قضايا وآراء

هواجس نتنياهو وأزمة الوجود اليهودي

| د. يوسف جاد الحق

كان يتصرف، حتى وقت قريب، وكأنه مالك الأرض، وسيد العالم بالأمر والنهي بلا منازع، لأسباب صورت له الأمور على هذا النحو، منها:
1) تحقق الكثير مما يسعى إليه بمجرد الحديث عنه أو إظهار حركة أو إشارة تدل عليه، منذ مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عن طريق الإيباك، وتلبيته لرغبات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أيّاً كانت، بل زاد عليها زياراته لإسرائيل إضافة إلى ارتدائه قبعة يهودية عند ذهابه إلى حائط البراق المبكى عندهم، يلمس حجارته مطأطئاً رأسه، متظاهراً بالخشوع والرهبة وصدق الإيمان، ثم ذهابه إلى حيث متحف المحرقة استغفاراً للهولوكست وخشوعاً أمام ما حلّ باليهود على أيدي النازيين ومعظمه ملفق.
2) هرولة فريق ممن يحسبون على العرب والعروبة، في السر سابقاً والعلانية مؤخراً، يصادقونه، ويحالفونه ضد إخوتهم في العروبة، المفترض أن يكون، ونصيرهم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي حلف المقاومة بأطرافه جميعاً. بل إن بعضهم أيده، والصهيونية معه، في أن فلسطين لم تكن عربية أبداً وأنها كانت لليهود منذ عادٍ وثمود! أكثر من ذلك عندما أصبحت اللقاءات علنية، شوهد العربي الآبق يعانق نتنياهو أو أي صهيوني مارق في المحافل الدولية، بل أكثر وأكثر رؤي زعيم عربي وهو يتحدث إليه يعلن على الملأ وأمام الشاشات والفضائيات بأن على الفلسطينيين أن يقبلوا ما تطرحه عليهم يا سيد يا محترم يا حفيد بن غوريون، أي والله قالها ذاك المجرم المارق الزاعم بأنه يرعى قدس الأقداس الإسلامية ناسياً أن الأقصى كان أولى القبلتين قبل أي مكان آخر، وقبل أن يؤمر رسول اللـه عليه الصلاة والسلام بالتوجه إلى مكة.
ومن ثم رأينا السيد نتنياهو يوقع القتل بالفلسطينيين كل يوم عند حدود غزة في مسيرات العودة من دون أن يسأله أو يحاسبه أحد، فضلاً عن أن يعاقبه أحد.
على الرغم من معالم البهجة، وتلك الابتسامة البغيضة على شفتي نتنياهو عند كل لقاء مع ترامب أو وزير خارجية أميركا مايك بومبيو، فرحاً بتلبية المطالب، هينة كانت أم عسيرة: كالقدس ونقل السفارة إليها، واعتبارها عاصمة أبدية لهم، والجولان ومنحهم إياها هدية مجانية كما لو كان يملكها، إلا أن مظاهر الارتباك البادية على وجهه، ومعالم الحيرة والخوف والقلق غير الخافية تبدي حقيقة المشاعر التي تخالجه والأفكار التي تراوده حول مصير وجود دولته الهجين اليهودية، ذلك أن الحقائق كلها من حوله، في المنطقة وفي العالم وما يعتريه من متغيرات، قلبت الأمور الجارية رأساً على عقب. وفوق ذلك كله ظهور حلف ركين لمقاومة جبارة لا سبيل إلى مقاومتها بجيش قهر أكثر من مرة ولم يعد قادراً على حماية جنوده أنفسهم يريدون حمايتهم، ناهيك أن تكون لديه قدرة على حماية شعب تجمع من أشتات كثيرة في الأرض، سيهرب من فلسطين عند أول طلقة لحرب عامة تشمل جهات فلسطين الأربع بما فيها البحر والسماء.
يعرف نتنياهو اليوم أن المسألة لم تعد مسألة بقاء إسرائيل أو زوالها بل أصبحت إلى متى؟ وكم بقي من عمرها الشقي؟ خلافاً لما قاله ذات يوم وزير خارجية أميركا السابق جون فوستر دالاس بأنها إنما وجدت لتبقى، وخلافاً لما بشرت به العجوز المسترجلة رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة جولدا مائير بأن الكبار يموتون والصغار ينسون.
هذا كله أصبح طي الماضي وأضغاث أحلام نتنياهو وكل فرد في إسرائيل بعد الآن للنهاية الآتية حثيثاً: إما الموت الزؤام.. وإما الرحيل.
ولأنهم أحرص الناس على حياة كما أنبأنا اللـه في كتابه الكريم «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى» هرباً من الموت ولبقية باقية من الحياة، نادمين على اليوم الذي ولدتهم فيه أمهاتهم ليأتوا إلى هذه الديار، يلاقون فيها هذا المصير الأسود برغم الحماية الموهومة في البيت الأبيض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن