ثقافة وفن

وسام الاستحقاق يزيّن صدر أيقونة تدّمر بعد وفاته … الرئيس الأسد يكرّم الأسعد.. العطار: كلّ ذرّة رمل في تدمر شاهدة على جهودك

عامر فؤاد عامر – تصوير : طارق السعدوني :

رعايةً من السيد الرئيس «بشار الأسد» رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة، وتكريماً لقيمة الشهادة والشهيد، تمّ منح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة؛ لعالم الآثار الباحث «خالد الأسعد»، حيث قلّدت الوسام نائب رئيس الجمهوريّة السيدة الدكتورة «نجاح العطار» في حفل تسليمه لأسرة الشهيد، وذلك في الساعة 12 من ظهر يوم البارحة 16/9/2015 في مكتبة الأسد الوطنيّة.

إلى روح خالد الأسعد
بدئ الحفل بدقيقة صمت إكراماً وتقديراً لشهداء الوطن، الذين فدوا بدمائهم ترابه إعلاء لعزته وكرامته وأمنه بعيداً عن أيدي الغزاة، تلا ذلك نشيد الجمهوريّة العربيّة السوريّة، وبعده عُرض فيديو مسجّل لأوركسترا ماري في حفلها الأخير الذي قدّمته في دار الأوبرا السوريّة، بقيادة الفنان «رعد خلف» في مقطوعة «تدمر» والتي تمّ إهداؤها إلى روح الباحث الآثاري الشهيد «خالد الأسعد».

لمحة في إنجازاته
حضر الحفل شخصيّات رسميّة، وإعلاميّة، وفنيّة، وكثير من الحشود من ذوي الشهيد، وأصدقائه، ومقربيه، وتمّ الترحيب بالجميع في كلمة ذُكر فيها لمحة عن حياة الشهيد «خالد الأسعد» والإنجازات العلميّة، والبحثيّة، والمهنيّة، التي رفد بها الوطن والإنسانية فبين تدمر ودمشق كانت مراحل دراسته، وحصل على إجازة في التاريخ من جامعة دمشق عام 1957 ثم دبلوم التربيّة، ومنذ العام 1962 عمل في المديريّة العامة للآثار والمتاحف، وحتى بلوغه السنّ التقاعدي في العام 2003 عمل على ترجمة النصوص التدمريّة منذ عام 1980 وحتى وفاته، شارك في عمل بعثات التنقيب الأثريّة الأجنبية، التي عملت في مدينة تدمر منذ العام 1963 كما شارك في المشروع التنموي الإنمائي لمدينة تدمر، خلال الفترة من 1962 – 1966 وأدار أعمال التنقيب الوطنيّة في تدمر وباديتها بين 1963 – 2003 وشارك في معارض الآثار، والندوات العلميّة الأثريّة التي أقامتها المديريّة العامة للآثار والمتاحف، ونقّب في أهم مدافن تدمر، وأشرف على إعادة بناء أكثر من 400 عمود في أروقة الشارع الأثري الطويل، وإعادة ترميم المنصة في المدرج الأثري لتدمر، والأعمدة الغرانيتيّة للأسوار، وجميع مشاريع الترميم الخاصّة بمدينة تدمر، نشر 16 مؤلفاً في اختصاص التاريخ، والآثار حول مدينة تدمر منفرداً، أو مشاركاً، كبار علماء الآثار السوريين والأجانب، ساهم بعشرات المقالات في كلّ المعارض السوريّة حول العالم كبولونيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، واليابان، وكثير من البلاد العربيّة، وما أقيم منها في سورية أيضاً، ونال وسام الاستحقاق برتبة فارس من رئيس جمهوريّة فرنسا، ووسام الاستحقاق من رئيس جمهوريّة بولونيا، ووسام الاستحقاق في رئيس الجمهوريّة التونسيّة، إلى أن نال شرف الشهادة من يوم الثلاثاء 15 آب 2015».

باقٍ في ضمائرنا
وفي كلمة قدّمتها الدكتورة «نجاح العطار» قالت فيها عن الشهيد موجّهةً تعازيها لأسرته، وأبنائه الحاضرين في الحفل، ولرئيس الجمهوريّة على اهتمامه بشهداء الوطن وتكريمهم ومما جاء فيها: «المجد لك يا قائد الوطن، لقد حملت جراحنا، وشددت من عزائمنا، وأحزنتك مواكب شهدائنا الأبطال الميامين، ويا أنك بشجاعتك الرائدة، وإرادتك الحديديّة التي لا تعرف الجزع، أو الإحباط، شغلت من الأسى ينبوعاً لمواصلة النضال، والتصدّي لهمجيّة الذين عبثوا بقيم الحياة، وامتدت أيديهم الكافرة بالمدى، ليمارسوا الذبح المحرم، وكان الرجل الجليل، والعالم المناضل، والعارف المختص باللغة التدمريّة، والوطني المنتمي «خالد الأسعد» من ضحاياها، ليروي دمه الطاهر ترابك يا تدمر، وشاء السيد الرئيس الذي يجلّ النضال ويكرم المناضلين، أن يمنحك يا «خالد» وسام الاستحقاق السوري، من الدرجة الممتازة، ويرسمك نجماً على راياتنا إلى جانب أحبتنا من الشهداء الأبرار، ويا رفاق الشهيد، ويا آله، وأبناءه، لا تجزعوا، ويا «خالد الأسعد» أنت تدمر، وتدمر أنت، وكلّ ذرّة رمل في تدمر تشهد على جهودك، وما بذلت، تعرفك، وتعرفها، ويظل، وسيظل جرحك الطاهر نازفاً يرعف في قلوب مواطنيك، ويظل عويل الرمال في سمع الدُّنا، شاهداً على إجرام المجرمين، وعلى براءة النبالة في محيّاك، حلّتك مكتوبةٌ بالدّم الموار، بالغضب على المعتدين الآثمين، وكلماتك في عمق ما تؤديه، وما كتبت خالدة خلود الحقيقة، علقوك، وياللعار على الأعمدة التي رفعتها بالجهد والعرق، وبأبسط الوسائل، إلى أن تمكنت، وبمساعدة الأصدقاء في البعثة اليابانيّة من الحصول على رافعة سهّلت عليك مواصلة العمل، «خالد الأسعد» ليس بمقدورنا أن ننساك، أو أن ننسى حجم الهمجيّة، والوحشيّة في ارتكاب هؤلاء التكفيريين، جريمة الذبح على اسم الدّين، والدّين منهم براء، والله أكبر على ما يرتكبون باسمه من أفعال، «خالد الأسعد» أنت لم تمت، أنت تحيا معنا في ضمائر المواطنين، وفي ذاكرتهم، وبين الأحبّة، الذين رحلوا عنّا، وما رحلوا، من الشهداء العظام، الذين عطّروا أرضنا، وسماءنا، بكبير التضحيات، لك تقدير الوطن، وقائد كفاح الوطن، الرئيس «بشار الأسد»، ولك كلّ الإجلال من علماء الآثار في العالم، ومن رفاقك في العمل الأثري، ومن كلّ مواطن يعزّ عليه وطنه، لقد صبرت، وصابرت، لم تهن، ولم تستسلم، وبقيت صامداً متحملاً صنوف العداء، فالوطن كان عندك الأغلى، والحياة في سبيله ترخص، عشت عزيزاً، ورحلت كريماً، مثل الميامين من أبطال جيشنا الباسل، وأبطال شعبنا المناضل، «خالد الأسعد» الخلود لك، ولهم، وبقيت تدمر مملكة الخلود، والخالدين.

في مراسم التقليد
بعدها منحت نائب رئيس الجمهوريّة الوسام للشهيد، بتسليمها الدّرع، والشهادة، لأسرته التي صعدت إلى المنصة، ثمّ جاءت كلمة نجل الشهيد الأكبر «وليد خالد الأسعد» مدير الآثار والمتاحف في تدمر الذي قال: «أتقدم باسم أسرة الشهيد «خالد الأسعد» بعميق الامتنان وخالص الشكر للسيد الرئيس الدكتور «بشار الأسد»، رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة، لاهتمامه البالغ بالشهداء، وبتعاطفه معنا، في هذا المصاب الجلل، وما تفضّل به في منح الراحل وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، كما أتقدم بالشكر لكلّ من وقف إلى جانب العائلة في هذه الظروف العصيبة؛ ما ساعد على تخفيف حجم المصيبة، والحدّ من أثارها، وتجاوزها. وأقول مقتبساً إذا كانت تدمر العظيمة في أيام ألقها، ومجدها هبة الدنيا إلى الحضارات الإنسانية، فإن ابنها البار «خالد الأسعد» «بابيدروس» أو هبة تدمر إلى الثقافة البشريّة. تميّز الراحل بحضوره الدائم في المراجع العربيّة، والأجنبية، التي كتبت عن تدمر تاريخاً، وحضارة، فكتب، وساهم في كثير من المؤلفات التي ترجمت للغات كثيرة عدا إتقانه لغة السيد المسيح، اللغة الآرامية التدمريّة، فكان نبعاً لا ينضب لطلاب العلم والمعرفة، وكتاباً مفتوحاً للجميع، وكلّ ذلك في خدمة معشوقته، التي طالما تغنى باسمها، الأعجوبة أو المعجزة، وافتتن بملكته الأسطوريّة «زنوبيا»، فكان جزاؤه، بعد نهاية خدمته، أن قتل بطريقة وحشيّة غادرة على يدّ تنظيم داعش التكفيري، الأمر الذي أشعل عاصفة من الحزن، والاستياء عبر العالم، ورفض الراحل؛ بإصرار أن يغادر مدينته، ويتخلّى عن ذكرياته فيها، خوفاً من ألا يعود إليها ثانية، فاختار البقاء ليقضي معلقاً على عمود فيها، منتصراً كنخيلها، رافضاً خيانة مبادئه، والانحناء والركوع، ومبايعة كلّ من يأتي، غير هيّاب للموت، متمثلاً بموقف الملكة «زنوبيا» أمام امبراطور روما «أورليان» حيث أجابته حين دعاها للاستسلام: إذا كان الأرجوان لباس السلطان، فهو لدينا خير الأكفان». فأجبر بموته هذا قاتليه على نقل رسالته إلى العالم بأن ظلام الجهل مهما امتد فلا بدّ أن يعقبه نور المعرفة… أيّها الراحل الحاضر دوماً بيننا، الخالد في ضمائر أرباب الفكر والعلوم، إن خزائن الحكمة لا تسلم مفاتيحها، إلا لذوي العقول النيّرة، أولئك تعالوا فوق الأباطيل… أرادوا أن يغيبوك فخانت مساعيهم، واخترت أن تكون شهيد الحضارة السوريّة، والإنسانية… ». وفي نهاية كلمته، وختام الحفل تقدّم بالشكر لرئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة لاهتمامه بشهداء الوطن، وتكريمهم، وكذلك توجّه بشكره لنائب الرئيس الدكتورة «نجاح العطار»، وللقائمين على الحفل وإنجاحه، والحضور الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن