ثقافة وفن

إن ما يعرض للطفل لايليق بأدنى المستويات إلا ما ندر … وليد الدبس لـ«الوطن»: المسرح يسهم في تشكيل شخصية الطفل

| هناء أبو أسعد

مسرح الأطفال، فن درامي تمثيلي موجه للأطفال يحمل منظومة من القيم التربوية والأخلاقية والتعليمية والنفسية، هو من أهم الوسائل التربوية والتعليمية التي تسهم في تنمية الطفل تنمية عقلية وفكرية واجتماعية ونفسية وعلمية ولغوية وجسمية من خلال شخصيات متحركة على المسرح، فن يعلم الطفل اكتشاف ذاته ومن خلال ذلك تتم عملية اكتشاف العالم من حوله.
صحيفة «الوطن» التقت المخرج والمؤلف المسرحي وليد الدبس للحديث عن مسرح الطفل

ما أهمية المسرح في تشكيل شخصية الطفل؟
إن أهمية مسرح الطفل في تشكيل شخصية الطفل هي ثورة من التكوين للقيم الإيجابية والخلاقة التي تلعب دوراً مهماً جداً لا يقل أهمية عن القيم التي يتعلمها الطفل في محيطه الاجتماعي الإيجابي المتألق والمفتوح على خلق تربة خصبة لزرع هذه القيم في قلبه وروحه وعقله، من هنا فإن مسرح الطفل يزخرف هذه القيم التي حملها الطفل من محيطه الاجتماعي ويجعلها براقة ويعمل على تعميقها، حيث يأخذها من الفطرية التي تعلمها الطفل في المحيط الاجتماعي إلى الفضاء العلمي الممنهج بالفكر والثقافة والبرهان، ونكون قد جعلنا هذه القيم الخلاقة التي جاء بها الطفل إلى مسرحنا وشاهده وتفاعل معه وأتقن حضوره كمتلقٍ واع وحاضر مع الزمن، نجعل هذه القيم الفطرية هي ثقافة هذا الطفل وهي منبته وبيت عقله وقلبه وروحه مع مراعاة حدة التفاوت بين فطرية القيم التي اكتسبها الطفل في محيطه الاجتماعي… أي لكل طفل محيط اجتماعي يختلف عن طفل آخر… هنا نكون نحن سواء كنا ممثلين أم مؤلفين أو مخرجين نتقن تماما وعن وعي فكري قائم على براهين تعتمد أفقاً علمياً مفتوحاً ورحباً باتساعه لتحقيق هذه المعادلة الصعبة جداً في مسرح الطفل من دون الوقوع في الاستخفاف بعقل الطفل والفطرية والعفوية التي تسكن في خياله وفي ضميره المختلف والخاص جداً في مكنوناته سواء على روحانيته الشفافة والجميلة وعقله وقلبه، فالوقوع في مطب المباشرة والاستخفاف بالطفل هو إخفاق ذريع وكبير وخطر يجب عدم الوقوع به بعد جعل هذه القيم التي ترفع من شأن الطفل عندما نجعله يؤمن وعن يقين بأهمية هذه القيم حيث تصبح ثقافة، هناك.
الشق الثاني من أهمية مسرح الطفل وهي أن الطفل يتأثر بشخصيات المسرحية وتصبح بالنسبة له قدوة في ضميره… مثلا شخصية طبيب في عمل مسرحي للأطفال تحمل قيماً إنسانية مهمة ولافتة تجعل الطفل يحب أن يصبح طبيباً أو شخصاً يعزف الموسيقا ضمن مجريات العرض المسرحي وله حضوره المهم جداً في أحداث العرض والصراع القائم في الحكاية ولما يحمله هذا الشخص من قيم نبيلة يجعل الطفل يعشق الموسيقا ويتوق إلى تعلمها…. وهكذا.

هناك من يقول إنه توجد قلّة في نصوص مسرح الطفل.. ما رأيك؟
أنا شخصيا أرى مسرح الطفل وأعمل عليه منذ سنين طويلة أقول إنه هناك الكثير من القصص التي يشغل عليها لتصبح نصاً مسرحياً للأطفال ولكن قلة النصوص التي تصلح لتكون عروضاً للأطفال تكاد تكون شبه معدومة.
– لكي يكون العمل المسرحي مخصصاً للأطفال يجب أن يحمل بمضمونه مقولة «فكرية وأخلاقية» كيف يكون ذلك؟
المقولة التي يجب على العرض المسرحي أن يحملها بمضمونه من ناحية فكرية وأخلاقية هي أن نعرف كيف نصل إلى ضمير الطفل الفطري وعقل الطفل المطاطي واللين والشفاف الذي لم يتشكل بعد على الصعيد الفكري، وإلى قلب الطفل الذي يحب من دون تمييز أي إن الطفل يحب بفطرية من دون أن يدرك أن ما يحبه ممكن أن يكون خطراً عليه وأن تجاري خيال الطفل الفطري أيضاً باتساعه وعمقه وتكوينه الخلاق المتألق. من هنا نأخذ كل هذه الأشياء ونجعلها أرضية صلبة لنبني عليها قيماً جديدة ومفتوحة باتجاه الأفق الواسع والرحب بحيث تشيد أجمل القصور من هذه القيم وأقواها وأكثرها أمانا وجمالا وحضوراً.

هناك العديد من الفرق المسرحية الخاصة لعروض مسرح الطفل، تتهم هذه الفرق بأنها تقدم عروضا ذات مستوى متوسط وضعيف أحياناً بهدف الربح المادي، ما قولك في ذلك؟
هذا ليس اتهاماً إنها حقيقة، نعم أنا شخصيا بحكم اهتمامي منذ زمن بعيد بمسرح الطفل وقبل أن أدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل من مهتمي مسرح الطفل، وتابعت هذا الاهتمام وهذا الشغف بعد تخرجي وانخرطت بكل ما أحمله من رغبتي ليكون مسرح الطفل جزءاً مهماً من مشروعي المسرحي، لم أجد إلا ما ندر جداً عرضاً يليق بالطفل بأدنى مستوياته لأن القطاع الخاص همه الأول والأخير هو الربح على حساب الاستخفاف بعقلية الطفل وهذا خطير جدا…. وحتى في المسرح القومي (مسرح الطفل)هناك عروض رديئة جداً تستخف بعقل الطفل للأسف.

ممثل مسرح الطفل يجب أن يتمتع بحرفية عالية، بعيداً عن التهريج والمبالغة، لأن طفل هذا العصر يمتاز بالوعي والذكاء، بهذا الخصوص هل برأيك هناك اختلاف بين ممثل مسرح الطفل وممثل مسرح الكبار؟
طبعا هناك فرق شاسع جداً بين ممثل مسرح الكبار وممثل مسرح الطفل.
مسرح الطفل مسرح تخصص من الناحية المتعلقة بالممثل.
ممثل مسرح الطفل من نوع خاص يتمتع بقدرات ذهنية حاضرة وقوية وبراقة وديناميكية عالية في هذه الذهنية وكذلك يتمتع ممثل مسرح الطفل بتكوين جسدي لافت ومختلف ويملك القدرة على الحركة والحيوية والخفة واللياقة والليونة والقدرة على اللعب المدروس بدقة وبعمق وإدراك ووعي وانتباه.
إن ممثل مسرح الطفل أشبه ببهلوان يمتلك القدرة على اللعب بالجسد والخيال المفتوح بالمطلق على عقل مطاطي يمتلك الذكاء بأرقى صورة ويمتلك الجسد بأجمل حالاته… لذلك إن ممثل مسرح الطفل يختلف كل الاختلاف عن ممثل مسرح الكبار… ممثل مسرح الطفل طاقة كبيرة ومنهكة ومتعبة على صعيد الخيال والعقل والقلب والروح والجسد.

هل تجد في المسرح السوري ساحة خصبة لمسرح الطفل؟
نعم إن المسرح السوري ساحة خصبة لمسرح الطفل وخصوصاً منذ الثمانينيات بدأ يظهر بشكل واضح ويأخذ طابعاً مختلفاً من حيث الاهتمام والحضور وإلى يومنا هذا ولكن بحاجة كبيرة إلى الاهتمام أكثر والحضور أكثر من كل النواحي.
كيف تنظر للحركة المسرحية الخاصة بالأطفال في سورية؟ وما ملاحظاتك حول ما يقدم من أعمال؟
الحركة المسرحية لمسرح الطفل في سورية بحاجة إلى تفعيل أكبر واهتمام أكثر من أجل تطويرها وجعلها حاضرة بقوة وتملك ملامح إبداعية حقيقية لتصبح أمراً واقعاً لا نستطيع الاستغناء عنه أبداً… أما الأعمال التي تقدم فهناك أعمال سيئة وأعمال متوسطة في القيم الفنية وأعمال جيدة وأعمال ممتازة وهذا جيد.

كيف تقيم العروض التي قدمت للطفل خلال سنوات الحرب؟
هناك قسم كبير من العروض المسرحية التي قدمت للأطفال قسم منها من أهم العروض التي قدمت لمسرح الطفل في سورية، طبعا هذا خلال سنوات الحرب.

ما معوقات مسرح الطفل في سورية؟
الدعم المالي هو العائق الأساسي والكبير والمنهك والمتعب في مسرح الطفل…. والتخصص إن كان في مجال التأليف أو الإخراج أو التمثيل أو الموسيقا.

كيف تلخص تجربتك الإخراجية في مسرح الطفل؟
تجربتي الإخراجية في مسرح الطفل علمتني أن أكون طفلاً مبدعاً في كل القيم الأخلاقية والإنسانية والفنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن