ثقافة وفن

«عبد اللـه عبيد» إنسانٌ حر خُلق ليكون فنانا … هدى عمار لـ«الـوطن»: كان أخلاقياً مع الحرب.. ويقول علينا أن نحزن على كل سوري وعلى دمار بلدنا

| سوسن صيداوي- ت: أسامة الشهابي

«علينا أن نجد الفن.. لا أن نبحث عنه» هذا سرّ فنه التشكيلي، ومن بعد رحيله، يتوجب علينا حقاً أن نبحث عنه، وخاصة أن الحرب على سوريتنا التهمت بنيرانها المسعورة كل جمال وإبداع، لأرشيف مسيرة فنية طالت لعشرات الأعوام، ولم يبق من هذه اللوحات سوى القليل، ليعبّر عن أساليب الراحل عبد اللـه عبيد التشكيلية، الدّالة على نزقه الواضح لحب الحياة بمجملها، وطبعه الحر في التعبير عن الحقيقة.
ألوانه صريحة وصادقة وحارة كما هو تعامله مع محيطه، أما جمال التكوين فيصوغه أشكالاً في أعماله محددة الخط وثابتة العبارات اللونية رغم التمازج الرائع لكل احتضان لوني حاضر في العمل.
ما بقي من أعمال للفنان عبيد تعبّر عن الأزمة السورية والأسى والمرارة التي أثقلت قلب فناننا، وجعلته غير قادر على معاينة ورؤية دمار ويلات الحرب، بعد ما ألحقته بمرسمه الكائن في أحد أحياء حمص.

رحل عنا وبقي له بيننا أعمال قليلة احتضنها المركز الوطني للفنون البصرية، مع طيب ذكرى وجمال سيرة تعكس ذات الفنان التشكيلي عبد اللـه عبيد في رؤيته لأخيه الإنسان السوري بشكل خاص وفي تعامله معه، ولتفاصيل أكثر حول المعرض نزوّدكم بالتالي:

غياث الأخرس
في البداية تحدث د. غياث الأخرس رئيس مجلس الإدارة في المركز الوطني عن أعمال الفنان الراحل عبد اللـه عبيد: «عندما نتأمل في أعمال الفنان عبد اللـه عبيد نرى مدى الكثافة في الأفكار والمسجلة بتقنية خاصة به، يرمز إليها بالألوان وبمواد أخرى، يجدها مناسبة في التعبير عن أفكاره وردود أفعاله تجاه المحيط الذي يعيشه، فالانطباع الذي تتركه لنا أعماله تقدم لنا بصرياً ما ينم عن إحساسه المرهف وثقافته الواعية مع عمق وجدية تجاربه التي تبدو ذات استمرارية ولا يمكن فصلها بعضها عن بعض».

الزوجة… هدى عمار
من جانبها حدثتنا زوجة الفنان التشكيلي عبد اللـه عبيد هدى عمار عن جانبه الإنساني، متأثرة بلوعة وحزن مريرين، من البعد المكاني والروحي لفراق من هو بالنسبة لها أكثر من زوج وأحن من حبيب وأمتن علاقة من شريك أو صديق، فتقول: «شهادتي مجروحة بالفنان التشكيلي عبد اللـه عبيد ولكن ولأنني رافقته لحوالي اثنين وأربعين عاماً، فهو على مدار أيامها كان الزوج والصديق وكل شيء، والأهم كان إنساناً حراً، وخُلق ليكون فناناً، فالمكان الذي يوجد به لابدّ وأن يكون جميلاً، حتى إنه لا يرى أي شيء قبيح، وحتى لو كان بعض الأشخاص لديهم صفات سيئة، فهو يبحث عما فيهم من صفات حسنة وإيجابية، وعندما توفي في عام2017تفاجأت بكمّ الحب الذي رُدّ إليه، وبالطبع هذا ليس بغريب، لكونه قدّم للجميع كمّاً كبيراً من الحب، وعلى فراقه ساد الحزن العميق لأنه كان رجلاً صادقاً مع الناس ويسعى دائماً لتقديم كل ما هو إيجابي من طاقات أو دعم لكل المحيطين به. عندما رحل عنا ترك فراغاً كبيراً، لقد كان جميلاً بكل شيء، ومتميزاً عن غيره بصراحته وجرأته برأيه، فيقول الحقيقة مهما كانت الحالة، هذا عدا عطفه لأخيه الإنسان سواء الإنسان السوري أم الذي يعيش في أي مكان في العالم، فهذا كان ما يميّزه عن الآخرين. أما على الصعيد الشخصي والأسري، فإنني أقول وبكل فخر لقد أسس عبد اللـه بيتاً دافئاً، سواء بزواياه وجنباته أم بأولادنا الموجودين حالياً في سورية أو المسافرين، من خلال تربيتهم على أسس الحب والثقافة الإنسانية».
وعما احتواه المعرض من لوحات نوهت: «لقد تعرض مرسم الفنان التشكيلي عبد اللـه عبيد للحرق والتدمير في أثناء الأزمة، ولم يتبق من أعمال له سوى ما احتواه هذا المعرض، وللأسف الشديد أرشيفه كلّه التهمته النيران وطاله الهلاك بأحداث الحرب على سورية، وكان قبل وفاته بمرحلة وجيزة قد هيأ لنفسه ركناً صغيراً في المنزل، كي يكون مرسمه الخاص، وبقي يعمل فيه لآخر لحظة في حياته، فعطاؤه بقي حتى آخر لحظة».
وفي جواب زوجة الراحل عن اطمئنان الأخير على الحركة التشكيلية أجابت: «في الحقيقة لم يكن فنانناً مطمئناً على الحركة التشكيلية السورية، بل كان من المنتقدين الدائمين لما تديره الحركة وتحتويه، باستثناء متابعته للجيل الشاب من الفنانين التشكيليين الذين كان معجبا جداً بأسلوبهم وباندفاعهم، حيث كان يراهم الأمل والنَفس الجديد للحركة التشكيلية السورية».
عن انتقاء اللوحات التي احتواها المركز الوطني أشارت: «أنا أشكر المركز الوطني للفنون البصرية على قدر ما كانوا معطائين، حيث أرسلت لهم كل ما يمكنني جمعه من أعمال للفنان عبيد، كما أنني سعيت لاحتواء المعرض على المقتنيات الموجودة في منازل الأصدقاء الذين رحبوا وبادروا بإرسال الأعمال، وتم اختيار اللوحات المعروضة بالاتفاق مع إدارة المركز مشكورة».
وفي إشارة إلى الأعمال التي أنجزها الفنان عبد اللـه عبيد قبل وفاته والتي تمثل الأزمة، أكدت زوجته بأنه سوري بكل معنى الكلمة» هو رجل محب بقوة لوطنه سورية، لكنه لم يكن مرتاحاً لما عانته سورية من تدمير وتخريب خلال سنوات الأزمة، ولقد كان أخلاقياً مع الحرب، ويقول دائماً علينا أن نكون أخلاقيين برأينا حول الحرب ويجب أن نحزن على كل سوري وعلى دمار بلدنا، حتى إنه لم يستطع أن يذهب ليرى ما حصل بمرسمه من دمار شأنه شأن المنطقة في حمص، لكون الأمر أوجع قلبه كثيراً، وأحزنه بشدة، ولقد توفي حزيناً لما حصل لسورية».
وفي النهاية شددت على أهمية تكريم أي فنان وضرورة الحفاظ على إرثه من الإنتاج الإبداعي، مع الرجاء بالحصول على مكان يليق بأعمال الفنان «عبيد» المتبقية، كي يحتضنها المكان اللائق ويرعاها وتكون في الوقت نفسه متاحة للجمهور كي يتابعها، وهذا برأينا هو أقل ما يمكن، وكواجب على الجهات المعنية القيام به لتكريم مسيرة فنية ومعطاءة.

الفنانة التشكيلية هالة مهايني
على حين أبدت الفنانة التشكيلية هالة مهايني الأسى على ما حلّ بأرشيف الفنان الراحل عبد اللـه عبيد وقالت: «فناننا الراحل متميز بأساليبه المتعددة، وللأسف الشديد ما جرى لأرشيفه يعتبر مأساة حقيقية، وهي في ذات الوقت مدمرة لأي فنان، لكون الدمار التهم الأعمال التي توطدت بعلاقة عميقة مع الفنان في فترة الإنجاز، ولكنني بالمقابل سعيدة بما شاهدت وبما هو متاح من لوحات، وهنا علينا أن نتأمل كثيراً بكل لوحة، لأنها ملخص لمسيرة فنية، كما أن المركز قدم لفتة جميلة بتكريمه ويستحقها الفنان عبد اللـه عبيد».

كلمة الصحافة
على حين أشار بديع صنيج عضو مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية إلى أن اللوحة بالنسبة للفنان عبد اللـه عبيد هي ذات أكثر ما تكون موضوعاً: «لا يمكن فصل اللوحة بتاتاً عن مبدعها، فهي تجسيد لأفكاره عن الكون الذي يعيش فيه، مهما امتدت حدوده، بين جوانياته المتقدة بالنار وأحمره، وبين اتساع الرؤيا تجاه الوجود على اختلاف تدرجاته اللونية في النفس، فاللوحة دائماً مشغولة ليس بما تراه عين الفنان، بل بما يفكر به أيضاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن