قضايا وآراء

شرق الفرات.. طرق على «الأبواب القديمة»

| سيلفا رزوق

بينما ينشغل العالم بكل مسؤوليه وتصريحاته وإعلامه بالتصعيد الأميركي الخطير في المنطقة، وانزلاق الأوضاع تدريجياً نحو حافة الهاوية، بين إيران وواشنطن، تكشف التطورات القادمة من مناطق شرق الفرات والبادية السورية، عن ترتيبات جديدة تسعى أميركا وحليفتها السعودية لترتيبها على عجل، لا تخرج عن سياق الحرب الإقليمية القائمة، ولا عن سياق المقاربة الأميركية لتكريس أمر واقع، يعوق التوصل لأي تفاهمات «سورية سورية» في المستقبل، وعلى وجه التحديد في تلك المناطق.
التحرك السعودي العلني هذه المرة، وزيارة وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان لمناطق في دير الزور، ولقاءاته بعشائرها، بدت من حيث الظاهر أنها محاولة لـ«تهدئة» النفوس المشتعلة بوجه تصرفات «قسد» في تلك المناطق والاتهامات لها بالضلوع أو تسهيل الحرائق التي أصابت محاصيل «القمح» فيها، وكذلك تطييباً للخواطر بين عشائر متقاتلة، كانت واشنطن تدخلت وعبر طائراتها لفك الاشتباك فيما بينها.
ظاهر الأمور الذي يقدم لتلك الأسباب، لا يعني أن الظهور السعودي على الأراضي السورية وفي مناطق ما يسمى «الإدارة الذاتية» وبمرافقة مستشارين من الخارجية الأميركية، لا يحمل أبعاداً أخرى وخطيرة، خصوصاً إذا ما تمعنا قليلاً بمكان اللقاء الذي جمع بين هذه الأطراف ووجهاء العشائر، وتوقيته والتصريحات التي خرجت عقبه، والتي عبر فيها «السبهان» عن رغبة بلاده «بالدفع بالمفاوضات بين العشائر و«قسد»، وكذلك سعيها لدعم المجلسين العسكري والمدني لدير الزور، عسكرياً وخدمياً»!
محاولة الإنقاذ السعودي لميليشيا «قسد» من الانتفاضات العشائرية المتواصلة في وجهها، تحمل أبعاداً تصل إلى حدود استعادة مشروع تأسيس «فصائل مقاتلة عربية» جديدة، تنضوي تحت لواء «قسد»، وتستكمل مشروع واشنطن الهادف لقطع الطريق على أي تحرك سوري عراقي لفتح الحدود بين البلدين، خصوصاً مع التمسك الأميركي المستمر بمنطقة «التنف»، والتسريبات التي تحدثت عن تشكيل بريطانيا لجسم مسلح جديد هناك، يضم مسلحي وإرهابيي «الركبان» لاستخدامهم وقت الطلب.
الزيارة والأموال السعودية المتدفقة على عشائر مناطق في «دير الزور»، حملت رسائل إقليمية أيضاً، وضربت عرض الحائط بكل التفاهمات الأميركية التركية، بخصوص دعم ما يسمى «الإدارة الذاتية»، والتي كانت أوقفت قبل عامين تحركاً سعودياً مماثلاً في الرقة، لكن الحسابات الأميركية اليوم وفي ظل الحرب على إيران، والفتور الأميركي التركي على خلفية إعلان أنقرة شراءها لمنظومة «إس 400»، دفع بواشنطن لاتخاذ مواقف أكثر وضوحاً في التحالف مع أكراد الشمال، ودعم محاولات «تكريسهم» كجزء منفصل عن «الكيان السوري».
الجانب الكردي المرحب بكل هذه الخطوات، والذي استقبل مؤخراً وفداً أميركياً رفيع المستوى من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ومسؤولين في التحالف، أظهرت تصريحاته ومواقفه الأخيرة، عمق التحالف الحاصل بينه وبين واشنطن التي بدأت تدعم كل التحركات الدبلوماسية الغربية، لإقامة علاقات اقتصادية وسياسية مع «الإدارة الذاتية»، بما لا يدع مجالاً لأي تفاهم محتمل مع دمشق التي دعت ودعمت الحوار مع الطرف الكردي، للوصول إلى تفاهمات وبالطرق السلمية.
كل هذه المعطيات وإذا ما أضفنا إليها الأنباء عن نية واشنطن إرسال المزيد من الجنود لها إلى سورية، وعودة محاولات «داعش» لتجميع نفسه في البادية، وتكثيف هجماته على مواقع الجيش، بتنفيذ هجمات «أميركية» الأهداف على طريق بغداد دمشق، تعطي مؤشرات واضحة على ترتيبات أميركية خطيرة يتم الإعداد لها، للعودة بالملف السوري خطوات إلى الوراء، وضرب كل محاولات الحكومة السورية لاستعادة الحياة الطبيعية والاقتصادية.
انزلاق المشهد على هذا النحو، لا يعني بالضرورة قدرية تنفيذ أميركا لكل ما تخطط له، فوقائع المشهد السوري خلال السنوات الثمانية الماضية، كشفت حدود إمكانيات واشنطن وحلفائها على الأرض، وترتيبات أميركية وإسرائيلية كانت أشد خطورة، وعلى غير جبهة سورية جرى إفشالها، ولن يكون شرق الفرات ومعه البادية السورية، بعيدين عما جرى هناك، لأن الوقائع تشي بهذه الحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن