ثقافة وفن

«نتطلع كمسرحيين لعودة دعم المسرح والمشاركات الدولية … مأمون خطيب لـ«الوطن»: المعهد العالي للفنون المسرحية بحاجة إلى اختصاصيين أكثر في عدة مجالات

| هناء أبو اسعد

مخرج مسرحي، يحمل شهادة دبلوم في الإخراج المسرحي من روسيا البيضاء وشهادة ماجستير في العمل الثقافي التنويري. مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، مدرس في دبلوم العلوم السينمائية وممثل سينما، واحد من المخرجين المسرحيين القلة، الذين أخلصوا للمسرح على الرغم من صعوبة مشواره الذي لم يكن مجرد حلم، بل تعب وجد، ما جعل منه اسماً لامعاً في مجال المسرح في ظروف غاية في الصعوبة حيث اتجه الكثيرون إلى التلفزيون، وأعماله بمجملها تحمل الطابع الإنساني، مأمون خطيب التقته «الوطن» ليحدثنا عن عشقه للمسرح وأحلامه وطموحاته والصعوبات التي واجهته كمسرحي.

حبذا لو تعطينا، في البداية، فكرة عن بداية مسيرتك في العمل المسرحي؟
البداية الاحترافية كانت في المسرح القومي فور التخرج حيث التحقت فوراً بالعمل كمخرج مساعد مع الأستاذ مانويل جيجي في مسرح الطفل بعمل عنوانه «الطائر الناري» وكان الهدف من هذه التجربة معرفة آليات العمل في سورية بعد التخرج، ومن ثم كمخرج في المسرح العسكري حيث أخرجت للمسرح مسرحية الحب الكبير إضافة إلى المسرحيات الجوالة والإشراف على مسرحية صلاح الدين. كل هذا أعتبره خبرة عملية للبداية الفعلية عام 1998 في المسرح القومي في مسرحية بئر القديسين التي قدمتني بشكل جيد للمسرح السوري في تلك الفترة.

قدمت العديد من الأعمال المسرحية نذكر منها «نبض- العنزة العنزوية- زيتون- تلاميذ الخوف- الأقوى- كلهم أبنائي، هدنة، بئر القديسين، ليلة القتلة، زنوبيا، خواطر، اعترافات زوجيه وجميعها طغى على مضامينها الجانب الإنساني، فهل تنظر دائماً إلى المسرح من هذا المنظار أم إن الظرف الاجتماعي القائم هو الذي يفرض عليك هذا الخيار؟
نعم منذ بداية عملي في المسرح كان هدفي المضامين الإنسانية السورية بشكل خاص والإنسانية بشكل عام، أنا أعتبر كل قضية تطرح على المسرح يجب أن تكون إنسانية وليست دعائية أو مباشرة في الطرح، حتى لو طرحت فكرة الحرب وأثرها في الإنسان السوري، فهي فكرة إنسانية تخص كل إنسان على وجه الأرض عانى- أو يعاني من أثر الحرب خلال حدوثها وبعد انتهائها، الظرف الاجتماعي لم يفرض الموضوع الإنساني بقدر ما هو الهم الإنساني الموجود في كل زمان ومكان وهو الذي يعنيني، وهو مشروعي الأساس.

بعد «خواطر» الذي كان مشروعاً ارتجالياً، لم نر لك عرضا آخر يعتمد على الارتجال على الرغم من كثرة الأحداث التي مرت على البلاد والتي لا يمكن لنص مسرحي أن يجمعها؟
بعد خواطر كان هناك العمل المسرحي نبض الذي اعتمد على نص عالمي كمرجعية ثقافية عالمية وهو «أمهات الرجال» لـبيرسيفال وايلد، حيث تمت كتابة النص بالاشتراك مع الممثلات انطلاقا من فكرة النص الأساسية، لقناعتنا جميعاً بأن الآلام التي اعترت الأمهات السوريات أقوى من أي نص عالمي وخاصة أنهن تحدثن من قلب الألم السوري كأمهات ينتمين إلى كل أطياف السوريين، أنا اعتقد أن الحروب والأزمات يجب أن تخلق آلاف الأفكار الخلاقة للمسرح والفن بشكل عام.

في معظم أعمالك عدت إلى نصوص عالمية مترجمة ومعروفة وقمت بإسقاط صراعاتها على الواقع الذي تعيشه الآن، ما السبب؟
في الحقيقة هذا كان بسبب ندرة النصوص المحلية الحديثة -الجيدة الجديرة بالعمل عليها وندرة كتاب المسرح الجدد، حيث انصرف كتاب المسرح عن هذا الفن وخاصة الجيدين منهم وانصرافهم إلى الدراما التلفزيونية والإعداد الدرامي ونسيان حاجتنا لنصوص جديدة تتحدث عما يجري في سورية أو نصوص تحمل ملمحاً إبداعياً جديداً، إلا فيما ندر طبعاً.

لنقف قليلاً عند مسرحية «نبض» من تأليفك وإخراجك، وهي عبارة عن خوض في الواقع ورصد جانب من جوانب الأزمة حيث سعت لعرض مواقف عفوية وبسيطة لشخصيات تعيش بيننا في الحياة، كنّ أمهات ينتظرن عودة أبنائهن أحياء كانوا أم أمواتاً، ما هدفك من هذا العرض؟
كما نوهت سابقاً، فكرة مسرحية نبض أتت من جذر فكرة عالمية أو من مسرحية عالمية. ارتأينا إعدادها دراماتورجياً والاشتغال عليها بمبدأ الارتجال مع الممثلات والدراماتورج من مبدأ أنهن أدرى بآلام الأمهات السوريات في ذروة الحرب، الأمهات المفجوعات بالفقد والانتظار، اللواتي يعشن بيننا وربما هن من عائلاتنا، كان هذا الجانب الإنساني مؤثراً بالنسبة لي كإنسان وكفنان.. لهذا كان لابد من طرح هذا النوع من الأعمال في تلك الفترة برأيي.

عام 2012 قدمت مسرحية «كلهم أبنائي» لآرثر ميللر بمقولة «الوطن دائماً على حق» وقمت بإسقاط الفكرة الرئيسية لآرثر ميلر بأن لدى الناس مسؤولية أكبر تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، وفيما جرى في سورية من أحداث هل تجد فعلا بأن الوطن دائماً على حق؟
نعم كانت هذه فكرتي وما زالت، الوطن على حق، ومهما حدث فهو الباقي أي الوطن كمفهوم جغرافي ومعرفي ودلالي على الانتماء ومفهوم شخصي أيضاً، أردنا القول: إن الأشخاص زائلون ولكن الوطن يبقى، وربما يعاقبك بطريقة أو أخرى إذا أسأت إليه أو عملت ضده. وكان هذا جليا في موت ابن بائع القطع المشروخة للطيارات.

مسرحية زيتون طرحت موضوع الهجرة، دعنا نتوقف عند الرسالة التي تريد إيصالها عبر هذا العرض؟
مسرحية زيتون كما لو كانت تكملة لموضوع آرثر ميللر في «كلهم أبنائي»، كان من يريد الهجرة من الوطن، هم من الذين استفادوا منه.. كانت مقولتنا أنك تستطيع بيع ما تملك، ولكنك لا تستطيع بيع الأرض والتاريخ والذكريات التي تنتمي لمجموعة من البشر يشاركونك هذه الأرض والذكريات.

ماذا عن سينوغرافيا العرض وباقي العناصر الفنية الأساسية ودورها في الصياغة الكاملة للعرض فكرياً وجمالياً وإبداعياً؟
السينوغرافيا برأيي هي إخراج بصري يتكامل مع الرؤية الفنية للمخرج وهي- مع الدراماتورجيا الجيدة تغني العرض المسرحي، بل أيضاً يمكنها في بعض الأحيان تغيير المسار الفني للعمل نحو الوجهة الأفضل عن طريق الفضاء واللون والزي. السينوغرافيا لم تعد مكملة لعمل المخرج، بل هي شريكته في إتمام الصورة الإبداعية النهائية للعمل، كدور النص ودور الموسيقا، لم يعد هناك انفصال بين هذه العناصر ودور المخرج ودور الممثل، في النهاية هناك عناصر تتكامل لتنتج عملاً مكتملاً من حيث المكونات الإبداعية.

يقال إن هناك أزمة مسرح؟ أين تكمن هذه الأزمة؟
ليس هناك أزمة مسرح بقدر ما يوجد هناك أزمة قوانين تعوق تقدم المسرح، لا توجد أزمة مبدعين في سورية بل أزمة قوانين قديمة بالية تمنع الإبداع وتمنع تطور الحركة المسرحية بشكل جدي، هناك تجارب فردية- رغم دعم المؤسسة الرسمية- ولكن هناك أزمة تقنية وأزمة أمكنة وأزمة أجور لا تساعد الفنانين والكتاب للالتجاء إلى المسرح كفن مؤثر وراقٍ يعبر عن المجتمع، لو كان هناك أزمة بشرية لما رأينا السوريين يحصدون الجوائز في المهرجانات رغم الحرب ورغم قلة حضورنا في المحافل الدولية بسبب سياسة التقشف الحكومي في إيفاد المسرحيين للمشاركة في المحافل المسرحية الدولية.

أين المسرح الشبابي السوري؟
أزمة المسرح الشبابي السوري تتعلق بالأزمة العامة للبلد، ولكن يوجد في سورية جيل من الشباب الذين يحاولون خلق فرصهم بأيدهم عن طريق تجارب مستقلة، للأسف هم يهربون إلى فضاءات تدعمهم أكثر من المؤسسة الرسمية، عن طريق التمويل. رأينا تجارب شبابية جيدة في الفترة الأخيرة، ومن حسن الحظ أنهم شبان من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بأقسامه كافة.

ما منظورك لثنائية المخرج- الممثل؟
يجب على المخرج أن يكون «عارفاَ» مؤَهَلاً لفن التمثيل ويجب أن تتحقق هذه الثنائية بشرط أن تبقى مستقلة- بمعنى ألا يأخذ المخرج دور الممثل في عمله، ولا أن يطرح في المسرح نسخاً عنه، وعن طريقته التمثيلية الأدائية، فالممثل فنان مبدع وله وجهة نظر قد تساعد المخرج في تحقيق غايته النهائية من العرض، وهناك مخرجون يعملون بشكل جيد كممثلين مع مخرجين آخرين عند الفصل بين هاتين المهنتين.

هل تشعر أن من واجب المسرح في هذه المرحلة أن يحمل نوعاً من الترفيه للمتلقي؟
أنا برأيي المسرح يمكن أن يحقق المتعة والفائدة والفكر والمعرفة والتنوير في الوقت نفسه، أما الترفيه فهو من اختصاص فنون أخرى، فالمسرح ظاهرة حضارية تعبر عن تقدم وتطور البلد ويعكس فكر وثقافة هذا البلد.

ما تأثير وجود مهرجان مسرحي سنوي في سورية على الفنانين المسرحيين؟
التأثير ضخم جداً حيث إننا يجب أن نطّلع على تجارب الآخرين من خلال العروض الوافدة، وبهذا تتطور أدواتنا كمسرحيين، ونطّلع ونتعرف على التجارب الحديثة. نحن محرومون حتى من المشاركة في المهرجانات العالمية، لذا نحن نبقى في كثير من الأحيان أسرى معارفنا القديمة.. ولولا وجود وسائل التواصل الاجتماعي، لتراجع المسرح في سورية عشرات السنين.

ماذا عن قلة المشاركة الخارجية للمسرح السوري؟
للأسف هذا قرار حكومي ونحن نتطلع إلى السماح لنا بتمثيل سورية في الخارج. الفن السوري أينما حضر يحصد التكريم والجوائز، والدليل على ذلك مبدعو السينما وبعض عروض المسرح التي تشارك بجهودها الخاصة ويوجد الكثير من الأمثلة، نحن نتطلع لعودة الدعم وعودة الإيفاد، لدينا دعوات للمشاركة من مصر وتونس ونتمنى المساعدة من وزارة الثقافة ورئاسة الحكومة السورية.

يرى بعض النقّاد أن الدراما التلفزيونية طغت على السينما والمسرح، فألقتهما في الظل، ما رأيك؟
هذا الكلام غير دقيق، إلا من ناحية المتابعة الجماهيرية، المسرح السوري لم يتوقف، الأساتذة الكبار مازالوا يعملون ولكن تحدثنا عن الشرط الإنتاجي للمسرح بأنه مفقود ولهذا يهرب المسرحيون إلى الدراما.. من يعمل في المسرح يبقى بسبب الحب لهذا الفن فقط. أما الدراميون التلفزيونيون، فهم أساساً لا علاقة لهم بالمسرح ولو درسوه وللأسف همّ نياتهم المال والنجومية.

كيف تنظر إلى الحركة المسرحية وما ملاحظاتك حول ما يقدم من أعمال؟
بشكل عام أنا داعم للحركة المسرحية الجدية، ملاحظاتي أنه أحياناً يطغى الكم على النوع، وبدأت تتسرب نصوص وتجارب تفتقر إلى المنهجية من حيث الطرح الفني والفكري، وبدأ يتسرب أناس لا ينتمون إلى هذا الفن بسبب هجر المعنيين بالمسرح له، وهذا يعيدنا إلى مسألة القرار الواضح والصريح والحازم من الدولة بدعم المسرح وتبيان أهميته وجذب المبدعين إليه.

كثر الحديث عن الفوضى في المعهد العالي للفنون المسرحية فما رأيك بهذا باعتبارك مدرسا فيه؟
باعتباري مدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية أرى أنه الركيزة الأساسية للفن المسرحي السوري، طبعاً هناك بعض المنغصات التي تعترض كل أستاذ فيه، فالمعهد أصبح كبناء لا يستوعب كثرة الاختصاصات وهذا برأيي مشكلة تقنية يجب حلها وخاصة على صعيد التقنيات والأمكنة، وتوفير الدعم اللوجيستي، أما مصطلح الفوضى فهو فضفاض في هذه الفترة، نحن كمدرسين نبذل الأقصى لدرء مصطلح كهذا بالتعاون مع الإدارة الحالية. كل قسم في الجامعات السورية يوجد فيه مشاكل، ولكن إذا توافرت الإرادة والأمانة والمنهجية نستطيع التقدم، والمعهد بحاجة إلى اختصاصيين أكثر في عدة مجالات، بحاجة إلى كوادر ترفده من جديد في عدة اختصاصات، مع تحفظي على كلمة فوضى.

اتجهت إلى إخراج بعض الاحتفالات السينمائية والمعارض إضافة إلى عملك كمخرج مسرحي، ما الذي يغريك في تجربة إخراج الاحتفالات؟ وما طبيعة الإخراج الذي يشد اهتمامك أكثر؟
إخراج الاحتفالات السينمائية هو من صلب اختصاصي كمخرج والذي يغريني هو النوع، فالسينما فن خالد، والعرض الاحتفالي لمهرجانات السينما، هو فن بحد ذاته يتطلب الثقافة والمعرفة بالسينما، ويجبر المخرج على الاطلاع على التجارب السورية والعالمية، وهذا نوع من البحث المعرفي المتمم لثقافة المخرج. أما الذي يشد اهتمامي أكثر فهو المسرح الذي أعمل به مع حبي الكبير للتدريس في المعهد والعمل على الممثل وتنمية أدواته وثقافته المسرحية.

نعود إلى السينما ما مشاركاتك السينمائية؟
مشاركاتي كممثل في الأفلام الروائية الطويلة ما يطلبه المستمعون للأستاذ «عبد اللطيف عبد الحميد»، وصديقي الأخير ونجمة الصبح للأستاذ جود سعيد، وتجارب في الأفلام القصيرة كممثل مع الأستاذ فراس محمد.

ما جديدك في المسرح؟
الآن نحضر لورشة عمل في مديرية المسارح مع ممثلين هواة وبعدها مسرحية جديدة في شهر تشرين الثاني لم يحدد العنوان بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن