قضايا وآراء

هل بات ظهور «كيم فوك» اليمنية قريباً؟

| عبد المنعم علي عيسى

دخلت الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، أو أوشكت على دخول، شهرها الأربعين، ومع ذلك فإن شيئاً من أهداف الحرب لم يتحقق، بل إن التطورات الأخيرة تعد بالكثير من الخسائر في صفوف قوات التحالف، والأمر بالتأكيد ستكون له منعكساته على الحلفاء الأقرب فالأبعدين، فمن يفقد زمام المبادرة عليه أن ينتظر الكثير مما بدأت تباشيره بالظهور، وها هي التقارير التي تخرج من الكونغرس الأميركي تشير إلى أن تجمعات وازنة فيه تقول إنها «سئمت تكلفة الحرب الإنسانية» تلك التي تشنها الإمارات والسعودية على اليمن، ثم ها هي التقارير الصادرة عن لندن، شديدة الالتصاق بالسياسات الإماراتية تقول إن أبو ظبي قد قررت سحب قواتها من اليمن تحسباً لضربة أميركية قد توجه إلى إيران وفيها ستكون الإمارات برمتها «هدفاً عسكرياً واحداً»، قبل أن تنقل وكالة «فرانس برس» عن مسؤول إماراتي كبير يوم الإثنين الماضي قوله: إن «هناك انخفاضاً في عديد القوات الإماراتية في الحديدة غرب اليمن لأسباب إستراتيجية ولأسباب تكتيكية في مناطق أخرى».
ما بعد الاستهداف الرابع في خلال شهر لمطار «أبها» السعودي الذي شكل على الدوام نقطة الانطلاق الرئيسة لسلاح الجو السعودي في استهداف مواقع يمنية يوم 2 تموز الجاري، خرج المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع ليقول: إن الحرب قد دخلت «مرحلة جديدة وبأسلحة نوعية جديدة»، والإعلان بحد ذاته لم يكن جديداً في ما حمله فالمعادلات الجديدة التي تحدث عنها العميد سريع كانت قد أرست على الأرض واقعاً جديداً منذ ما لا يقل عن شهرين، لكنة يطرح إشكالية كبرى بالنسبة لقوات التحالف، فالسعودية التي وضعها تقرير «معهد استوكهولم للدراسات والأبحاث» في صدارة اللوائح العالمية لمشتري السلاح للعام 2018 لم يعد لديها الكثير لتفعله، في حين أن لدى «أنصار الله» الكثير مما يمكن أن يفعلوه كما يبدو، وهم استطاعوا في خلال العام الماضي استهداف 229 موقعاً سعودياً بعضها كان بعمق يزيد على 250 كم داخل الأراضي السعودية.
سئم الكونغرس الأميركي وتقارير لندن سابقا الذكر أساس المشهد الحاصل أو الذي يمكن أن نشهده عما قريب في الحرب الدائرة على اليمن، والأساس فيه يعود إلى حالة «إباء» ليست بجديدة على اليمنيين الذين أورثهم أجدادهم أرضاً أطلق عليها اسم «مقبرة الأناضول» التي لم تطأها، أو تستقر فيها، قدم عثمانية، وقد يكون عامل الجغرافيا الصعبة قد لعب دوراً مهماً في ذلك المسمى إلا أنه بالتأكيد ما كان ممكناً له أن يترسخ لولا إرادة اليمنيين الحديدية.
كنا نسمع، ونشاهد إلى اليوم، مقاطع لفيديوهات ترصد حالات أسطورية في مقاومة الفيتناميين للغزو الأميركي لبلادهم البادئ في العام 1961 والمندحر عنها العام 1974، كأن نرى مجموعة من المقاتلين منتعلين «الصنادل» وهم يجرون مدفعاً يزن بضعة أطنان من أسفل الوادي إلى قمة الجبل، أو نرى مقاتلا وهو يصوب بالكلاشينكوف على سرب من الطائرات القاذفة من دون أن تهتز أعصابة وهي ترمي في محيطه عشرات الأطنان من القذائف، اليوم في الحالة اليمنية لا نرى حتى «الصنادل» في أقدام المقاتلين اليمنيين، مع تسجيل «تفوق» للعدوان السعودي على نظيرة الأميركي سابق الذكر، والذي كان قد مضى في محاولته لكسر إرادة «الفيتكونغ» نحو تحطيم الغطاء النباتي واستخدام النابالم وتصفية الأسرى والتجميع القسري للسكان المدنيين، في حين تجاوز الأول نظيرة الثاني بقصف مراكز الإيواء وحفلات الأعراس لمجرد ورود خبر يحمل إمكان حضور أحد القيادات «الحوثية» لإحداها.
تفوق اليمنيون على الفيتناميين، أو هم قدموا لنا صورة ملهمة نزعت من الأخيرين جائزة «السعفة الذهبية» التي رسخت في أذهاننا عن فنون تحطيم العدوان ودحر الغزاة، وبات عليهم اليوم القبول بجائزة «الأعمال الخالدة» فحسب.
يرصد العديد من الباحثين والمحللين تاريخ بداية وضع الحرب الفيتنامية أوزارها بعد ظهور الصورة التي التقطها المصور «نيك آوت» للطفلة الفيتنامية «كيم فوك» وهي تركض عارية تماماً وجسمها محترق بالنابالم بعد قصف الطائرات الأميركية لقريتها «ترانج نانج»، ظهرت تلك الصورة أواخر العام 1973 مما اعتبر آنذاك بداية لنهاية الحرب، دون أن يعني ذلك أنها كانت السبب الرئيس في هذا الفعل الأخير، فالأثر الإنساني لا يخرج إلى السطح، أو هو يصبح فاعلاً في الأحداث، إلا بعد أن تكون عوامل أخرى موضوعية قد تراكمت إلى الدرجة التي حتمت بروزه في صدارة المشهد، وربما كانت هذه الأخيرة قد اكتملت، أو هي على وشك، في الحالة اليمنية مما يبشر بظهور «كيم فوك» اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن