قضايا وآراء

سويات صراع جديدة

| مازن بلال

بدت الضربة الأميركية لإيران أشبه بالعديد من سيناريوهات هوليود التي تشد الجميع، ثم تنتهي كل التداعيات في اللحظات الأخيرة، والمفارقة هنا أن حالة التشويق التي انتهت بإلغاء الضربة الأميركية نقلت الصراع لنقطة مختلفة، ليس على صعيد إيران فقط بل أيضاً ضمن الجبهات العديدة من سورية والعراق وصولا إلى اليمن، فاحتمالات اندلاع الحرب أصبحت مألوفة، على الأخص أن مسألة «الضربات المحدودة» باتت حالة أميركية اعتيادية مارستها مرارا في سورية، وقبلها في العراق واليمن وغيرها من المناطق في العالم.
عمليا فإن المسألة لم تعد في احتمالات اندلاع حرب في الخليج، بل في التصور الذي ترسمه الولايات المتحدة عند نظرتها إلى شرقي المتوسط عموما، وهو ما يجعلها تنكفئ على صعيد الآليات الدبلوماسية، على حين تزيد من جرعة التصريحات التي تشكل بحد ذاتها استنزافا لأي إمكانيات في التسوية، فحروبها العسكرية التي انحسرت بعد احتلال العراق، وتصريحات إدارتي أوباما وترامب بشأن الحروب؛ قادت عملياً نحو حالات تصعيد جديدة من خلال الصدامات الاقتصادية بالدرجة الأولى، وفتح صراعات سياسية تستهدف البُنى الاجتماعية في مناطق متعددة في العالم.
المشكلة التي ظهرت بعد إسقاط إيران للطائرة الأميركية ليست في نوعية الردود العسكرية فقط، بل أيضاً في عمليات الفرز السياسي التي نلمسها في التصريحات التي خرجت من دول الشرق الأوسط وليس من واشنطن، فالتوازن العسكري المفروض من الخليج وصولا إلى سورية، يقف على موجة جديدة من عدم القدرة على بناء التوافقات الذاتية، وذلك في ظل غياب مؤسسات إقليمية جامعة تخفف من التوترات، أو تجعلها تتجه نحو بناء السياسة بدلا من الحفاظ على التوتر.
ربما لم تكن هناك حاجة لأزمة تصعيد جديدة لنكتشف عمق التناقض الموجود إقليميا، ولكن هذا الأمر أوضح أن معظم دول المنطقة لا تنظر لاحتمالات الحرب بجدية، وتبدو رهاناتها على الولايات المتحدة مطلقة على المستوى العسكري، دون النظر إلى أن واشنطن ولو بدت بعيدة عن الهزيمة، لكن جغرافية الصراع ستكون فوق هذا الإقليم المنهك والمستنزف منذ عام 2011 بل حتى قبل هذا التاريخ.
الأمر الأساسي الذي ظهر خلال التوتر الأخير أن بعض التوجهات الإقليمية غير قادرة على بناء الاستقرار، ولا تستطيع فهم المعادلة الدولية على أنها محاولات البحث عن التلاقي السياسي، وهذا ما يجعل الصراع بعد إسقاط الطائرة الأميركية مختلفا نوعا ما بالنسبة للإدارة الأميركية، فحتى لو ألغى الرئيس الأميركي أوامره بالبدء بعمل عسكري، فإنه في الوقت نفسه دفع الجبهات كلها من إدلب وصولا إلى مضيق هرمز؛ نحو التصلب داخل إطار المغامرات العسكرية أو حلم التفوق وتجاوز التوازنات العسكرية القائمة، ويؤشر هذا الأمر إلى مسألتين:
– الأولى أن التوازنات القادمة وعلى الأخص داخل الأزمة السورية غير قابلة لبناء نظام شرقي أوسطي مستقر، فجميع العوامل السياسية الإقليمية تسعى لخلق الاضطراب.
– الثاني أن احتمالات الحرب لم تعد الأخطر على المستوى الإقليمي، بل استنزاف المنطقة بالتوتر المستمر الذي يقضي على احتمالات الاستقرار على المستوى المنظور.
الأزمة عملياً ليست خليجية ولم تبدأ أو تنتهي بإسقاط طائرة من دون طيار، فهي بعمقها عدم القدرة على بناء توازن في ظل انتشار عسكري يساعد على خلق التطرف والإرهاب نتيجة انحسار سيادة الدول كما عرفناها في النصف الثاني من القرن العشرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن