ثقافة وفن

المثقف الكاتب وميزته عن المثقف غير الكاتب

| حسين مهدي أبو الوفا

أجل إن التثقيف العربي الأصل ليس من غايته أن يخرّج فقط مثقفين ممتازين، قادرين على تحقيق أدمتهم ومواطنيتهم وكونيتهم الحقيقية، بل أن يخرّج كتاباً مبدعين، قادرين على خلق ثقافتهم القومية الإنسانية العربية الأصيلة. وهي ثقافة ستمسي الغذاء الأصلي للأجيال العربية الصاعدة، كما ستمسي البواكير الأولى للتراث الثقافي العربي الجديد، تراث الانبعاث والنشور.

الإعداد الثوري
إن الأهداف التثقيفية الآنفة الذكر، وهي التهذيب الإنساني، والتأهل الحياتي، والتنوير الثقافي العربي الكوني، والإبداع الفكري، ليست سوى الوجه العمومي للتثقيف العربي الأمثل الذي لا يكتمل ويتم إلا بوجهه الخصوصي، وهو الإعداد الثوري. ذلك أن الغاية الجوهرية الأساس لهذا التثقيف هي بعث الإنسان العربي الحق، وهو بعث لا يصير ويكون إلا من خلال الثورية العربية المشرقة الكبرى، هذه الثورية التي ينبغي أن تتجسد كاملة في المثقف العربي.
وهكذا فإذا كان هدف التثقيف التهذيبي هو أن يصوغ من المثقف العربي إنساناً تام الإنسانية، وكان هدف التثقيف التأهيلي هو أن يصوغ منه مواطناً رفيع المواطنية، وكان هدف التثقيف الحقيقي التنويري هو أن يصوغ منه مثقفاً ممتاز المعرفة. وكان هدف التثقيف الإبداعي هو أن يصوغ منه كاتباً أصيل الفكر، فإن هدف التثقيف الثوري هو أن يصوغ منه مجاهداً فذ النضال. الأمر الذي يعني أن هدف التثقيف الثوري هو التتويج الخاص للتثقيف العربي العام.
ويتمثل الإعداد الثوري للتثقيف العربي الأمثل في تزويد المثقف العربي بخلاصة مكثفة ومركزة، ودقيقة وعميقة وكلية وشاملة، عن الفكر الثوري الحق، العربي منه والعالمي، والقديم والحديث، على السواء. وذلك ضمن برنامج تثقيفي خاص، سداته الإيمان المطلق واليقين المحض والثقة الخالصة بالثورية، ولحمته التشَّبع التام بها.
مقولات ومنطلقات، ومبادئ وقيم، وقواعد وتعاليم، وأساليب ووسائل، ومسارات وأطوار، وأحداث وسير، حيث تغدو هذه الثورية البوتقة الكبرى التي تنصهر فيها ذاتية هذا المثقف الحقيقي العربي انصهارها التهذيبي التأهيلي التنويري الإبداعي الصرف.
لقد فات الإنسان العربي الحديث أن التثقيف الذاتي الداخلي منه والخارجي أو الأكبر والأصغر، هو مقوم جوهري أعظم من مقومات ذاته وحياته ووجوده، وأنه لا غنى له عنه في بلوغه مبلغ الكمالين معاً، فكان أن أمسى رهيف عبودية كلية شاملة، وبالتالي رهينة عطالة عدمية سالبة وهو إذ يتثقف الآن بثقافة ثورية حقة، فإنما ليطلق ثوريته في مكمنها العميق، ومن ثم ليدفع بها إيجابية خلاقة نحو أقصى الأمداد والآماد في ذاته وحياته ووجوده.
إن تحقيق المثقف العربي لغائيته الجوهرية العامة، بأهدافها الاستثنائية الخمسة الكبرى، التهذيب الإنساني، والتأهيل الحياتي، والتنوير الكوني، والإبداع الفكري، والإعداد الثوري، يعني تحقيقه المنشود لبعثه كإنسان عربي حق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن