بين إيران والعراق وسورية، تشارك فيه الدول الثلاث، وإقامة منشأة لإسالة الغاز في شرق المتوسط (طرطوس مثلاً) وسيساهم ذلك الغاز بتزويد الشركاء بالكميات اللازمة للأسواق الداخلية، وتصدير الفائض منها.
وربما سيعاد النظر في تشكيلة سوق إمدادات النفط الخام بعد بضع سنوات في ضوء توافر كميات إضافية متاحة للتصدير بسبب تغطية حاجة الأسواق الداخلية من مصادر الغاز ودخول محطات الطاقة النووية الإيرانية في التشغيل، سواء من إيران أو العراق، وربما من سورية أيضاً بعد عودة الأمن إلى البلدين وطرد قوى الإرهاب خارجهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن