قضايا وآراء

إيران وجهاز الاستخبارات الأميركي «CIA»

| أبو الفضل صالحي نيا - المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية

في خضم الزخم الإعلامي لتغطية ما يجري في المنطقة، وخاصة ما يحدث في خليج عمان ومضيق هرمز، واحتمال نشوب حرب أميركية صهيونية ضد إيران، والتطور الملفت للنظر في مواجهة الشعب اليمني والمقاومة اليمنية ضد التحالف السعودي الأميركي، كانت مصادر إيرانية رسمية قد كشفت خلال الأيام القليلة الماضية عن خبرٍ، كان طيّ الكتمان، وأخرجته إلى العلن، إذ كشف أمين المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني علي شمخاني قبل بضعة أيام عن ضربة إيرانية قاضية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وفضح شبكات تجسسها في إيران وعدد من دول المنطقة وسائر بلدان العالم والذي نتج عنه كشف جواسيس أميركا الخائنين لأوطانهم واعتقالهم رغم محاولة CIA الحثيثة لتهريب جواسيسها.
ربما لم يطفُ على سطح الإعلام هذا الخبر ولم يثر اهتمام الرأي العام كما يجب بسبب انشغالاته بأخبار المواقف المتقلبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران وتهديدها بالحرب تارة ودعوتها بالمفاوضات تارة أخرى من جهة، ومن جهة أخرى بسبب سعي أميركا الحثيث لحرف الأنظار عن هذا الحدث المهم جداً لتغطي على هزيمتها النكراء في عالم السايبر من أبطال الجمهورية الإسلامية الإيرانية السايبرية.
هذا الخبر كان قد تسرّب إلى العلن بشكل خجول قبل عدة شهور وحاولت الاستخبارات الأميركية الحد من انتشاره إلا أن خبراء التجسس والاستخبارات اعتبروا ما حدث أكبر وأوسع ضربة تعرضت لها الاستخبارات الأميركية بل أعظم إخفاق لهذا الجهاز إلى الآن.
ما حصل كان نتاج الصراع السايبري الإيراني الأميركي في العالم الافتراضي حيث تفوقت التقنية والعلوم الإيرانية في هذه الساحة على المختصين الأميركيين واستطاعوا كشف أساليب CIA في عملهم التجسسي وطريقة إدارتهم لشبكات جواسيسهم عن طريق استخدام مواقع الكترونية مموهة كمواقع خاصة بالصحة والطبابة ومواقع منوعة متعددة، فتمكنت التقنية الإيرانية من النفوذ في هذه الشبكات والتعامل معها حيث حصلوا على معلومات بغاية السرية، بل لم يكتفوا بهذا القدر بل أشركوا البلدان الصديقة فيما حصلوا من معلومات عن نشاط شبكات التجسس الأميركي في هذه البلدان ما ساعد في تفكيك هذه الشبكات واعتقال من لم يهرب من الجواسيس.
ربما عدم اعتراف إيران بأفضلية الأميركيين في كل شيء وعدم استسلامهم للفكرة المسيطرة على الرأي العام العالمي بأن الولايات المتحدة الأميركية هي الأولى بلا منازع في كل المجالات وجهاز استخباراتها من أكثر الأجهزة الاستخباراتية تقدما وتطورا في العالم يمتلك من العلوم والتقنيات والإمكانيات ما يملكه القلة فقط في العالم، كل هذا التجبّر حدا بالمختصين في إيران لدحضه ليكُتَب لهم الانتصار في ساحة هذه المعركة أيضاً.
غرور أميركا وهيمنتها المسيطرة على العالم لم تؤثر في إيران فدخلت ساحة التحدي مع أميركا معتمدة على إمكانياتها الذاتية وهكذا استطاعت ليّ الذراع الاستخباري لأميركا وتوجيه ضربة قاسية جداً إليها إذ لا يمكن لأميركا تعويض ما خسرته لسنوات.
إن ما قامت به النخبة الإيرانية الشابّة ما هو إلا عمل مقاوم، بل إن هذا الانتصار انتصاراً للمقاومة، فالمقاومة ليست فقط عملاً مسلحاً، إنما هي منظومة كاملة متكاملة في كل جوانب حياتنا الفردية والعائلية والاجتماعية سياسياً وعسكرياً وثقافياً وفنياً واقتصادياً… وإيران تمتلك مشروعاً استراتيجياً للنهوض علمياً ومعرفياً وتقنياً في كل الصعد، ولديها مخططات وتكتيكات لتطبيق هذه الإستراتيجية لتحقق الهدف الأساس وهو إحياء الحضارة الإسلامية واسترجاع إيران والأمة الإسلامية موقعها المتقدم في العالم الإنساني عموماً.
المقاومة هي ثقافة الحياة وهي التقدم والازدهار في كل مناحي الحياة والخطوة الأولى في هذا الطريق هي الاعتماد على الذات، وعدم التقليل من شأن كفاءاتنا المحلية، وما نستطيع إنجازه وعدم التأثر بما يروجه الغرب من التقليل من شأننا تحت مسمى العالم الثالث، الغرب يريد التقليل من شأن ما نملكه من كفاءات وقدرات علمية ومعرفية وما نستطيع تحقيقه، هم يحرَفون الأنظار عما نكشفه من الحقائق العلمية والمعرفية والتقانية ويصورنه للعالم بغير عنوانه الحقيقي، ومثال ذلك أنه عندما استطاعت إيران إنزال أكثر الطائرات المسيرة الأميركية تطوراً، سالمة على الأرض وفي المكان الذي أرادته، أوهموا العالم من خلال الإعلام المضلل بأنه كان حدثاً عسكرياً، وضللّوا تفوق العقول والخبرات العلمية والمعرفية الإيرانية على نظرائهم الأميركيين، والقائمة تطول من الأمثلة التي حققتها مكونات محور المقاومة إذ لم يسمح الأميركي ولا الصهيوني للرأي العام أن يعلم بها أو نشرها إعلامياً، إنما يسعون كل السعي لترويج الصورة النمطية عنا كعالم ثالث.
في المجمل مسيرة تحقق انجازات مدرسة المقاومة الفكرية والثقافية في كل الحقول مبنية على فكرة «نحن نستطيع»، نؤمن بمستقبلنا المشرق والمشرف وهذا يزيدنا عزما وإرادة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن