قضايا وآراء

تناغم صريح بين لبيب النحاس وروبرت فورد: عندما يدعو سفير أميركا السابق في سورية إلى التعاون مع أحرار الشام الإرهابية

أ. د. محمد أشرف البيومي :

نشرت جريدة نيويورك تايمز الأميركية في 25 آب الفائت تقريراً مهماً للصحفي بن هابارد على صفحتها الأولى بعنوان: «حليف مثالي للولايات المتحدة الأميركية غير أنه مرتبط بالقاعدة» وعنوانه بالانجليزية (منعاً لأي لبس) هو: «Ideal Syrian Ally for U. S. ، Except for Qaeda Ties».
تبرز أهمية تقرير نيويورك تايمز عندما نربطه بمقال للبيب النحاس (أبو عز الدين) رئيس العلاقات الخارجية لأحرار الشام الإرهابية في الواشنطن بوست في 10 تموز 2015 بعنوان «النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سورية» نعم أفسحت البوست، الصحيفة القريبة من صانعي القرار الأميركي، صفحاتها لمقال لممثل منظمة إرهابية مرتبطة بالقاعدة. لا داعي للدهشة على ضوء التاريخ الطويل لتعامل الإدارة الأميركية مع مجموعات إرهابية مثل «الكونترا» في نيكاراجوا و«المجاهدين» في أفغانستان الذين أصبحوا إرهابيي القاعدة.
لا نستغرب أيضاً نفي الخارجية الأميركية لوجود علاقة مع أحرار الشام وذلك في محاولة فاشلة للتعمية علي مثل هذه العلاقة كما أن ذلك جزءاً من الألاعيب السياسة. إذاً ما دلالات ما جاء في هذا التقرير، خصوصاً ما جاء على لسان مسؤول مهم سابق هو روبرت فورد السفير الأميركي السابق لسورية، وشارلز ليستر «الخبير» السياسي في مركز بروكنجز بالدوحة؟ وما مغزى نشر جريدة مهمة مثل الواشنطن بوست مقالاً لممثل منظمة إرهابية هو لبيب النحاس؟ والسؤال الثالث، ما مدى وتفسير التطابق بين أقوال السفير فورد والنحاس؟
حول تقرير نيويورك تايمز الأميركية
يمهد تقرير نويورك تايمز لتبرير التعامل مع أحرار الشام الإرهابية بالحديث عن قوة المنظمة من حيث أعداد مقاتليها، وأهميتها السياسية، وارتباطاتها القوية بقوى إقليمية (ربما يقصد قطر وتركيا والسعودية) كما أنها تحارب الدولة الإسلامية «داعش» وتنادي بالتواصل مع الغرب. ثم يتحدث التقرير عن الواقع السوري (هذا الواقع الذي يختلف تماما اعتمادا على الجهة التي تقيمه) ويؤكد (معتمداً على محللين ومسؤولين لم يذكرهم) أنه من الجلي أن مواجهة الدولة الإسلامية والتأثير في مستقبل البلد (سورية) يتطلب علي الأقل التعامل بحيطة مع تجمعات مثل أحرار الشام. يقول روبرت فورد «هم (يقصد أحرار الشام) في منطقة رمادية ولكن في حرب أهلية (حرب أهلية رغم وجود عشرات الألوف من الأجانب) إذا لم تكن مستعداً للحديث مع مجموعات في المنطقة الرمادية، فستجد قلائل مهمين تتحدث معهم». يواصل فورد «أنا لا أحبذ إعطاءهم مساعدات… ولكن في ظل أهميتهم في الجبهات الشمالية وفي الوسط السوري يكون لهم دور مهم في أي محادثات سلام ولهذا يجب إيجاد قناة للبدء بالحديث معهم». يتحدث التقرير عن تفاهة ما يسمى المعارضة المعتدلة وأنها ليست ذات قيمة. كما يذكر أن أحد المسؤولين الأميركيين أطلق تعبير «هجمة مغازلة» من أحرار الشام.
«charm offensive»
يذكر التقرير مقال النحاس الذي نشر في البوست والديلي تلغراف البريطانية (تناسق له دلالة) والذي ذكر فيه النحاس «إننا جزء من المعارضة الأساسية ونمثل بديلاً سنياً محلياً».
تقرير ليستر من البروكنجز الدوحة
أما السيد تشارلز ليستر «الخبير» في بروكنجز قطر فيؤكد في تقريره المنشور في 14 تموز 2015 على إخفاق إدارة أوباما إزاء الأزمة السورية ويشير إلي معرفته الشخصية بالنحاس ويصفه بصفات تجعله مقبولا لدى المجتمع الأميركي. فيقول إنه هو حالق لحيته حلقة نظيفة، يتحدث الإنكليزية بطلاقة، عاش في أوروبا وأميركا، له قدرات سياسية عالية. كما يبرر ليستر علاقة أحرار الشام بجبهة النصرة وأنها قريبة من فكر الإخوان المسلمين وأن الحركة تمر بعملية تدريجية نحو الاعتدال وربما النضج السياسي وأنهم على درجة من الانفتاح على الطوائف والإثنيات الأخرى. يخرج القارئ بأن أحرار الشام تمثل فرصة ذهبية لأميركا لإسقاط النظام السوري ومواجهة داعش.

مقال عثمان بخاش الذي يتهم فيه أحرار الشام بالخيانة
هناك من يسعي إلى إسقاط النظام السوري ومن يعارض في الوقت نفسه توجه أحرار الشام نحو أميركا. وبالفعل نشر عثمان بخاش مسؤول بحزب التحرير (الإسلامي) مقالا يوم 22 تموز 2015 يدعو فيه أحرار الشام بالاعتصام بحبل اللـه ونبذ حبل أميركا. من المهم قراءة أسباب معارضته لأنه يفضح حركة أحرار الشام الإرهابية.
اتهم بخاش حركة أحرار الشام «بالإسهاب في تقديم أوراق اعتماد الحركة بوصفها تنظيما معتدلا» واستطرد قائلاً: «سرعان ما جاء رد الإدارة الأميركية على «العرض» المقدم من السيد النحاس على لسان أحد أهم الخبراء شارلز ليستر وأثنى فيه على العرض السخي المقدم من أحرار الشام ودعا ليستر إلى التوصل إلى برنامج عمل مشترك بين الطرفين (الإدارة الأميركية والأحرار)».
ويواصل بخاش بقوله: «لقد فات السيد اللبيب ما جرى لحركة الإخوان المسلمين في مصر، كما فاته ما جرى مع المجاهدين الأفغان الذين وإن نجحوا في هزيمة الاتحاد السوفييتي، إلا أنهم لم ينجحوا في الانفكاك من حضن التبعية لأميركا وأدواتها في باكستان والسعودية، ثم وصل الأمر بقادة الأفغان إلى دخول كابول على الدبابات الأميركية». ويضيف: «لقد تواصلتُ مع كل من لبيب وقائده أبو جابر الشيخ وأبو صالح طحان، مناشدا إياهم التراجع عن هذا المنزلق الخطير الذي يسير فيه لبيب» كما أشار إلي أن «مصادر لنا (تذكر) أن هناك خلافات عاصفة بين «القادة» في الداخل و«المكتب السياسي في الخارج».
هناك تطابق واضح بين فورد والنحاس وليستر على أن التعامل مع أحرار الشام وغيرها من الإرهابيين هو بديل متاح ومقبول لدى أصحاب القرار الأميركي، ليس هذا غريبا فما يسمى بالبراغماتية الأميركية هي في الواقع لا أخلاقية ولا مبدئية بل التعامل مع المجرمين والإرهابيين لتحقيق أهداف آنية ثم التعامل مع هؤلاء الإرهابيين لاحقا بالقضاء عليهم.
في السابق كان التعامل مع المجموعات الإرهابية يدور في الخفاء وهناك دلائل دامغة على ذلك ولكن الجديد هو إزالة ورقة التوت والتعامل علنا مع منظمة إرهابية مثل أحرار الشام. هذا يمثل خطوة مهمة في اتجاه التوغل في استخدام المنظمات الإرهابية لتحقيق أهداف آنية من قبل إسرائيل وتركيا وقطر وأميركا ودولا غربية وهم جميعاً مسؤولون عن الدمار والذبح وتحطيم الآثار والتشريد والتخريب والمعاناة.
أتساءل: هل نستغرب تعامل أميركا مع تنظيم «ولاية سيناء» أو «أنصار بيت المقدس» أو غيرها من المنظمات الإرهابية في سيناء والتي تسعي لإسقاط النظام المصري أسوة بنظرائها في سورية للضغط على الدولة المصرية وللمزيد من ترويضها؟ وهل نفاجأ إذا نشر أحد قيادات تنظيم «ولاية سيناء» الإرهابي مقالاً في البوست أو التايمز أو الديلي تلغراف؟
نفهم الآن أهمية داعش للإدارة الأميركية أو حلفائها فهي تجمل منظمات إرهابية أخرى وتجعلها معتدلة وأكثر قبولاً كما تجمل الجرائم الصهيونية الإرهابية. كما نستطيع توصيف الموقف الأميركي الداعم للإرهاب بالمايسترو الذي يقود فرقة موسيقية ويتحكم في وتيرتها صعوداً وهبوطاً ويحدد الآلات التي تقوم بالعزف وتوقيتها.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية
وجامعة ولاية ميشجان (سابقاً)

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن