ثقافة وفن

الغناء لا يطعم خبزاً وأجورنا تبقى محدودة مهما ارتفعت … عماد رمال لـ«الوطن»: ذائقة الجمهور مستمرة بالانحدار وما يُغنى لا علاقة له بالأغنية الشعبية

| وائل العدس

صوت دافئ وقوي، يتوسد عرش قلبك مع أول تنهيدة تتراقص فيها الحبال الصوتية بعفوية، عذوبة صوته تجعلك تبحر نحو الأفق البعيد بحجم امتداد السماء.. وينعش ذاكرتك العتيقة نحو حياة خالية من الضجيج.
عماد رمال المطرب السوري، قيثارة الإحساس الشرقي ذات النبع الرقراق والصوت الشجي واللحن الذي يُعيدك إلى سنين خلت.
يمتلك في رصيده الغنائي ست أغنيات خاصة هي «يا ضحكتي» و«أكبر عرس» و«يقبروني هالعيون» و«مستنيها من زمان» و«بدي قلك» و«علي» التي أطلقها مؤخراً لابنه المولود حديثاً، إضافة إلى عشرات الحفلات في شتى المهرجانات والمناسبات والمطاعم والفنادق.
هو عضو في نقابة الفنانين، شارك في عمر صغير كمغني صولو ومع الكورال في فرقة شباب سورية بقيادة المايسترو جوان قرجولي وبعدها مع فرقة إيبلا وفرقة نقابة الفنانين مع الموسيقي باسل صالح ومع فرقة معهد صلحي الوادي مع الموسيقي اندريه معلولي، وكانت له عدة مشاركات خارجية في لبنان ودبي، وحالياً هو مغن في الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله.

حدثنا عن بداياتك الفنية؟
بدأت بالغناء بعمر 14 عاماً عندما كنت في الصف الثامن الإعدادي، وبعدها بسنوات قليلة احترفت الغناء، وقد نشأت في عائلة تربوية فنية تقدّر الثقافة وتحب الموسيقا الراقية، وهذا ما شجعني على عشق الفن والتعمق فيه لأقصى درجاته.

باعتبارك لم تدرس في المعهد العالي للموسيقا، هل تشعر أن الفنانين الأكاديميين يتفوقون عليك؟
أبداً، فأنا على اطلاع دائم بالموسيقا والمقامات، وتعلمت ما تعلموه، ولازمت الموسيقار عدنان فتح اللـه لفترة طويلة، وعملت مع فرقة عدنان أبو الشامات للموشحات، وكنتُ عضواً بفرقة أمية، وتأثرت بوالدي عازف الإيقاع.
وعلى العكس تماماً، طلاب المعهد تنقصهم الخبرة التي أمتلكها، وتنحصر خبرات بعضهم في الإطار الأكاديمي فقط، في وقت غنيت فيه على أكثر من مسرح ولكثير من الفنانين.

لكن بعض طلاب المعهد يتهمون فنانين بأنهم تعدوا على هذه المهنة؟
ربما هم أحق بدار الأوبرا، لكن الفنان الناجح هو من يستمر ويثبت موهبته، والنجاح لا يتحقق بالصوت والشكل فقط، بل بالعقل والذكاء وكيفية إدارة الأمور وقراءة الأجواء الفنية بشكل ذكي ومجد.
وأؤكد أنني لم أسرق فرصة أحد ولم أتعدَ على المهنة، والدليل أنني خلال العام الماضي قدّمت حفلاً في دار الأوبرا بعدما قبلتني الإدارة لصوتي وبعدما فرضت نفسي على الساحة الفنية.

هل من صعوبات واجهتك؟
واجهني الكثير من الصعوبات، ولو لم أكن على قدر المسؤولية لتوقفت مسيرتي منذ زمن، لأننا نعيش في زمان انعدام الأخلاق والضمائر وسوء المعاملة، لذلك تراني أدرس خطواتي وأضع شروطي الخاصة قبل الخوض في أي عمل.
أولى الصعوبات كانت ومازالت مادية، لدرجة أن ما أجنيه من الحفلات، أدفعه على إنجاز أغنياتي الخاصة التي تكلفني الكثير، وربما لا تحقق المأمول في النهاية.
ولا ننسى أن متعهدي الحفلات في سورية يفضّلون الغريب على ابن البلد، رغم أننا كسوريين الأولى والأجدر والأفضل.

لديك ملاحظات على الوسط الفني؟
نعم، نحن كفنانين سوريين لا نؤمن بقدراتنا، ولا يحب بعضنا بعضنا الآخر، بل نسعى إلى إفشال الآخرين لأن مزمار الحي لا يطرب، ولن نتقدم قيد أنملة ما لم نتعامل بمحبة واحترام.

تغني بشكل دوري في أحد المطاعم، فهل تواجه انتقادات؟
أتشرف بذلك، وليس عندي أي مشكلة، بل على العكس، الغناء في المطاعم يقربني من الناس ويمنحني خبرة التعامل مع الجمهور.
وأنا بكل الأحوال أغني في مطاعم راقية ويرتادها أشخاص محترمون ويقدرون قيمة الفن.

هل الغناء يطعم خبزاً؟
لا أبداً، أجورنا لا تتناسب مع الغلاء وتبقى محدودة مهما ارتفعت، وكل ما تقدمنا في العمر ترتفع أجورنا ولكن بشكل زهيد، لكن ما يحزن أن أجور الفنانين اللبنانيين في سورية تفوق أجورنا عشرات الأضعاف، عدا الدعم المعنوي والتسويقي الذي لا نناله.

تميل في أغانيك إلى اللون الرومانسي، فهل أنت رومانسي؟
لا أبداً، ذائقتي الخاصة غير رومانسية، لكنني أميل بالفعل إلى هذا النوع من الأغنيات التي تحمل معها إحساساً عالياً ينبع من القلب، وأنا أغني كل الألوان الغنائية لكنني ألمع في هذا اللون بالذات، وأسعى إلى الكلمات والألحان المملوءان بالإحساس.

لماذا لم تطلق ألبومك الخاص حتى الآن؟
نعيش حالياً عصر الأغنية المنفردة، وكثير من الفنانين يطلقون «ميني ألبوم»، ولكني كفنان سوري مضطر أن أتأخر في خطواتي لغياب شركات الإنتاج، والأغنية الواحدة باتت تكلف نحو 15 ألف دولار، فكيف سأنتج ألبوماً وحدي؟.
أشعر أنني أفضل من غيري، لكن ما قدمته لم يحقق سوى الشيء البسيط من طموحي الذي يفوق الحدود، وللعلم فإنني خاسر مادياً مئة بالمئة فيما أطلقته من أغان خاصة، لكني أفكر بجمع الأغنيات وطرحها على شكل ألبوم في وقت لاحق.
وحلمي لا يتوقف عند الغناء في أفخم المطاعم فقط، بل أعيش لأحقق مشروع عمري، وأقوم بخطوات ثابتة لكنها بطيئة نوعاً ما بسبب الظروف المادية، وكل الفنانين النجوم بدؤوا صغاراً، وهو أمر طبيعي ومنطقي.
وأؤكد أن وجود شركات إنتاج فنية معنية بالأغنية السورية يشكل دعماً ضرورياً وكبيراً للفنان وللأغنية في سورية ويطور الموسيقا ويفتح آفاقاً جديدة.

لماذا لم تشارك في برامج المواهب؟
شاركت في أحد البرامج عام 2013 ونال صوتي إعجاب الجميع، لكن لديّ خطوط حمراء تتعلق بوطني ورئيسي ولا أسمح لأحد المساس بهما بعدما حاولوا التدخل بأموري ومواقفي الشخصية، فقررت الانسحاب لأن كرامتي وكرامة بلدي أهم من كل شيء.
وللعلم فإن إدارة هذه البرامج لا يهمها الصوت، بقدر ما يهمها جني الأموال من خلال الاستعراض واختلاق مواقف تلفت أنظار الناس.
ومشاركة المواهب في هذه البرامج لا تخلو من التسييس في ظل غياب الفرص المحلية.

ما رأيك بالأصوات التي تخرجها هذه البرامج؟
للأمانة، هناك أصوات أجمل بكثير من أصوات أعضاء لجنة التحكيم، وفي الوقت نفسه هناك أصوات عادية جداً لكنها تصل إلى مراحل متقدمة، ما يعني أن الصوت هو آخر المعايير التي تمنح المشترك الفوز.

ما رأيك بالأغنية الشعبية السورية الدارجة حالياً؟
لا علاقة لما يغنى بالأغنية الشعبية، ولا يمثلها من قريب ولا بعيد، فالأغنية الشعبية هي أغاني فؤاد غازي وفهد بلان وصباح فخري.
جميعنا يستمتع بالأغنيات الدراجة ونرقص وندبك على ألحانها، لكن يجب ألا تصدّر على أنها تراث شعبي، علماً أننا نمتلك الكثير من الأصوات الجميلة مثل الفنان وفيق حبيب الذي أعشق صوته وأشعر أنه مظلوم في زحمة هذه الأصوات.
وحالياً معظم الأصوات الحالية متشابهة، ولتتميز عليك تقديم أعمال متفردة لا تشبه الآخرين، لكذلك غير موجود.

هناك مشكلة بذائقة الجمهور؟
طبعاً، وهذه الذائقة مستمرة بالانحدار مع أنني أتمنى أن تتوقف عند هذا الحد، وأحزن على الجيل الجديد الذي تربى على أغنية «جنوا نطوا» مثلاً.

من عرابك في عالم الغناء؟
أول من دعمني موسيقياً ومعنوياً هو الموسيقار عدنان فتح الله، على حين قرّبني الأستاذ جوان قرجولي من الموسيقا ودفعني لحبها، أما أبي وباعتباره عازف إيقاع فوقف إلى جانبي بكل تأكيد ودعمني.

هل أيدت عائلتك دخولك هذا المجال؟
في إحدى المرات قمت بدعوتهم لحضور إحدى حفلاتي في مسرح معرض دمشق الدولي القديم، ففوجئوا بي وبصوتي ومن بعدها كانوا أكبر الداعمين لي.

تزوجت منذ أكثر من عام، ورزقت مؤخراً ولداً، هل أثر زواجك في مسيرتك الفنية؟
الزواج أخذ من وقتي الكثير، لكنه أثر فيّ إيجابياً، لأن زوجتي داعمة ومتفهمة وتوفر لي كل ظروف النجاح والراحة.

برأيك من مطرب سورية الأول ومطربة سورية الأولى؟
المطرب الأول جورج وسوف بكل تأكيد، وسيبقى كذلك ولو جاء بعده مئة فنان، وأشيد بتجربة ناصيف زيتون، أما المطربة الأولى فهي ميادة الحناوي، وتتميز الساحة الفنية السورية بالكثير من الأصوات النسائية الجميلة مثل رويدا عطية وشهد برمدا وسارة فرح.

أخيراً، ما سبب قلة صداقاتك في الوسط الفني؟
هكذا أرتاح، أنا اجتماعي جداً وعندي صداقات قوية خارج الوسط، لكن هذا الوسط مملوء بالمشكلات والثرثرات، وتربيتي لا تخولني استيعابها وتحملها.
وعندي عادة تتمثل بعدم القدرة على التأقلم مع أي شيء لا يريحني، فإذا شعرتُ بضيق من شخص ما، أتوقف عن التعامل معه، وإن كان التواصل معه يخدم مصلحتي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن