قضايا وآراء

إسرائيل.. مجمع أزمات بلا حلول

| تحسين الحلبي

في 21 آذار الماضي نشرت صحيفة «جيروزليم بوست» مقالاً تحت عنوان: الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد يطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم طرح صفقة القرن، ويذكر أن غيلعاد من أقدم من استلم ملفات سياسية إسرائيلية حين كان رئيساً للقسم السياسي في وزارة الدفاع ومسؤولاً عن ملفاتها مع الدول العربية.
يقول غيلعاد للرئيس ترامب: إن عدداً من الدول العربية لا يجد مشكلة في تعميق علاقاتها السرية مع إسرائيل ولكن لا ترغب في علاقات تطبيعية علنية، ويضيف غيلعاد الذي يعمل الآن مديراً لأبحاث مركز هيرتسيليا الإسرائيلي: يبدو لي أن صفقة القرن لن تلقى قبولاً من الفلسطينيين ولا من العرب وعند ذلك لن يكون للصفقة أمل بالنجاح ولا بأي أفق سياسي لها وهذا ما سوف يؤكد الفشل الأميركي، ويحذر من أن الكشف عن تفاصيل هذه الخطة سيثير الجمهور العربي على حكامه الحلفاء للولايات المتحدة والمستعدين للتطبيع مع إسرائيل، ويكشف غيلعاد الذي خدم في السلك العسكري والأمني والسياسي الإسرائيلي طوال 40 سنة أن الحكام العرب المتحالفين مع واشنطن لن يتجرؤوا على الإعلان عن قبول خطة ترامب لأنهم يريدون المحافظة على وجودهم وقال: إن زيارة بعض المسؤولين الإسرائيليين لهذه الدول العربية أو تلك لا تولد عندي انطباعاً مثيراً، وإن ما يمكن أن يثير انطباعي هو أن يزور قائد الجيش الإسرائيلي دولة عربية ويجري استقباله علناً من القادة العسكريين لتلك الدول وهذا ما يصعب جداً أن يحدث، ويبدو أن المسؤولين والقادة الإسرائيليين يدركون بعد سبعين سنة على اغتصاب فلسطين واحتلالها أن الجميع هنا في المنطقة من عرب وغير عرب يكرهونهم ويعادونهم ويطالبونهم بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
والحقيقة الثابتة التي لا تنفيها علوم الطبيعة والتاريخ والإنسان هي أن هذه الأمة لا يمكن أن تمحو جرائم إسرائيل من حمضها النووي «دي إن آي» ولا مطالبة الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه، ولذلك تشهد المنطقة كلها الآن كيف تجمعت كل أزمات إسرائيل دفعة واحدة برغم الحروب الكبيرة التي تعرضت لها دول عربية كثيرة في المنطقة وخاصة سورية المجاورة لفلسطين والتي تمكنت من الانتصار على أكبر حرب شنت عليها في تاريخها، ومن أهم ما تجمع من أزمات مستعصية في هذا الكيان الإسرائيلي هناك أولاً: أزمة تشكيل حكومة ائتلافية عجز أكبر حزبين تاريخيين في هذا الكيان عن حلها فاضطرت إسرائيل إلى إجراء انتخابات للمرة الثانية خلال أشهر تبين منها الآن أن نتائج الانتخابات السابقة نفسها هي التي ستظهر في الانتخابات المقبلة في 17 أيلول المقبل، فالطريق مسدود ولا نهاية له إلا بتبادل الأدوار والمصالح لفترة زمنية أخرى تطيل عمر إسرائيل ولا تضمن استمرار بقائها.
هناك ثانياً: أزمة التوقف الشبه النهائي لهجرة اليهود إلى إسرائيل التي ترافقت ولا تزال تترافق مع هجرة عكسية من إسرائيل إلى الأوطان الأصلية لليهود المستوطنين في فلسطين، فما زال عدد يهود الخارج أكبر بكثير من عددهم في فلسطين المحتلة، وما زالت إسرائيل تبحث عن قوة بشرية لجيش تعده للتوسع ولا تجد موارد بشرية جديدة.
وثالثاً: الطريق المسدود عسكرياً أمام ما يسمى «أقوى جيش» في المنطقة لإنهاء المقاومة في الشمال والممتدة من جنوب لبنان إلى حدود الجولان المحتل.
إضافة إلى جبهة المقاومة في قطاع غزة جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948 فالإسرائيلي لم يكن يتصور أن تحيط به الحرائق التي يشعلها أطفال غزة في حقوله ووحداته الاستيطانية في مستوطنات سديروت وأشكول وغيرها من المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة.
مليونان من الفلسطينيين في قطاع غزة تحاصرهم القوة الإسرائيلية من كل اتجاه أصبحوا قادرين على دفع عشرات الآلاف من المستوطنين إلى الهجرة المعاكسة أمام عجز الجيش خلال 14 عاماً عن الانتصار على هذا الشعب داخل القطاع، وفي الشمال اضطرت قيادة الجيش الإسرائيلي أمام القدرات الصاروخية والعسكرية التي تجمعت من جنوب لبنان حتى جنوب سورية أن تطلب من الجيش الأميركي إرسال وحدات من المارينز يخصصها لدعم الجيش الإسرائيلي أمام احتمال أي حرب مقبلة، فلم يعد الجيش الإسرائيلي قادراً وحده على شن الحرب وإيقافها متى يشاء وهذا ما اعترف به رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت في مؤتمر هرتسيليا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن