اقتصاد

بخصوص «الحنونة»

| علي محمود هاشم

بعد 13 شهراً من قرارها الفادح بإعفاء القطاع الخاص من تسليم 15بالمئة من مستورداته لشركات القطاع العام، عادت الحكومة عما اقترفته، بقرار آخر يلزمه ببيع 25بالمئة منها لـ«السورية للتجارة».
في 2016 و2017، فعل التجار ما استطاعوا لدفن قرار الـ15بالمئة، ولا زالت ذاكرة الأسواق تحتفظ بتلك الصور المتلاحقة من الاجتماعات الماراثونية التي دفع التجار عبرها ما تيسر لهم من ضغوط على أبواب وزارة التجارة الداخلية لوقف القرار وإطلاق أيديهم في لعبة الاحتكار المدروس والأرباح الانتقائية!
ما جرى آنذاك، يتناقض كليا مع ما يتم الترويج له اليوم عبر بعض المنصات الحكومية، ومفاده أن المستوردين كانوا يتوقون لتسليم الـ15بالمئة إلى السورية للتجارة لما تحققه لهم من أرباح عالية، وأن قرار التخلي عن هذه النسبة التي ساهمت في لجم الاحتكار وفواحش الأرباح، اتخذته الحكومة ذاتياً!.
بغض النظر عما سلف من تبرير لمسوغات إلغاء قرار الـ15بالمئة، المهم اليوم هو كيف ستشتري الحكومة نسبة الـ25 بالمئة الجديدة بأسعار عادلة تحمي «تدخلها الإيجابي» من الانزلاق مجددا نحو لعب دور «الظهر العريض» في تجميع الأرباح الفاحشة ودسّها في جيوب التجار؟.
قانونيا، يتمتع المستوردون اليوم بأريحية للتلاعب بالأسعار أوسع منها في السنوات السابقة، فتبعا لإعفاءات الرسوم الجمركية للسلع الأساسية، بات خوفهم من تعاكس أسعار بياناتهم الجمركية مع فواتيرهم الداخلية والضرائب على أرباحهم شيئا من الماضي، الأمر الذي قد يعرض التدخل الإيجابي إلى نكسة جديدة يتورط خلالها ببيع سلع تفوق أسعارها بنحو 200-300 بالمئة من كلفتها العالمية.
إن سرى هذا السيناريو، فسوف تتحول الحكومة التي خصصت 4 مليارات ليرة لدعم تمدد تدخلها الإيجابي أفقياً، إلى «أمثولة» في التجارة الاجتماعية: تنفق مليارات الأموال العامة على توليف منافذ جديدة لتسويق منتجات تشتريها من التجار بأسعار مضاعفة مرتين وثلاثة عن العالمية، بعد شرعنة الأمر عبر بيع 25بالمئة منها في «السورية للتجارة»، بأقل بنحو10- 15 بالمئة من أسعار السوق الداخلية!.
نظريا، لا يمكن المجادلة في أهمية قرار استجرار 25بالمئة من مستوردات القطاع الخاص، لأنه «قد» يؤسس لضبط مهزلة الأسواق التي اقتطعت المليارات من جيوب المستهلكين جراء عجز الحكومة المعلن عن ضبط «معادلة الربح والكلفة» بعدما اتخذت في أسواقنا شكلا تاريخيا فريدا قوامه «التكلفة كجزء من الأرباح لا الربح جزء من التكلفة»!
كما قد تتيح الـ25بالمئة القدرة على تثليم نتوءات الاستخدام الجائر لمبدأ «إعادة ملء المستودع» الذي يقدسه التجار ما دام الدولار في صعود، وقد يفسح موقعا أرحب للسيطرة النقدية عبر ضبط الأرباح الفاحشة التي تتحول إلى فوائض لا تلبث أن تنقلب دولارات عابرة للحدود.. لا بل من يدري؟ فقد يقيض للمستهلكين هضم الإحساس المرير «بالاستغباء» الذي تشيعه تقارير «هيئة مكافحة الاحتكار».. أو أيا كان اسمها!.
كل هذا النجاح المحتمل متاح بالفعل أمام الحكومة لتوظيف الـ25بالمئة في تجسيد حلمها بتحويل السورية للتجارة إلى «مؤسسة حنونة».. عليها فقط أن تشرح مآل «الحنية» جيداً: على التجار، أم على المستهلكين؟.. فوفقاً للإجابة، سيبنى على الشيء مقتضاه من إجراءات -تعلمها جيداً- للوصول إلى آلية تسعير ترتكز إلى تكلفة حقيقية وأرباح عادلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن