قضايا وآراء

حروب أميركا الخاسرة

| تحسين الحلبي

حاول فريق الحروب والغطرسة الأميركية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2017-2018 تصعيد حملة التهديد والوعيد لقيادة كوريا الديمقراطية وحشدوا أثناء هذه الحملة قوات ومعدات وحاملة طائرات من أجل إرهاب كوريا الديمقراطية بهدف نزع سلاحها النووي وقدرتها الصاروخية بعيدة المدى، وفي النهاية بقيت كوريا الديمقراطية نووية ولا تتوقف عن إجراء التجارب الصاروخية، وفي حملتها هذه لم تجد إدارة ترامب وفريقه الحربي سوى عدد قليل من الدول التي تصطف إلى جانبها في سياسة شن الحرب أو التهديد المباشر بها ضد كوريا الديمقراطية إلى حد أن أهم حليفين إقليميين للولايات المتحدة وهما كوريا الجنوبية واليابان اتخذا سياسة «التهدئة» و«المفاوضات» و«الدبلوماسية» وعدم السماح لأميركا باللجوء للقوة العسكرية أمام دولة نووية وإن كانت محدودة في قوتها النووية مثل كوريا الديمقراطية.
ووجدت إدارة ترامب نفسها مجبرة بعد سلسلة استعراضات تفاوضية رافقها التهديد والوعيد على التراجع وعادت إلى موقف أضعف من موقفها الذي سبق انطلاقها بجولة التهديد لتحقيق أهدافها وحافظت كوريا الديمقراطية على الأمر الواقع بل اتسع نشاطها مع الصين أكثر ومع روسيا على المستوى الدولي.
وكانت الولايات المتحدة قبل ذلك وفي عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش افتتحت حرباً على أفغانستان عام 2001 بحجة «محاربة الإرهاب» انضم إليها في هذه الحرب أكثر من 25 دولة بما في ذلك الحلف الأطلسي وتمكنت أن تضمن قراراً من الأمم المتحدة لشن هذه الحرب بمشاركة كل هذه الدول ومع ذلك قررت دول كثيرة الانسحاب من هذه الحرب بعد 13 عاماً لم تحقق فيها الولايات المتحدة إنهاء الإرهاب بل اتسعت أكثر فأكثر دائرته وتسخيرها له لتحقيق سياستها الإمبريالية، ولم يبق منذ عام 2015 إلى جانب الجيش الأميركي في الحرب المستمرة حتى الآن في أفغانستان سوى عدد قليل من الدول.
وفي احتلالها للعراق حشدت إدارة بوش أكثر من نصف مليون جندي أميركي وبريطاني ومن أكثر من 25 دولة شاركت بهذا الحجم العسكري أو ذاك ثم وجدت أنها مجبرة على الانسحاب عام 2012 بعد أن سحبت بريطانيا معظم قواتها وكذلك الدول الأخرى التي انضمت إلى هذه الحرب.
وهذا كله يدل على أن واشنطن لم يعد في مقدورها بعد هاتين التجربتين أن تشن حرباً وحدها بل أصبحت في تهديدها بشن الحرب على إيران لا تجد دولاً تتفق معها وتؤيد سياستها في اللجوء إلى هذه الحرب الأميركية على إيران.
بل إن بريطانيا نفسها لا تجد قدرة أو مبرراً لها للمشاركة المباشرة في حرب أميركية على إيران، والأسباب واضحة وفي مقدمها ما جرى من تحولات واضحة في ميزان القوى الإقليمي الذي تشكل إيران وسورية والمقاومة اللبنانية قاعدته مثلما يشكل العراق مجالاً حيوياً إيجابياً لهذا المحور وبخاصة في موضوع الحرب الأميركية على إيران، كما أن ميزان القوى الدولي الذي تثبتت قواعده بعد صمود وانتصار سورية وحلفها وأصبحت روسيا والصين تفرضان فيه مشاركتهما في حل النزاعات الدولية وفي حماية وسيادة أراضي حلفائهما بموجب ما أكده قبل أيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام وسائل الإعلام حين قال: «إن روسيا لا تتخلى عن حلفائها ولا تستخدم لغة الصفقات تجاه القضايا المشتركة مع حلفائها في المنطقة».
كما أن التهديد بالحرب على إيران أثارت وما تزال تثير انقساماً كبيراً داخل المؤسسات التشريعية الأميركية وقد ظهرت تصريحات تعلن أن حرب ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو على إيران هي حرب ستشنها الولايات المتحدة لأنها «حرب إسرائيل فقط» فمنذ أكثر من 15 عاماً وإسرائيل تطلب بشكل علني من الإدارات الأميركية شن حرب مباشرة أميركية على إيران برغم الأخطار التي تكمن في هذه الحرب بل برغم النتائج غير المضمونة لها بعد حربين في أفغانستان وفي العراق.
وبعد إسقاط أحدث وأهم وأقوى طائرة استطلاع أميركية بلا طيار على يد القوات الإيرانية ومضاعفاته على مكانة القدرة العسكرية الأميركية، وإمكانية استخدام إيران وحلفائها للتكنولوجيا العسكرية التي أسقطتها ضد الولايات المتحدة وجد ترامب نفسه مجبراً على تراجع برره بشكل لا يصدقه عاقل في هذا العالم وهو أنه «خشي على مقتل مدنيين بشكل متزايد» وكأنه ليس ترامب الذي تقتل طائراته آلاف الأطفال والنساء في سورية والعراق بحجة محاربة إرهاب داعش منذ سنوات برغم أنه الآن ليس في حالة حرب مع العراق، ولا في حالة حرب معلنة مباشرة مع الجيش العربي السوري على الأرض السورية، فهل لمثل هذا القول من معنى؟ والحقيقة التي تكمن وراء هذا التراجع هي أن «مطبخ» الحرب الأميركي حذر من أن القرار بالحرب سيفضي إلى نتائج محبطة للولايات المتحدة ودورها لأن القوة الإقليمية الموازية لها في المنطقة أصبحت متجذرة ويصعب استئصالها!
وهكذا تكون إيران وحلفاؤها قد ربحوا في هذه الجولة على ترامب دون سلاح نووي جعل كوريا الديمقراطية تربح في جولتها ضده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن