اقتصاد

تأمين المسؤولية المهنية للأطباء

| د. رافد محمد

يعد تأمين المسؤوليات أحد أنواع وثائق التأمين المعروفة عالمياً وتتميز عن غيرها من أنواع التأمين في عدة نواح فنية ومالية وقانونية.
ولتأمين المسؤوليات العديد من الأنواع أهمها تأمين المسؤولية المدنية تجاه الغير (الضرر الذي يسببه المؤمن له للغير، وأشهره تأمين السيارات الإلزامي) وتأمين المسؤولية المهنية لأرباب المهن كالأطباء، المهندسين، المحامين والمحاسبين القانونيين.
نشهد، بين فترة وأخرى، في بلدنا، العديد من الأخطاء الطبية المؤسفة التي تتسبب بوفاة المريض أو حصول مضاعفات سلبية على حالته الصحية، أو قد يتسبب الطبيب المعالج بظهور أمراض أخرى عند محاولته معالجة المريض، وكذلك ما يمكن أن ينتج عن عمل الصيدلاني عند بيعه «أو وصفه» جرعة دواء مفرطة أو غير مناسبة.
ورغم التطور الكبير في تقنيات تشخيص الأمراض واختراع الجديد منها، وكذلك تطور صناعة الأدوية، فإن الأخطاء الطبية لا تزال واضحة ومؤثرة على المستوى المحلي والعالمي، عدا عن تأثيرها السلبي الكبير على سمعة الأطباء والمستشفيات (وهذا حديث آخر) وهو أمر، للأسف، لا يمكن أن ينتهي تماماً، فالطبيب كسواه من البشر معرض للخطأ، وإن كان تأثير خطئه مباشراً وقد يكون كارثياً.
ونظراً لعدم رغبة أغلبية المتضررين من هذه الأخطاء في الادعاء على المتسبب بالضرر لأسباب اجتماعية وإنسانية، فإنهم يُحرمون من تعويض مادي قد يسهم في تخفيف الضرر الحاصل، سواء لناحية استكمال العلاج والاستشفاء عند أطباء آخرين (غير المتسببين بالضرر)، أم مستشفيات أخرى داخلية أو خارجية، أم لناحية منح مبلغ مالي لورثة المتوفى نتيجة الخطأ الطبي.
من هنا، فإن وجود تأمين المسؤولية المهنية للأطباء المتسببين بالضرر يمكن أن يمثل حلاً جيداً لجزء مهم من المشكلة، إذ تقوم شركة التأمين بسداد تعويض مادي للمتضرر أو ورثته في حالة الوفاة.
وكما هو الحال، عند إطلاق تأمين المسؤولية المدنية للمركبات اتجاه الغير، وإلزاميته، والتي كانت دوافع الإلزام به إنسانية اجتماعية، فإن هذه الدوافع في تأمين المسؤولية المهنية لا تقل أهمية عن تلك الدوافع في تأمين المركبات، لا بل إن الجهة المستهدفة بشراء وثائق تأمين المسؤولية المهنية، وهي الأطباء والصيادلة، هم فئة قادرة على شراء هذه الوثائق دون انعكاس تكلفتها على المواطنين، حيث انخفاض قسط التأمين نتيجة الأعداد الكبيرة من المؤمن لهم (الأطباء والصيادلة) وفي حال توزيع هذا القسط حسابياً على عدد المرضى لكل طبيب، فإن حصة المريض من هذا القسط قد لا تتجاوز أجزاء الليرة السورية الواحدة، لذا فإن هذا التأمين يجب أن يتم التعامل معه كضرورة اجتماعية وإنسانية لا يمكن أن تنعكس تكلفتها على المواطن، تُلزم بها المهن الطبية وبشكل خاص الأطباء والصيادلة.
إن فوائد هذا التأمين وإلزاميته، تنعكس على المواطنين المتضررين أولاً وكذلك على أصحاب المهن الطبية حيث تنخفض إمكانية الادعاء عليهم قانونياً (مدنياً وجزائياً) بفعل حصول المتضرر على تعويض مادي، وكذلك الأمر على شركات التأمين التي سوف تستفيد من مورد مالي جديد، من خلال منتج تأميني جديد لم تبذل جهداً لتسويقه.
إن إلزامية تأمين المسؤولية المهنية للأطباء تستلزم وجود ضوابط محددة من قبل الجهات الرقابية على قطاع التأمين، منها على سبيل المثال وجود نموذج موحد لوثيقة التأمين من حيث تغطياتها والحدود المالية لتلك التغطيات (حدود تعويض معينة تلتزم بها شركة التأمين، دون المساس بحق المتضرر اللجوء للقضاء لتحصيل تعويض أكبر من المتسبب بالضرر) وكذلك حدود سعرية معينة (على الأقل حد أعلى للسعر، قسط التأمين).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن