قضايا وآراء

موسكو وخريطة «مكافحة الإرهاب».. ماذا عن واشنطن؟!

مأمون الحسيني :

السجال الروسي- الأميركي الحاد الذي انفجر على خلفية رفع منسوب الدعم العسكري الروسي لسورية، لم يكشف فقط عمق الهوَة بين مقاربتي موسكو وواشنطن لمسألة الإرهاب، ولاسيما في سورية التي يقول المسؤولون الروس، وعلى مختلف مستوياتهم، إن أمنها من أمن بلادهم، وإن انتصارها على الإرهابيين المستجلبين من أنحاء المعمورة كافة هو انتصار لروسيا وأوروبا، وللولايات المتحدة أيضا، وإنما افتتح هذا السجال، أيضا، مرحلة جديدة من الصراع بين الجانبين اللذين يصرَّ أحدهما (روسيا) على ضرورة الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، ورفض التدخل الأميركي، أو سواه، في شأن أي دولة ذات سيادة، بينما يواصل الآخر (أميركا) استخدام الإرهاب والإرهابيين ضد سورية والعراق، ويبذل كل ما في وسعه للإبقاء على المناخ الذي يسمح باستمرار الفوضى في أراضي البلدين حتى تحقيق أهدافه الجيوسياسية التي تكسر الحلف الممتد من موسكو إلى جنوب لبنان، وتتيح بلورة كيانات مذهبية وإثنية يمكنها التمدد شرقاً وشمالاً نحو إيران والاتحاد الروسي وجواره، وإعادة فرض السيطرة وتعزيز النفوذ في العالم العربي بعد تجزئته وتقسيم دوله.
يعلم الأميركيون الذين يخسرون العديد من أوراقهم الميدانية والسياسية والدبلوماسية أمام الروس وحلفائهم في محور المقاومة ومجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي، أن تعزيز الدعم الروسي للدولة السورية من شأنه مراكمة رزمة إضافية من إنجازات موسكو التي باتت تمسك بخيوط العملية السياسية والدبلوماسية المتعلقة بسورية، وتقوم بمساعٍ مكثَّفة لعقد «جنيف3»، وتنتظر أن تتبلّغ من الأميركيين والسعوديين أسماء شخصيات المعارضة التي تريد المشاركة في المؤتمر (40 شخصية). ولعل الأبرز في هذه الإنجازات هو التالي: تسريع هزيمة الإرهاب والإرهابيين في سورية، وإقناع كل من لم يقتنع بعد بأن الجيش العربي السوري هو القوة العسكرية الأساسية والأكثر فعالية في مواجهة الإرهاب؛ توجيه رسالة ناصعة الوضوح إلى جميع الدول التي عانت خيبة أمل من الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وفي مقدمها مصر، بأن موسكو لا تتخلى عن حلفائها وأصدقائها؛ إنذار إسرائيل بالتوقف عن التدخل في الشؤون السورية، ووضعها أمام مأزق ارتسام منطقة مقاومة قبالة الجولان المحتل، وإجبار تركيا أردوغان على التخلي عن أحلام المنطقة الآمنة، أو العازلة، والتوجه نحو معالجة الانتفاضة الكردية المتصاعدة، ناهيك عن عزل نظام آل سعود ووضعه بين حدَي: قبول التسوية في سورية (واليمن) أو الهرولة نحو المزيد من التخبط والتآكل والانهيار.
ولأن الأميركيين الذين يريدون «حرباً» طويلة ضد «داعش» تمكَنهم من التلطي خلف دخانها الكثيف، وإطلاق موجات إرهابية متتالية في سورية من شأنها استنزاف القوة السورية، وتصوير الجيش السوري كقوة غير قادرة على مكافحة الإرهابيين، والضغط باتجاه إنجاز صفقة يبقى فيها النظام السياسي، من دون الرئيس بشار الأسد، ويغدو عضواً في التحالف الأميركي ضد «الإرهاب»، لا يريدون، ولا يستطيعون تقبل حقيقة أن روسيا- بوتين التي تتمدد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، تعبر اليوم عتبة تصحيح نظام القطبية التي فقدتها البشرية في نهاية القرن العشرين، انطلاقاً من البوابة السورية، فقد اتسمت ردود فعلهم على الدعم الروسي القديم- الجديد لسورية، بالحدَة والغضب، والتهديد بعرقلة أي حل سياسي في سورية، إذا استمرت موسكو بدعم الرئيس الأسد، وأصرَت على القتال في سورية بمعزل عن واشنطن، والتهديد كذلك بمواجهة ما يسمى «قوات التحالف» الذي تقوده واشنطن للقوات الروسية الافتراضية، ناهيك عن الإيعاز للمجموعات الإرهابية بالتصعيد الميداني على الأرض في أنحاء الجغرافيا السورية كافة، على حين اكتفى الروس بالقول إن الانتقادات الأميركية «ليست جديدة على الإطلاق، وسبق أن سمعناها»، وأعادوا التأكيد على دعم الجيش السوري، وعلى أن «لا بديل» من النظام السوري في الحرب على «داعش»، وأعلنوا عن «مناورة بحرية» خُطط لها مسبقاً بين موسكو ودمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن