ثقافة وفن

«فن الأرض» واقعية الحياة العامة الريفية … التعبير عن روح صافية نقية لا تشوبها شائبة

مها محفوض محمد :

ترتيبات تقنية على أعلى المستويات وأداء مبهر يقدمه الفن الروسي التجريدي يرافقه منوعات من الشعر الحديث مع فيدور آندر يفيتس بافلوف على مدار الأسبوع الحالي في مهرجان الفن «آرك ستوياني» في بلدة نيوكولا لينيفيتش التابعة لمدينة كالوغا على بعد 220 كم جنوب غرب موسكو، حيث يقام للمرة الثامنة على التوالي مهرجان الصيف هذا ويجذب الكثير من هواة الفن المعاصر الذين لديهم رغبة القيام برحلة إلى الريف كما أطلق على المهرجان تسمية «وقفة مع القديم» استناداً إلى الحدث التاريخي الذي جرى في المكان ذاته منذ خمسمئة عام في ردب يحاذي نهر أوغرا حيث شهد هذا المكان حروباً بين الخان المغولي أحمد مما كان يسمى «القبيلة الذهبية» وإيفان الثالث الدوق الروسي الكبير حيث مكث كلا الاثنين على الضفتين المتقابلتين لنهر أوغرا أحد روافد نهر أوكا الذي كانت تمتد على طوله حدود دوق موسكو، وفي خريف 1480 سجل هذا الردب السقوط النهائي لمغول التتار بعد مواجهة بين الجيشين الروسي والتتاري. ومنذ العام 2000 أصبح هذا المكان مركزاً متقدماً للفن المعاصر بفضل أعمال الفنان نيكولا بوليسكي وهو من الرسامين الروس المعاصرين والذي يمكن تصنيفه من أعظم الفنانين فهو يرسم بواقعية حياة عامة الشعب في القرن الحادي والعشرين كما يدرب سكان الأرياف على هذا النوع من الفن الذي يقرنه مع التقاليد الشعبية للصناعة الحرفية في بلدة نيكولا لينيفيتش وفي هذه البلدة يتم تنظيم المهرجان الدولي لفن الطبيعة للمرة الثانية هذا العام حيث يبتكر هذا الفنان أعمالاً غريبة بمشاركة الفلاحين وسكان القرى المحيطة حيث جذبت هذه الأعمال الخبراء والصحفيين. وكان بوليسكي قد نظم عدة معارض من قبل في أماكن أخرى من العالم. وفي العالم 2005 اتخذ القرار بتأسيس مهرجان أسماه «آرك ستوياني» يقدم فيه تماثيل ونصباً شاهقة تعبر عما أسماه «فن الأرض» في تلك القرية التي تحولت إلى مخيم للفنانين، ويستخدم نيكولا لينيفيتش في هذا الفن مواد الطبيعة من أعشاب مجففة وعلف وحطب وتراب وطين وفخار وبحسب بوليسكي وهو عضو سابق في مجمع الفن السوفييتي الخاص المعروف باسم mitki – أن فن الأرض هذا تم إبداعه للتعبير عن فن نقي صاف لا يشوبه شيء.
يروي عنه قائلاً: لقد بدأت القصة معي في العام 2000 عندما تنبهت إلى مكامن الثلج المخبأة التي لم يقصدها أحد حيث أستطيع الذهاب وأفعل ما أريد وأدركت أنه يجب استثمار الخيال المرتبط بذاك المكان، كذلك الأمر بالنسبة لبلدة نيكولا لينيفيتش حيث الثروات والمساحات الشاسعة والموارد البشرية الفنية، فالناس يعملون بحيوية وحماس وقد قبلوا اقتراحي للوهلة الأولى لكن باستغراب فقمنا بداية بصنع عدد كبير من رجال الثلج وفي العام 2001 جاءتني فكرة إنشاء تماثيل من العلف والأعشاب المجففة.
فقمت ببناء برج من عدة طوابق يشبه إلى حد ما برجاً في بلاد ما بين النهرين يتكون من عدة طبقات أتاحت لنا الصعود أكثر فأكثر وتشييده بكميات من العلف، وقد شارك في هذا العمل قرابة مئة شخص وأذكر أن البعض سخروا مني ومن برجي قائلين إن هذا الشخص أصيب بالجنون بدلاً من ِأن ينجز لوحات يمكن بيعها بمبالغ كبيرة يذهب ليحصد الأعشاب، غير أني تابعت مشروعي وبعد برج الأعلاف تغير إيقاع حياتي بسرعة فائقة حيث بدأ المهتمون في الغرب بتوجيه الدعوات لي، وكان أولاها إلى معرض كامبير في فرنسا ثم إلى مهرجان «شرق غرب» في بلدة رون آلب الفرنسية وفي تلك الفترة ظهر عندي ولع للعمل بحطب الصفصاف المفتول وجذوع الكرمة التي رأيتها مكدسة بعضها فوق بعضٍ وفكرت كم هي جميلة وستجلب لي سعادة كبيرة إذا ما صنعت فيها شيئاً فأقمت منها عموداً أشبه بجذع شجرة وكان تعليق الصحافة الفرنسية عليه أنه يذكّر بـ«جحيم دانتي» ومنظر جذوع الكرمة هو أشبه بالرجال الذين يحاولون التسلق على هرم قوامه أجساد بشرية للهروب إلى الجحيم، وفي العام 2005 دعيت إلى موسكو ثم في العام 2009 إلى متحف الفن المعاصر في لوكسمبورغ.
أما التحفة الأساسية في معرض هذا الفنان فهي صرح على شكل نصف كرة تمثل دماغاً ميكانيكياً يتركز على قاعدة تمثال مع صف من أعمدة عددها اثنان وأربعون عموداً على شكل قاذفات، وبهذا النصب الضخم يقدم بوليسكي رؤية جديدة للعمل بمواد الطبيعة وفن النحت على الخشب وتكريماً لعروض «فن الأرض» المتجددة كل عام في السنوات الأخيرة تمت تسمية كاترينا بوشفار مديرة لتنظيم هذا المعرض والتي قررت التركيز عليه والاهتمام أكثر بهذا الأداء الرائع وألا يتم تكرار هذه الأعمال في أي مكان آخر كما يتواصل بوليسكي مع أصحاب معارض ورجال أعمال وسياسة لضمان رعاية أكبر وتحويل المنطقة إلى عاصمة فن معاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن