ثقافة وفن

«شارة» مشروع ارتجال جماعي لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية … ماهر خولي لـ«الوطن»: أثبتوا أنهم ممثلون ولديهم رغبة بالتغيير في مكان كان على الدوام منارة للتنوير والمعرفة … فايز قزق: مشروع الارتجال هو مشروع الممثل الذكي واللماح والمفكر والإنسان

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

بتوقيع الفنان فايز قزق حمل خمسة عشر شاباً وشابة في المعهد العالي للفنون المسرحية حلمهم في القاعة المتعددة الاستعمالات بدار الأسد للثقافة والفنون، ليقدموا عرضاً متميزاً، بعنوان «شارة» حاملاً إشارات إلى المجتمع بأسره وحاكاه طارحاً همومه ومشاكله ومعاناته بشكل ومضات منها (تغيير الجنس، إيجار الرحم، عمل المرأة وما تتعرض له من مشقات، جشع الإخوة، زيف الدين، والطلاق، وغيرها الكثير من الأمور الشائكة).

ومن خلال نص حيوي استطاع الطلاب أن يثبتوا أنفسهم في الحوارات والأداء والمونولوجات الفردية ويبينوا الوجه الآخر للعائلة والزيف الذي يتلون في وجوه أفرادها، كل ذلك بدأ من موت إنسان فجأة تاركاً وراءه مصانع ومعامل وكان له أخ ممسك بمستودعات قطع التبديل والغيار الخاصة بتلك المعامل، وأخت فلاحة تسكن بعيداً عنهم في الريف، يأتي هؤلاء جميعاً مع أبناء وبنات المتوفى ويبدأ العراك لترتيب الورثة، وتنشأ العلاقات والتحالفات والصراعات التي شكلت مجال بحث في العرض، وتدخل جار لهم يحمل رمزاً دينياً ليستثمر من موقعه الاجتماعي، عبر وثيقة تثبت أن هذا المكان يعود إليه لتظهر هذه الوثيقة في نهاية العمل.
إذاً نحن أمام نمط تفكير جماعي معتمد في المعاهد والجامعات المتخصصة لتدريب الممثلين وتهيئتهم للمسرح بمعنى الارتجال العلمي، حيث يبدأ كل طالب بالتخيل والتأمل، وتبدأ مطاردة الشخصيات وتعمل كل شخصية على الإطلالة بوجهها محاولة تفعيل شارتها المدمجة مع شارات باقي الشخصيات.

بؤرة للتنوير وللمعرفة
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد عميد المسرح العالي للفنون المسرحية الدكتور ماهر خولي: «كنت على تماس مع تلك التجربة منذ بداية العام الدراسي، لذلك فإن ما أراه يختلف عن رأي الجمهور والنقاد، وكان جميلاً وشائقاً تفاعل الجمهور وحماسه مع التجربة الأولى للخريجين، حتى يكون الحكم حكمين، حكم أكاديمي علمي من الأساتذة، وحكم مباشر من الناس وتصفيقهم وتفاعلهم. وبالطبع في العرض ككل الامتحانات هناك جلسة لتقييم علمي تتناول تقديمهم، فهو يعتبر بالوقت نفسه عرض تخرج وامتحان للطلاب».
وأضاف خولي إن: «جهد الطلاب كان واضحاً هذا الجهد الذي استمر على مدار 4 سنوات، والعرض حصيلة تعبهم وتعب أساتذتهم وتعب المؤسسة طوال سنوات دراستهم، درسوا خلالها مختلف المواد وبلوروا هذا التعب، ولا يعني هذا أنهم لم يحملوا قليلاً من الارتباك لكونه العرض الأول وهذا شيء يحدث حتى مع المحترفين».
وختاماً بين خولي: «إن هذه الدفعة بالرغم من أنها حملت الكثير من المآسي وتعرضت ما تعرضت له من قذائف ومخاطر وأصرت على التميز، ليثبتوا أنهم ممثلون جيدون ولديهم رغبة في التغيير ويريدون أن يكونوا بهذا المكان الذي كان على الدوام بؤرة للتنوير وللمعرفة».

أكثر من مجرد مشروع طلبة
أما الفنان فايز قزق فقال إن: «مهمة المسرح إعطاء إشارات وليست مهمته إعطاء كل ما يوجد في الحياة، ولا يستطيع أي فنان مسرحي أن يعطي كامل تفاصيل قضية معينة في عمله لتكون جاهزة بكل تشعباتها وتداعياتها إلى الجمهور هذا أمر يفعله التلفزيون في محاولة لطرح قضايا بكامل تفاصيلها ولكن هذا الأمر مخيب للآمال بمعنى أنني أطمس خيال المشاهد في هذا المجال ونبقى صامتين، وفي الفنون يجب أن ننطق وعلى الحوار أن يبدأ وعلى الاجتماع الحرّ الذي هو في المسرح والسينما أن يبدأ، وعدم وجود هذا الجمع في المدينة تكون المدينة مجنونة وخصوصاً إذا افتقدت وسائل تحريض الحوار الشائق والحوار الحضاري كالرواية والفنون التشكيلية والموسيقية وغيرها من الفنون الأخرى، إذاً نحن على خشبة المسرح نعطي إشارة».
وبين قزق أن: «الهدف من المشروع هو تدريب الطلبة على المسائل ذات الصلة بالممثل المسرحي بمعنى أن يكون لديه صوت مهم ومدرّب وقادر أن يكون وسيلة مهمة عن المشاعر الشخصية المفترضة وأن يكون هناك صوت جسد قادر على أن يبث التكوينات اللحظوية بمعان دائمة عبر صيرورة لفعل يدخل من كل طرف من أطراف هذا الارتجال».
وأوضح قزق أننا: «نحاول أن نفعل ما يمكن أن نفعله من شاراتها دمجاً مع شارات الشخصيات المناوئة لها والمتحالفة معها في كل ظرف من الظروف آخذين بعين الاعتبار المسألة ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والفردي والاجتماعي بصورة عامة، للوصول إلى إمكانية تقديم مشروع ذي نكهة حقيقية أكثر من مجرد مشروع طلبة يقدم فقط مهاراتهم ويحتاجون إلى تفعيل أدمغة وإلى البحث بدماغ متطور في كل القضايا التي يتحدث عنها المشروع سواء تلك الإبداعية أم الفلسفية أو الفكرية».
وعن المسرح والسينما قال قزق: «إنهما يمتلكان فلسفة راقية جداً تحتاج من الإنسان الفاعل والعامل فيهما إلى تفعيل تراثه الثقافي وإلى مستوى عالٍ من الخيال العلمي الحقيقي القادم من ثقافة متنوعة ومن مراقبة بسيطة للحياة».
وبالنسبة للنص الذي انطلقوا منه بين قزق أنه: «لم يكن لدينا نص وبدأنا من صفحة فارغة بيضاء، والمهمة عند هذا النمط من المسرحيين في العالم تعتمد اعتماداً مطلقاً على الممثل اللّماح الذي لا يحفظ الدور ويعتمد على ذاكرة، كما نفعل في التلفزيون وفي المسارح الكلاسيكية ذات النمط المعتمد على كاتب ومؤلف وبروفات تتوالى خلف بعضها بعضاً بأسابيع الاعتماد على الذاكرة وملماحية الطالب، هذا الأمر قادم من كوميديا الفن، والكوميديا الإيطالية هي تسميات لأمر واحد كان قد حضر في إيطاليا بعصور النهضة كان هناك فرق قدمت الآلاف من العروض المرتجلة مباشرة والتي تعتمد على رصد المدينة ورصد الإنسان في تفاعله معها واصطياد السؤال المهم في حياة هذه المدينة ووضع هيكل بسيط لبضع ساعات على الورق لمسرحية ممكنة لتفعيل الحوار تجاه هذا الحدث وتأثيره وتداعياته في المدينة».
وأفاد قزق أن: «الارتجال مفهوم علمي ومنهاج أكاديمي لا ينبغي العبث به وله قواعد يجب أن تدرس ويسمى في بعض الأماكن من العالم الدراما البديلة والدراما يعني المسرح. وإذا أردنا أن نحترم المسرح يجب أن نطلق العنان لهذه الفرق التي يمكن أن تنتشر في كل مكان وتبدأ في تفعيل ولملمة جمهور في اجتماع حرّ هو اجتماع المسرح. مشروع الارتجال هو مشروع الممثل الذكي واللماح والممثل المفكر والإنسان المتفلسف».
وعن التفاوت في مستوى الطلبة وعما إذا كان ذلك يعود إلى الموهبة أم التدريب بيّن قزق: «ليس هناك من كلمة تدعي الموهبة، كل إنسان موهوب وكل إنسان يستطيع خلال التدريب الوصول إلى اكتشاف ذاته واكتشاف ملكاته ولكن هناك حظ وإمكانيات ورغبة أشد، وهناك مثابر وغير مثابر ومثقف وغير مثقف».
وعن مدى رضاه وسعادته بالنتيجة التي حققها الطلاب قال قزق: «أنا أمضي وحس التفاؤل مع الشباب هو حس لا أفتقده على الإطلاق نعم لقد انهالت علينا القذائف ولكن هذا لا يعني أن علينا أن نقف بالعكس في الحروب الشعوب تنتفض وتبدأ بتغيير عقليتها تجاه المستقبل هي تعلم أن هذه الحروب أتتها من الداخل أو الخارج بعوامل خارجية تضافرت فباتت أتون في هذه الحرب، لذلك تغيّر من مفاهيمها تجاه المستقبل وترمي الماضي، وتبدأ بالفعل المستقبلي، وكنت أستطيع أن أتوقف عن المسرح القومي أو التلفزيون أو الإخراج المسرحي وأبتعد عن التدريس ورميه خلف ظهري، إلا أنني أرى في هذا الإنسان القادم هو المشرق وأنا الآفل الذي سيغيب فعلى هذا الإشراق أن يكون كاملاً أو يسعى إليه بقدر ما أستطيعه أنا كفرد ضمن وزارة الثقافة ومعهد العالي للفنون المسرحية وضمن ظروف هذا المعهد وهذه الوزارة وهذا البلد والشعب ولا يمكن لي أن أتوانى مهما كان الظرف».
وأضاف قزق إن: «الشباب يمنحونني على الأقل إحساساً شاباً باستمرار فأندفع لقراءة المزيد من الكتب بغية مواجهتهم. ومن خلال فن المسرح وتدريب الممثل المسرحي ثانياً أبدأ في البحث بإمكانيات هذا الإنسان وهو إنسان حيوي نابض بكل أنواع الذهنية والعقلية والحسية والنفسية وعلي أن أساعده لتخطي كل العوامل المحيطة به من فقر أحياناً وحاجة أحياناً أو من ضياع كل هذه الأشياء، كان عليّ أن أتحمل مع الأستاذة المساعدة (نسرين فندي، والدراماتورج الذي رافقني الأستاذ يزن الداهوك) أن نجلس معاً وندفع باتجاه المزيد من العمل والتألق مع الترويج لفكرة النشوة التي ممكن للإنسان أن يصلها على خشبة المسرح نتيجة إيمان حقيقي بكلماته التي كتب جزءاً كبيراً منها أو على الأقل ناقشها بعمق وفهم مغزاها».

أميز الدفعات
ومن جهته قال سعد القاسم إن: «هذه الدفعة واحدة من أميز الدفعات التي استقبلها المعهد وخرجها، كانوا جيدين ومتناغمين ومتعاونين مع بعضهم، وبالوقت نفسه تمايزوا بشخصياتهم، وساعدهم على ذلك تعاقب مجموعة من الأساتذة عليهم».
وأفاد القاسم أن: «الطلاب محظوظون لأن الأستاذ الذي تولى تخرجهم لديه كم كبير من الخبرة، ويحاول أن يعطي مساحة لكل طالب، ويعتبر قزق شريكاً بإعداد دور كل طالب ومؤلف لشخصيته».

عرض مسرحي متكامل
ومن جانبها أوضحت الدكتورة ميسون علي أن: «العرض حصيلة عمل متواصل امتد نحو 8 أشهر من التدريب المتواصل، على صيغة الارتجال الجماعي كأسلوب وطريقة عمل في تدريب وتأهيل الممثل أكاديمياً وكظرف إبداعي له خصوصية يعطي الطالب هامشاً واسعاً لبناء وتكوين شخصياتهم المسرحية انطلاقاً من فرضية أساسية يتم الاتفاق عليها في بداية العمل، وبالتدريب نصل إلى بناء عرض مسرحي متكامل».
وأضافت علي إن: «خصوصية هذا العرض أنه بإشراف فايز قزق الذي عمل طويلاً مع الطلاب ولم يكن توجيهه لهم قسرياً بل اعتبر الطالب شريكاً مبدعاً يستطيع أن يبني به ومن خلاله هذا العرض المسرحي الذي شاهدتموه».

نفخر بهم
وبيّن الفنان أيمن رضا: «هناك جهد خارق من الطلاب وعلى الرغم من طول مدة العرض إلا أنه ممتع، وبرأيي أن الفنان فايز قزق مع الطلاب بذلوا جهوداً كبيرة وتميزوا مع ضعف الإمكانيات المتاحة من (إكسسوارات وملابس وإضاءة)، نحن نعرف ظروفهم جيداً ولكنهم استطاعوا أن يحققوا شيئاً مهماً يجعلنا نفخر بهم ولو وفرت لهم إمكانيات أفضل لرأينا مستوى أفضل من ذلك بكثير».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن