ثقافة وفن

ذاكرة الوطن « مركز الوثائق التاريخية» … من الورقي إلى التقني.. الوثائق بين أيدي الباحثين

| نبيل تللو

تمثِّل المكتبات جزءاً حيوياً من المنظومة الثقافية لأي أمَّةٍ من أمم الأرض، وتساهم في حفظ تراثها وحضارتها، فهي مخزنٌ للمعلومات واسترجاعها، وتهيِّئ سبل الحصول على المعرفة المتراكمة على مرِّ السنين من خلال الكتب والأفلام والتسجيلات ووسائل حفظ المعلومات الأخرى، التي يستفيد منها الطلاب والمعلمون ورجال الأعمال وموظفو الدولة والباحثون والعلماء، والتي تشبع رغبات الباحثين عن ضروب المعرفة. ومن هذه المكتبات في سورية « مركز الوثائق التاريخية» بدمشق، الذي يدور الحديث عنه في هذه المقالة، راجياً أن يتذكَّر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرفوا على ما لا يعرفونه.

أسِّس مركز الوثائق التاريخية بدمشق بموجب قرار وزارة الثقافة والإرشاد القومي في الجمهورية العربية المتحدة رقم 29/ أ تاريخ 4/4/1959، ويتبع إدارياً للمديرية العامة للآثار والمتاحف، التابعة بدورها لوزارة الثقافة، ويقع مقرُّه في «شارع الثورة» أحد شوارع دمشق الرئيسية عند تقاطعه مع «سوق ساروجة» أحد أسواق دمشق القديمة، في قصر خالد العظم أحد رؤساء الوزراء السابقين، ويُعَدُّ هذا القصر تحفةً معمارية من تحف العمارة الدمشقية، غير أن عوامل الزمن وأخاديد الدهر باتت تظهر عليه جلياً بسبب قِدَمِ تاريخ بنائه الذي يعود للقرن الثامن عشر الميلادي خلال الفترة العثمانية، مثله مثل الكثير من بيوت دمشق القديمة، التي تتطلب إجراء عمليات ترميمٍ وصيانة شاملة لها، وهذا ما تسعى له الجهات المعنية.
يتولَّى مركز الوثائق التاريخية المهام التالية:
أ- جمع وحفظ الوثائق التاريخية المتعلقة بتاريخ القطر السوري، وما يتصل بهذا التاريخ في جميع العصور القديمة والحديثة، وتعتبر كالآثار المنقولة وتخضع لقانون الآثار.
ب- تيسير اطلاع الباحثين والمؤرخين على الوثائق المذكورة، ودراستها ونشر ما يقرر نشره منها.
تتألف المحفوظات في المركز من الوثائق التالية:
أ- الوثائق التي صدرت عن رئاسة الجمهورية، وجميع أجهزة الدولة، وتشمل السجلات والقرارات والمراسلات التي مضى عليها مدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً.
ب- المعاهدات والخرائط والصور والأفلام والتسجيلات والمذكرات والصحف، وكل ما يمكن أن يؤلف وثيقة أو مرجعاً تاريخياً.
ج- الكتب وجميع المطبوعات والمخطوطات التي لها علاقة بتاريخ القطر.
يتألف المركز من الأقسام التالية:
1- شعبة وثائق الدولة: وتحفظ فيها جميع أعداد الجريدة الرسمية، وتنجز بطاقات للقوانين والمراسيم والقرارات المهمة تشمل الرقم والتاريخ والموضوع واسم الموقِّع ومنصبه. كما تحفظ فيها جميع القرارات والمراسلات الواردة من الأجهزة الحكومية في كلِّ المحافظات السورية، وتنجز بطاقة لها وتسجَّل في سجلٍ خاص.
2- شعبة الوثائق الخاصة: تحفظ فيها الوثائق الخاصة بشخصيات سورية وعربية، كالرسائل الخاصة والمطبوعات والمذكرات والسجلات والصور والمسجلات السينمائية، وتنجز بطاقة لكل وثيقة.
3- شعبة الوثائق العثمانية: وهي وثائق ثمينة جداً تترجم وضع المجتمع العربي في أثناء الاحتلال العثماني سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ودينياً وأدبياً، وتغطي الفترة بين عامي 1535- 1935، وتضم مخطوطات وأوامر سلطانية عثمانية وسجلات محاكم.
4- شعبة الصحف: وتحفظ فيها مجموعات من الصحف والمجلات السورية والنشرات السياسية قديماً وحديثاً، أو غيرها مما له علاقة بتاريخ القطر.
5- المكتبة: وتحفظ فيها الكتب المتعلقة بتاريخ سورية سواءٌ الصادرة داخل القطر أو خارجه، وترتب حسب المعمول به في المكتبات العامة.
6- المحاكم المختلطة: وتحفظ فيها سجلات محاكمة الثوار والمعتقلين الوطنيين في أثناء الاستعمار الفرنسي لسورية.
7- قسم التصوير: وفيه يجري تصوير وثائق المركز، وحفظ الصور في علبٍ خاصة، مع تسجيل محتويات كل علبة، وتشمل الصور شكلين: مصغرات فيلمية (ميكروفيلم)، وصور طبق الأصل (فوتوكوبي).
8- القسم البصري: يضمُّ مجموعة من الصور لشخصياتٍ سورية وعربية التقطت في مناسباتٍ عدة قومية ووطنية، وصوراً لرجالات الثورات السورية والعربية، وملوك ورؤساء الدول العربية والصديقة وغيرهم.
9- متحف الوثائق: وتُعرض فيه مجموعة من الوثائق المهمة المتنوعة، وصور لرجالات سورية والعرب البارزين، ضمن خزائن زجاجية أرضية وجدارية، وكلها مصنفة ومرتبة حسب الموضوع والتاريخ.
يتمُّ الحصول على الوثائق التاريخية من خلال الإهداء والشراء من أصحابها، وحفظها بأسمائهم تكريماً لهم وتشجيعاً للآخرين على القيام بأعمال مماثلة. والمركز عضو فعَّال في الفرع الإقليمي لـ: «المجلس الدولي للأرشيف» الذي يُطلق عليه «القسم عربيكا». كما يساهم مع الجهات الحكومية الأخرى المعنية بحفظ وتوثيق المعلومات في إنجاز «الشبكة الوطنية للمعلومات في الجمهورية العربية السورية».
يُسمح للباحثين السوريين والعرب والأجانب المطالعة في المركز من دون مقابل بعد إبراز رسالة من الجهة التي يعمل بها أو يدرس فيها، توضِّح الرسالة معلومات عن الباحث وموضوعه، ويخضع الباحث للإشراف الإداري من إدارة المركز، ويمنح هوية تخوله الدخول للمركز حتى انتهاء بحثه. ويُسمح لعموم المواطنين المهتمين بزيارة المركز والاطلاع على وثائقه مجاناً مرتين على الأكثر من دون رسالةٍ رسمية، ودوام المركز للباحثين بين الساعة التاسعة والواحدة من أيام الدوام الرسمي.
حتى سنواتٍ قليلة مضت، كان الباحثون يطلعون على الوثائق التاريخية بشكلها الورقي، وبغية مواكبة التطور وانتشار المعلوماتية، فقد تمَّ إدخال الحاسوب إلى المركز، حيث وُضِعَت برامج وقواعد بيانات أُدخلت إليها كل محفوظات المركز الورقية، وصار الباحث يراجع الوثيقة إلكترونياً، على حين حُفظت الوثائق الورقية في مستودعاتٍ خاصة آمنة؛ لضمان ديمومتها لسنواتٍ طويلة قادمة.
صدر عن المركز أو بإشرافه الكتابان التاليان:
ــ «دليل سجلات المحاكم الشرعية العثمانية المحفوظة بمركز الوثائق التاريخية بدمشق» عام 1999. بالتعاون مع المركز الفرنسي للدراسات العربية بدمشق.
ـ «آل الرجولة في سجلات مركز الوثائق التاريخية بدمشق»، صدر عام 2010 بثلاثة أجزاء بإشراف «فواز منير الرجولة».
ختاماً أقول: بوركت الأمة التي تحفظ تاريخها الحاضر للأجيال القادمة، وقد رأينا في هذه المقالة كيف حفظ السوريون تاريخهم في مركز الوثائق التاريخية بدمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن