ثقافة وفن

قراءة عربية في أفلام أجنبية … البحث بعين عربية لأن هذه الأفلام طالما أثارت قضايا تمس صميم حياتنا كالإرهاب والعنف ولصوص المال والقوات الأجنبية

| سارة سلامة

السينما الأجنبية، تتسم بالتنوع، سواء في مصادرها أم أساليبها الفنية، أو رؤاها، بعضها يتضمن نزعة إنسانية رقيقة، وأخرى تكاد تكون معادية لنا، لذا من الصعب وضعها كلها في سلة واحدة، لكن الأجدى أن تصنف، ويقيم كل عمل كمفردة، لها جذورها، واستقلالها.
حيث صدر عن المؤسسة العامة للسينما كتاب بعنوان «قراءة عربية في أفلام أجنبية» للكاتب كمال رمزي، يضم مجموعة من المقالات، التي تعتبر حصاد متابعة ما تيسر مشاهدته من الإنتاج السينمائي الأجنبي، في السنوات الأخيرة. حاول خلالها، إلى جانب تقييمها فنياً، أن يراها بعيون المواطن العربي، ولاسيما أن الكثير من هذه الأفلام يثير قضايا تمس صميم حياتنا، مثل الإرهاب، والعنف، ولصوص المال، والقوات الأجنبية، خاصة الأميركية والبريطانية.
30 دقيقة بعد منتصف الليل

أثار الفيلم استياء قطاعات واسعة من الناس، وأكثر من مؤسسة: الهنود، كانوا أول الغاضبين، ذلك أن المخرجة كاترين بيجلو، فضلت تصوير المشاهد التي تدور في إسلام آباد الباكستانية، داخل مدينة شانديغار الهندية، وبالضرورة، غيرت كلمات لوحات الإعلانات إلى اللغة الأوردية، وتعمدت زخرفة عدة حافلات بألوان زاهية، حسب المزاج الباكستاني، بالإضافة لظهور مئات الكومبارس، رجالاً ونساء، في مشاهد السوق، بجلابيب قصيرة وبناطيل طويلة وطواق بالنسبة للرجال، والحجاب بالنسبة للنساء.. استهجن سكان شانديغار «حضور باكستانيين الهند»، اندلعت مظاهرات، انتهت بتشغيل أبناء المدينة، ككومبارس، من ناحية، والتعهد بعدم رفع الأعلام الباكستانية من ناحية أخرى.
في باكستان انزعج كل من شاهد الفيلم، بسبب الثورة الزرية، الباهتة على الأقل، التي ظهر بها الشعب، فقررت الشركات السينمائية الامتناع عن توزيع الفيلم في دور العرض.. وأبدت الحكومة الباكستانية استنكارها لما يتضمنه الفيلم بشأن إمداد المخابرات الأميركية بأرقام هواتف بن لادن.
بعيداً عن قارة آسيا تفجر الجدل داخل واشنطن، وبالتحديد، في مجلس الشيوخ، حيث ملف التعذيب الذي لم يغلق بعد، سواء داخل المعتقلات الأميركية أو خارجها، فيما سمى «المواقع السوداء» كجزء من عولمة التعذيب، بمشاركة «54 دولة»، طبعاً بلادنا العربية من بينها، وإن لم يذكر الفيلم منها، بإلحاح، إلا الأردن.. سريعاً، انبرى كبار المسؤولين في الـ«سي أي إيه» للدفاع عن وكالة المخابرات المركزية، ومهاجمة الفيلم الذي تضمن، في بدايته، مشاهد تعذيب شديدة القسوة، طوال الربع ساعة. المدافعون، قالوا كلاماً مستفزاً، من نوع «أساليب الاستجواب اكتفت بالحرمان من النوم والتعرض للبرد وإبقاء المعتقل في أوضاع مؤلمة والصفع ومحاكاة الغرق».
فإذا كان بن لادن لا يظهر طوال العمل الذي يشير من قريب أو بعيد، لدور العم سام في اختراع ودعم تنظيم القاعدة، فإن أحداً لا يمكنه إغفال ما ينطوي عليه الفيلم من مراوغة ترمى لإبراء الولايات المتحدة من علاقتها بالرجل الذي انقلب عليها.

السائح
يعتمد هذا الفيلم على أداء أنجلينا جولي، هي البطلة بلا منازع رغم وجود جوني ديب إلى جوارها، وكلاهما من كبار نجوم هوليود، «أنجلينا» هنا، تؤدى دور امرأة بالغة الأناقة، باردة وساخنة في آن، ذات ابتسامة غامضة، ونظرات لا يمكن سبر غورها، أحياناً تبدو مهيأة للحب، سهلة المنال، وأحياناً تعطي إحساساً أن قلبها كجلمود صخر. إنها رقيقة وقاسية، تتابعها كاميرا مراقبة وهي في طريقها للجلوس في مقهى، ساعي البريد يسلمها رسالة، نقرأ معها سطورها القليلة التي تتضمن اعتذار عشيقها السابق «ألكسندر» عن ما فعله معها، ويطلب منها أن تسدي له خدمة أخيرة: تركب القطار المتجه لفينيسيا، وتتعرف على رجل في طوله، كي تضلل مطارديه المكلفين اصطياده، ولا يفوتها قبل مغادرة المقهى أن تحرق الخطاب. أكثر من مراقب يندفع نحو طاولتها الخالية ليأخذ رماد الرسالة، وعن طريق مواد كيماوية، وبرامج كمبيوتر، تتمكن الجهة الرقابية من قراءة الرسالة المحترقة.
«السائح» يمزح بين عدة أنواع فيلمية: شيء من أعمال التجسس، وعناصر من أفلام المافيا، ولا يخلو من مواقف رومانسية، ومن الممكن إدراجه في نمط أفلام الحركة، ولا تفوته بعض الإشارات السياسية، والفيلم في هذا يبدو كمن يجري وراء عدة أرانب فلا يطول أياً منها.
ينغمس الفيلم في مطاردات طويلة، بين الجداول، وفوق أسطح المنازل. تنتهي بقتل الروسي الشرير، واكتشاف أن «السائح» ما هو إلا «ألكسندر» بعد أن أجرى عمليات تغيير ملامح، يترك شيك الضرائب وينطلق مع «إليزا».. إنه فيلم خفيف، باهت تشوبه البرودة، ملامح جامدة من جوني ديب، ولا تشفع له ابتسامة إنجلينا جولي.

وحش المال
مواطنون مصريون طيبون، دفعتهم أمنياتهم في تنمية مدخراتهم، إلى شراء كميات من الأسهم، في البورصة، التي أعيد فتحها بعد سنوات طويلة من الإغلاق..
المواطنون، بوغتوا، بعد شهور قليلة، بتهاوي أسعار الأسهم، أدركوا أن أموالهم مع أحلامهم، تبددت. انتابهم الحزن ممتزجاً بالغضب. لم يقتنعوا بلجاجة التفسيرات الاقتصادية. وقفوا على الرصيف، أمام مبنى البورصة، يهتفون مكلومين «دي مش بورصة.. دول حرامية»، إلى أن جاءت الشرطة، حاولوا مواجهتها، لكنها نجحت في تفريقهم.
هذا المشهد «التراجيكوميدي» ليس قاصراً على مصر فقط، ذلك أنه تكرر، بتفاصيل متباينة قليلاً، في كثير من دول العالم، بما في ذلك أميركا، في قلب نيويورك، أمام بورصتها العتيدة.
المخرجة جودي فوستر، الممثلة النابهة أصلاً، التفتت إلى هذه الظاهرة، التي هزت ضميرها، فقدمتها، بالعنوان الموحي «وحش المال» بسيناريو شارك في كتابته الآن ديفيور، مع جيم كوف.
الفيلم يتلمس جروح المواطن الأميركي البسيط، الذي يفاجأ بوحش المال الشره الغامض، قد التهم مدخراته ليلاً، وتركه على الحديدة.
ربما يترهل الفيلم في الربع الساعة الأخير، حين يخرج الجميع من الإستديو، في موكب يتصدره المقتحم الملاصق للمذيع، مهدداً بتفجيره، إذا حاولت الشرطة إنهاء الموقف. وقد تكون ثمة مغالاة في تعاطف المذيع مع التعيس المقتحم، بالإضافة لبعض الثغرات التي نجدها هنا وهناك، لكن يحسب للفيلم أنه يصب في طاحونة المطالبة بإعادة النظر في النظام المصرفي، بما في ذلك الشركات المالية، ومؤسسات «وول ستريت»، والبورصات الأقرب لكازينوهات القمار، بألاعيبها الخفية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن