ثقافة وفن

«نحنُ الشباب لنا الغدُ» ممثلون سوريون ثبّتوا خطواتهم هذا الموسم

| أحمد محمد السح

يمكن للمتابع في زحمة المسلسلات الرمضانية أن تستوقفه وجوه يعرفها أو يتعرّف عليها، وبدت في هذا العام في غاية التألق والاشتغال على موهبتها وأدواتها، وجوه سورية شابة في مجال التمثيل، تسير بخطواتٍ وئيدة تجاه القيمة العليا للفن بعيداً من بهرجات التجميل الفاضحة أو خزعبلات وسائل التواصل الاجتماعي التي تصنع فقاعات لا ممثلين يعوّل عليهم في القادم من الأيام.
كان أصغر هذه الوجوه عمراً الطفل/ الشاب «بلال الحموي» الذي ظهر بشخصية «كنان» في مسلسل مسافة أمان «إيمان السعيد، الليث حجو» هذا الشاب الذي حُمّل مسؤولية شخصية مركّبة لا يمكن لغير اختصاصي أن يتقنها بسهولة، شخصية ستتعاطف معها في معظم الأوقات وتخاف عليها إلا أنك ستشعر بالغصة الكبرى حين تنزلق هذه الشخصية تجاه الضياع، هذا الشاب بدا واضحاً أنه تتلمذ في مدرسة خاصة لتعليم الأدوات الفنية في التمثيل، فكان جهده واضحاً وشغفه بالتمثيل يمكن استثماره والاستفادة من جهوده.
وفي العمل ذاته «مسافة أمان» كان الضوء يحيط عيني الممثلة اللامعة حلا رجب التي لفتت الأنظار إليها سابقاً في مسلسل «عناية مشددة – علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد» وتُكرِّر هذا العام التجربة نفسها مع أسماء صناع العمل نفسها في مسلسل «هوا أصفر» لتقدم شخصية صادقة محبوبة لا تستطيع إلا أن تلتقط منها مفردات العطف وكل التعابير واضحة الحزن، ثم لتنقلب الشخصية إلى مأزومة نفسياً ولكنها تحافظ على تعاطف ومحبة الجمهور، أما في «مسافة أمان» ومع هذا الهدوء في الأداء والإتقان والبساطة في إطلاق العبارات، حتى الغاضبة منها، وفي أصعب انفعالاتها، تحجز حلا رجب لنفسها مكانةً تستحقها كممثلة لا يمكن تقديمها إلا في الأصعب والأجمل من الأدوار.
ومع زوجها الفنان يزن الخليل نقف أمام حضوره المبهر في مسلسل «هوا أصفر» مع شخصية ترافق البطل إلا أنها تتخطاه في هذا الحشد من الصدق والإيقاع المُشتَغَل عليه في شكل الشخصية وانفعالاتها والانقلاب على هذه الانفعالات، ليجبرك على أن تنتظر مشاهده وتستطيب بمشاهدته وهو يتقن ما يفعله، ولو أن حضوره في «شوارع الشام العتيقة» كان أقل وهجاً إلا أن المشاهد متأكد من أن يزن قادر على الفعل الدرامي الصحيح والواعد، فهو ممثل محترف لوّن «الهوا أصفر» ليقف في مصاف نجوم ممثلين عباقرة بمستوى «تيسير إدريس وعبد الهادي الصباغ».
لم ينقطع الممثل الشاب أنس طيارة عن لفت الانتباه إلى أدائه منذ ظهوره في مسلسل «شوق» وبعدها في «الواق واق»، ورغم حضوره القصير في «مسافة أمان» إلا أن اختلاف الشخصية عن التصور الاستباقي لدى الجمهور بشكل العاشق المتهور ليرينا صورة العاشق الخيالي في هذه الأيام الذي تحلم به كل شابة من حيث الرجولة والأخلاق العالية رغم شعره المجعد الذي قد يوحي بأنه من غير الملتزمين بمعايير الحب النبيل، إلا أن الحضور اللافت كان في شخصية «عزمي» التي اختلفت في شكلها ولباسها وتصرفاتها اختلافاً كلياً عن غيرها ضمن مسلسل «عندما تشيخ الذئاب» عن رواية جمال ناجي «نص حازم سليمان، وإخراج عامر فهد» فوقف أنس طيارة أمام ممثلين أساتذة في مهنتهم إلا أنه كان مميزاً وناجحاً في أدائه قادراً على تحميل كل الحوارات الصعبة والدقيقة بكل المشاعر التي تحيط بها ليشتغل اشتغالاً سينمائياً على تفاصيل وجهه، لا ظهوراً تلفزيونياً عاماً فحسب.
ويلفت «إيهاب شعبان» أنظار المشاهدين ليس بسبب شعره «المنفوش» في مسلسل «مسافة أمان» ليقدم شخصية متقلبة المزاج تعيش انكسار حلمها في التمثيل، ليصرف أوقاته في تدخين الممنوعات والرقص في البارات كتعبير عن الإحباط الذي تحمّلهُ جيلٌ بأكمله، كبر ودرس وواجه خيباته في بلادٍ طالت فيها الحرب. ويترك إيهاب انطباعات متباينة عند المشاهد بين التعاطف لأنه متقاطع مع نسبة كبيرة من أبناء جيله، والرفض لسلوكه المتراخي والمهمل لشخصيته أو حتى شكله بكثير من الوشوم والكسل المتمثل في قضاء وقته في النوم كأنه يجرجر الزمن إلى حكاية ينتظرها المشاهد ملتقطاً إشارات فارقة بأنه سيكون شريكاً في حبكة الحكاية وربما في حل العقدة.
لن يختلف هؤلاء الممثلون حول ترتيب أسمائهم في شارة أو مقال، فهم موهوبون وناجحون أينما ذُكِروا، ولذا فإن هذه الطاقات الرائعة تظهر بالشكل الصحيح عندما تجد من يوجّهها، آملين أن يتخلص الممثلون الشباب من ترهات هذا العصر بعمليات التجميل الفارغة فيه لأن الموهبة الحقيقية والصادقة والجهد يظهر للجمهور بتلقائية من دون الحاجة إلى بهارات مبتذلة للفت نظره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن