ثقافة وفن

الموشحات الأندلسية … شامية ومصرية … الزجل هو الابن العامي للموشحات

جاء في تعريف موجز للموشحات الأندلسيّة:»ارتبطت كلمة الموشح أو الموشحة (هذا النظم المعروف) بكلمة الأندلس. وبعد انتشار هذا الفنّ وذيوعه في أقطار العرب والمسلمين بقي الاسم على حاله: «الموشح الأندلسي» أو التوشيح الأندلسي. والأندلسي نسبة إلى بلاد الأندلس. وفنّ التوشيح نشأ في الأندلس، وتطور هناك، وبرز أشهر ناظميه من تلك البقاع: المدن والقرى والأرياف. وإذا كانت قواعد نظمه شائعة معروفة فإن لأهل الأندلس مزية في نظم الموشحات، وفي التفنن فيها، وانسياح هذا النوع من النظم في الأغراض المختلفة التي نظم الشعراء عليها قصائدهم… ولهذا ولأسباب أخرى فنيّة، وتاريخيّة لازمت صفة الأندلسي اسم الموشح، وإن كان ناظمه مشرقيّاً، وكان بلده قطراً من أقطار المشرق مثل مصر والشام، وغيرهما».
يا ربّة العقد متى تقلد
بالأنجم الزهر ذاك المقلد
من أطلع البدر على جبينك
وأودع السحر بين جفونك
وروّع السمرا بفرط لينك
يا لك من قدّ مهما تأوّد
أهدى إلى الزهر خدّاً مورد
نشأة الموشح وتطوره
ذكر الكاتب «محمد رضوان الداية» أن نشوء الموشح ارتبط في القرن الثالث الهجري، ولدخول زرياب نهضة واضحة في الموسيقا والغناء، وزرياب تلميذ إبراهيم الموصللي وابنه اسحاق أشهر الموسيقيين والمغنين في بغداد آنذاك. وينسب أول موشح لشاعر أندلسي من بلدة «قبرة» قرب قرطبة توفي سنة 399. ولم يبق من موشحاته شيء لبعد الزمان من جهة، ولأن مؤرخي الأدب لم يكونوا يدوّنون الموشحات: أهملوا ذلك أكثر من قرنين من الزمن!… واسم الشاعر الوشاح: مقدم بن معافى القبري.
وفي جانبٍ آخر ذكر الكاتب: «وقد تطوّر الموشح منذ نشأته إلى اكتماله؛ وخرج منه نوع من النظم اعتمد على العاميّة الأندلسيّة (أو العامية ممزوجة باللغة العربية الفصيحة) عرف باسم: الزجل. والزجل الأندلسي أصل أنواع الزجل التي ظهرت في عدد من الأقطار العربية تباعاً. ومن ذلك الزجل الذي يتقنه أهل القلمون وغيرهم في بلاد الشام: سورية ولبنان وفلسطين.
قبل كون الزمان ووجود السكر
أسكرتني بدان الهوى والخمر
قمر الرشد لاح وأنار الفكرا
ونسيم الصباح طاب منه نشرا
ترو وبروح وراح عاد شفعي وترا
وأنا في مهرجان طول حياتي عمري
عزّتي في الهوان وغنائي فقري
مراحل تطوّر الموشح
1- البدء، والافتتاح مع: مقدم بن معافى القبري. ونقل ابن بسام الشنتريني الأندلسي في كتابه: «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة»، أن القبري أقام موشحاته في الأكثر على الأعاريض المهملة (وهي التي تستخرج من الدوائر العروضيّة).
2- وجاء يوسف بن هارون الرمادي الذي توفي 423 هـ فأكثر من التفريع في الأقفال… فطوّر وحسّن.
3- ثم جاء عبادة بن ماء السماء المتوفى 419 هـ فأكثر من التفريع والتغصين في القسم المسمى ب(الغصن) من الموشح.
وقد استغنى الوشّاح الأندلسي عن الأعاريض المهملة واعتمد على إبداعه وذوقه. لقد صار الموشح من البضاعة الأدبية، ذات الطابع الأندلسي، فلما انتبه المشارقة بعد زمن متطاول إلى هذا الفنّ اقتبسوه، ونظموا عليه، وتتلمذوا لهؤلاء الأندلسيين في الموشح والزجل، واحتفظ هذا الفنّ باسم الموشح الأندلسي إلى الآن.
يا نسيماً قد هبّ من نجد وسرى بالخيام
بحياة الهوى على العتب كيف بدر التمام؟
كيف بدر التمام حدّثيني بالرضى يا نسيم
هل تسلى بنأيه عنّي أم هواه مقيم
وعليم الغيوب لا أثني عنه ودّي الكريم
الموشح الشعري وغير الشعري
يذكر كتاب «موشحات أندلسيّة» لمؤلفه «محمد رضوان الداية» أن الموشح من حيث صلته بالأوزان العربية التقليدية نوعان:
1- موشح يبنيه الوشّاح على ذوقه واختياره. يقيم للقفل وللغصن وزناً أو أوزاناً، ويصنع لها قوافي، ويكلمّها على ما يريد ويشتهي.
2 – وكانت بدايات الموشح، إلى زمن متقدّم من تاريخه موشحات غير شعريّة. أي إن النظم هو اجتهاد ذوقي موسيقي بنغمات يختارها الوشاح: ينظمها وينسقها، وهو في الأغلب الأعم الذي يبتكرها.
موشح غير شعري لابن خاتمة الأنصاري الأندلسي
سل بذات الضّال والسمر ظبية البان
هل رأت مثل ذي المقل برشا ثان؟
من لظبي بأعين كحلت سحرا
لو حواها لم ينثن يألف القفرا
بل غدا في توطن قلبي المغرى
والموشح الشعري ما بُني على وزن من أوزان العرب المعروفة كالذي نجده في موشحة لسان الدين بن الخطيب، والتي أولها (المطلع – القفل الأوّل).
جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
تحت عنوان موضوعات الموشحات يوضح كاتبنا بأن بداية الموشحات كانت مع الموسيقا والغناء، وفي أحضان الطبيعة الأندلسيّة، ومجالس الطرب، وصحبة الأصدقاء، وفيما بعد نال استحسان الأمراء والوزراء، ومع مرور الزمن كان له دخول في أغراض الشعر التقليديّة حتى في موضوعات الرثاء والهجاء.
كتاب «موشحات اندلسيّة» من سلسلة «قطوف» التراثيّة الصادرة عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السوريّة للكتاب، وهو من اختيار وتقديم د. محمد رضوان الداية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن