ثقافة وفن

نلعب مع الأطفال… نمتلك فرح الكون … غسان الدبس لـ«الوطن»: علينا أن نتكلم بلغة الطفل بعيداً من التنظير… وأن نعالج الواقع بالحب

| سوسن صيداوي - تصوير: أسامة الشهابي

غصّ مسرح القباني بمن خُصص العرض لهم، اللهفة والاستعجال باديان، فالكائنات الصغيرة لم تطِق صبراً للانتظار بضع دقائق، أعمارهم تفاوتت بين الثالثة وحتى العاشرة تقريباً، عيونهم لاحقتني أيضاً ولم تكتف بالترقب سواء لباب المسرح، انتظاراً لصديق أو قريب يلتقونه مصادفة، أو بالنظر إلى تفاصيل وديكور الخشبة، بل كل المسرح بجنباته وزواياه وفضاءاته.
بقينا على هذه الحالة في مسرح القباني إلى أن انطلقت الأضواء ومعها الأغنية الافتتاحية لمسرحية «حيلة العنكبوت» اقتباس جوان جان وإخراج غسان الدبس ومن إنتاج مديرية المسارح والموسيقا، حيث اعتلى أبطال المسرحية-الديك، الحصان، البقرة، الفأرة، ابنة المزارع، المزارع وزوجته- الخشبة، وعشنا معهم فوضى الأطفال بالضحك والرقص والغناء، لينطلق بعدها الحوار بين الشخصيات وفق مجريات قصة العرض المسرحي، ولتتشابك الأحداث بعد ظهور الخروف الذي أضاع أمه، واهتمام الكل فيه-ماعدا زوجة المزارع- والسعي للبحث عن الأم. أقل بالدقائق جمعاً من الستين دقيقة بقي خلالها الأطفال- وخاصة من دون العاشرة- مشدودين ومتفاعلين ضحكاً وحديثاً مع الممثلين، لإيجاد حل يرضي الجميع وعلى الخصوص الخروف الصغير. تجدر الإشارة إلى أن العرض المسرحي(حيلة العنكبوت) مستمر في الساعة الخامسة مساء ولغاية الـ15 من الجاري، وهو من تمثيل: محمد سالم، تماضر غانم، رشا الزغبي، عماد النجار، علا سعيد، إسماعيل هابيل، أنعام الدبس، ناصر الشبلي وألمى ناصر.
وللمزيد نترككم مع تفاصيل أكثر حول العرض بالخصوص وقضايا تهمّ حال مسرح الطفل بالعموم.

المخرج غسان الدبس
بداية حدثنا المخرج غسان الدبس عن اختياره لأيام الأعياد كي تكون انطلاقة لعروضه المسرحية المخصصة للأطفال قائلاً: «العيد فرح وألعاب، ونحن نحاول أن نقدم المسرح بطريقة يمكنني أن أسميها(اللعِب المسرحي) بمعنى أننا من خلال عرضنا نخترق كينونة الطفل ونتنافس مع ألعابه الأساسية التي يقتنيها ويهوى اللعب بها، كما أن العيد حالة كرنفالية وحالة جمالية للأطفال، ومن خلال عروضنا نقحم المسرح في حالته الاحتفالية هذه كي يكون جزءاً من بهجته في العيد. هذا عدا أن الميزة الجميلة لفترة العيد هو الحضور الذي ازدحم أكثر عن الأيام العادية، وهذا وبعد العيد أصبح يأتينا من كان خارج العاصمة، كي يشاهدنا بعد أن أخبره أصدقاؤه وأقرباؤه عن العرض».
وعن الإعلان ومساعدة وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق الانتشار الأوسع للعرض يقول مخرج (دو ري مي): «إن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم حقاً بنشر وتشجيع الحضور إلى العرض، وبالفعل نحن نشهد تفاعلاً افتراضياً كبيراً على الصفحات الخاصة بالعروض، لكنه لا يكفي، فعلى الأهل الخروج من العالم الافتراضي كي يصطحبوا أطفالهم إلى المسرح لمشاهدة العروض، وبعدها يخبر الطفل أصدقاءه في الحي أو المدرسة عن العرض، وهذا هو الأمر المطلوب، هذا عدا أهمية الإعلان والإعلام بالتأكيد عن أهمية العمل المسرحي، حيث يجب أن يتم الأمر بخصوصية تامة ويكون بطبيعته جاذباً، إذاً علينا أن نتكلم بلغة الطفل بعيداً من الأكاديميات أو التنظير، وأن نلعب مع الطفل بشكل ممنهج ومدروس».
وفي سؤالنا عن أن النصوص في العروض المخصصة للأطفال، تعتمد على اللعب والفرح، وعن بث القيم والأفكار الخيرية والثوابت الأساسية في الحياة، وأن هذه الأمور ستصدم الطفل بالواقع وخاصة أنه أصبح بسني الأزمة محاطاً بالبؤس والسواد، جاء جواب المخرج الدبس: «أنا مؤمن بهذا الكلام، كما أنني أعمل على هذا الأساس، وكنا في عرض(دو ري مي) قدمنا الساحرات الشريرات ليس كشريرات، بل قدمنا الفكر الذي يعتمده الأهل في تخويف أبنائهم لأجل مأرب ما، فيكتشف الطفل بأن الساحرات في العرض لسن شريرات، أما في عرضنا الحالي (حيلة العنكبوت)- وببساطة تامة- خروف يضيّع أمه، ويتفق كل من في المزرعة بأن يعيدوا له أمه، وتتطور الأحداث ويتم التعاون من الجميع وبحيلة من العنكبوت (توتة)، يتم التأثير في المزارع الأخير الذي قرر أن يبيعه كي يمتنع ويعدل عن قراره، وفي النهاية يتبنى الجميع الخروف، ويجد أمه. نعم النهاية هي كدليل على الخير وصراعنا ضد الظلم، وأختم هنا: نحن بحاجة إلى أن نعالج الواقع بالحب».
وعن تدخل المخرج غسان الدبس في النصوص يقول: «أحياناً تكون الجملة الحوارية بحاجة لرؤية بصرية جاذبة للطفل، فأنا لا يمكنني أن أسرد قصة المسرحية كمحاضرة أو كندوة ثقافية، بل علينا أن نقدم رؤية مشهدية مترافقة مع الصوت والحركة، الإضاءة والصورة… إلخ من عناصر المسرح، إذاً نحن أمام عملية متكاملة نقدمها للطفل، وبالتالي أنا أحترم تماماً الفكرة الأساسية للعمل، ولكنني أسمح لنفسي أن أقرأه إخراجياً».
أما عن اختياره للممثلين فاشترط المخرج بأنه يحتاج لممثل قادر على إخراج الطفل الذي بداخله، كي يلاقي جمهوره من الأطفال ويحقق التأثير المطلوب فيهم، متابعاً: «كان هناك عذابات بالتعامل مع الممثلين الذين تمّ اختيارهم، فعلى الممثل أن يخرج الطفل الذي يعيش في داخله، فصعوبة هذا الموضوع بمدى قدرته على التقرب من الطفل، وهذا الأمر غير ممكن إلا إذا امتلك روحاً طفولية. وبالنسبة للممثلين المختارين في العمل، بصراحة أنا- لو أنني أكرر التعامل مع البعض-بحاجة إلى الممثل القادر على جذب الطفل إليه، وبالأساس فإن مسرح الطفل مسرح معقد للغاية، والعمل فيه يتطلب جهداً كبيراً، فلا يستسهل أحد العمل فيه، فمن يعمل في مسرح الأطفال فهو محب جداً لهم وعليه أن يحترم كينونة الطفل ومدرك لمشاعره وطريقة تفكيره بشكل كبير».
وأخيراً في سؤالنا عن قدرة مسرح الأطفال في استقطاب مشاهير الممثلين، وعن مساهمة الرعاية الخاصة من القطاع الخاص لهذا القطاع الحكومي يقول: «لا ميزانية قادرة على تحمّل أجر هذا الصف من الممثلين، فلو يُقدم لنا ثمن حلقة واحدة لمسلسل تلفزيوني لكان سيأتي ويعمل في مسرح الأطفال كل المشاهير، وبالتالي سيساهم الأمر في استقطاب جمهور أكبر. أما عن تدخل رعاية (سبونسر) من القطاع الخاص بأن يسهم في ميزانية الأعمال المسرحية، طبعاً طرحنا هذا الأمر على وزارة الثقافة، ففي النهاية هي صاحبة القرار، على الرغم من أن الرعاية الخاصة قادرة على النهوض بالأعباء المادية، وتسهيل الكثير من الأمور الدعائية والتسويقية، وحتى في جذب الممثلين الجادين على مسرح الأطفال، الأخيرين الذين أهديهم قبلة ووردة لأنهم يستحقون وبامتياز أن نعمل لأجلهم وبأن نرفع لهم القبعة».

الممثلة تماضر غانم
من جانبها حدثتنا الممثلة تماضر غانم عن دورها في العرض، مشيرة إلى أن العمل المسرحي المخصص للأطفال أصبح روتيناً في حياتها، لتقول: «المسرحية موجهة للأطفال الذين هم من عمر خمس سنوات وما فوق، قصة المسرحية تدور حول مجموعة من الحيوانات تعيش في مزرعة، وهذا هو العمل الثالث لي بمشاركة المخرج غسان الدبس، حيث نتعاون مع بعضنا كي نجد أم الخروف، كي لا يبيع صاحب المزرعة. وعن المعاناة في العمل بمسرح الأطفال أنا لا أجد صعوبة في العمل، ولي عمر طويل بالعمل الجاد لأجل الطفل على خشبة هذا المسرح، وأنا مؤمنة بعملي هذا، وبهدفه السامي والموجه كنوع من التربية الخاصة أو يمكنني القول: التربية الترفيهية للأطفال، وما يأسرني رغم كل التعب والجهد المبذول، كيف أسرق -مع زملائي- من الأطفال ضحكة أو أكون صاحبة تأثير فاعل وعميق فيهم، والأجمل هو انتظارهم خروجنا من غرف الملابس بعد انتهاء العرض، كي يرونا ويسلموا علينا ويتصوروا معنا. هذا الفرح البادي في عيون الأطفال جميل جداً وحتى لا يمكنني أن أصفه، وخصوصاً أنهم يبادلوننا الإخلاص، ودائماً هم متلهفون لحضور عروضنا المسرحية مهما بلغت الظروف الماضية من شدة».

الممثلة رشا الزغبي
على حين بينت الممثلة رشا الزغبي أنها تقوم بدور الفأرة في العرض المسرحي، مشددة على أن كل التعب والجهد يهون لكونه مقدماً لأجل الأطفال، فتتابع: «هذا ثالث عمل أشارك به مع المخرج غسان الدبس، وأحب كثيراً الحضور في عروضه والمختصة في الطفولة، لكونه قادراً على إخراج الطفل الذي في داخلي. أقوم بدور الفأرة (فوفو) وهي صاحبة المهمات لأنها صغيرة الحجم والوحيدة بين حيوانات المزرعة القادرة على الخروج من الحظيرة للبحث عن أم الخروف. والمسرح بالعموم ليس سهلاً، بل الأصعب هو مسرح الأطفال، فعليّ البحث من خلال أدائي على طريقة كي أتمكن من المحافظة على اهتمام وجذب الطفل، هذا عدا أهمية باقي العناصر في المسرحية القادرة على جذب الأطفال سواء من خلال الألوان والموسيقا والإضاءة، فكلّها عناصر مهمة، وأنا أجد نفسي مكافحة ومناضلة على خشبة المسرح، لأنني أسعى لتعزيز إيماني به مهما بلغت الصعاب والظروف القاسية التي ممكن أنها تقصينا أو تبعدنا عنه. ومن خلال عرض (حيلة العنكبوت) أقول للطفل السوري: إن ما نعمله هو من أجلك فاستمتع به، وكل التعب وكل التحديات تهون لأجلك، وأشد على أيدي الأهل كثيراً بأن يتابعوا الحركة الثقافية ويرتادوا المعارض التشكيلية والسينما والمسرح وكل النشاطات التي تقدمها وزارة الثقافة، لأنه بعد الأزمة يجب، بل من الضروري أن يبقى أطفالنا ضمن هذه الأجواء كي يجتازوا ما مرّ عليهم خلال سنوات الأزمة السابقة».

الممثلة إنعام الدبس
في سؤالنا للممثلة إنعام الدبس عن مدى صعوبة اتجاه مسرح الطفل إلى الواقع، أجابت»بعد سني الحرب القاسية التي مرت علينا، أظن أن الطفل أصبح قادراً على التمييز بين الخير والشر، وفي مسرح الأطفال نحن نؤكد هذه المبادئ وأن يحافظ الطفل على براءته على الرغم من الظلم الذي ينشره الواقع، كما نتمسك خلال العروض بالحوار المكتوب باللغة العربية الفصحى، حيث نخفف منها قليلاً كي تكون قريبة من اللغة المحكية أو البيضاء، وبالطبع نحن اعتمدنا على تقديم مواقف طريفة ومضحكة، ولكنها ليست تهريجية بمعنى أن الموقف الفكاهي موظف، وخاصة أن إضحاك الطفل هو ما يدفعنا لبذل الجهد بأن نكون محببين على قلبه وأن يستمتع بالعرض من دون أن يمل، لا بل تتعمق الفائدة في المعلومة المقدمة له في ذهنه. وفي النهاية أقول لطفلنا السوري: أتمنى أن تكون أيامك القادمة أحلى وأن نتمكن بأن نقدم لك كل ما هو مفيد وثقافي كي نعوض ما فاتك خلال سني الأزمة الماضية».

الممثل ناصر الشبلي
وأخيراً أخبرنا الممثل ناصر الشبلي عن توقه الدائم للوقوف على خشبة المسرح الذي يمثل له خبزاً يومياً، فيقول: «في هذا العرض أنا أقوم بدور صاحب المزرعة الطيب والذي يثير مواقف فكاهية تجذب الطفل وتسعده. أنا أحب المسرح كثيراً وحياتي كلّها لأجله، سواء مسرح الكبار أم الصغار، الأخير الذي هو مهم أيضاً وخاصة في الفترة الأخيرة حيث إننا نشهد عودة لحياة المسرح، الذي هو خبز الحياة لي، ومن خلاله نطرح حالات فكرية واجتماعية وقضايا مهمة لابد من إثارتها لطرح الحلول بخصوصها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن