ثقافة وفن

30 عملاً بين الرسم المائي والتصوير الفوتوغرافي … توحي بالراحة النفسية وتمنح الاسترخاء مع بحث عن الذات بعد التشتت والتلاشي

| سوسن صيداوي - ت: أسامة الشهابي

المعرض لا يميّزه فقط احتواؤه على تجربتين شابتين، بل ما يثير الغبطة التجارب المقدمّة من الفنانين عزة حيدر وربيع محمد، لأن ما قُدم من أعمال يستهوي التحدي والخروج عما هو مألوف مما يقدّم عادة في الساحة التشكيلية. فبين اللوحات المائية والصور الفوتوغرافية تتماهى الرغبة الواضحة في الدعوة إلى لملمة الذات المشتتة والمبعثرة، مع الصُحبة في جلسات استرخاء يحتاجها المرء بعد سنين مرّت عانى فيها الصراعات والانكسارات. المعرض تستضيفه صالة جورج كامل بدمشق، واحتضن 30 لوحة متنوعة الأحجام بين المتوسط والصغير. وحول تفاصيل أكثر نترككم بأحاديث خاصة عن اللوحات المعروضة التي تَحضُرها تجربة الفنانين.

ربيع محمد
قدم لنا المصور الفوتوغرافي ربيع محمد 15 لوحة فوتوغرافية من الحجم الكبير، اشتغلها بتقنية خاصة عبر عدسات الكاميرا، صوّر فيها الأجساد البشرية، مستعينا بطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، جسدها وفق حركات فيها من التلاشي، أو التبخر عبر سحب دخانية، في مشهدية سواء أكانت فردية أم جمعية، فيها من الخلاصة في البحث عن الذات ضمن كينونة واسعة من فضاءات. أما البداية في حديثه فكانت عن احترافه والمدة التي استغرقها في اشتغال الأعمال، قائلاً: «أنا أحترف التصوير الفوتوغرافي منذ 12 سنة، وعملت على التجربة الحالية منذ أربع سنوات تقريباً، ورغبتي من خلال الأعمال التي قدمتها هي توضيح مفهوم الثبات والحركة من جهة، وانعكاسه علينا كأشخاص عِشنا واقع الحرب من جهة أخرى، من ناحية إلى أي مدى يستهلك منا خيارنا بالثبات أو الحركة في اتخاذ القرارات، ومفاضلة الخيارات، وما يرتب عليهما من الخسائر أو تلاشي الذات والتمزق».
لقد شاركت بخمسة عشر عملاً، متنوعة بين الأبيض والأسود والأعمال الملونة، وكل عمل يحكي قصة مختلفة عن الأخرى، وتصوير الأعمال تمّ بالتعاون مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية.
أما بالنسبة للتقنية التي استخدمتها تابع الفنان ربيع «تمّ العمل بدمج عدة تقنيات في التصوير، عن طريق عدسات الكاميرا، وكيف يتعامل معها المصور. وأحب هنا أن ألفت إلى أنني وخلال السنوات الأربع التي اشتغلت فيها على الأعمال، حاولت جاهدا نقل التصوير الفوتوغرافي إلى مرحلة جديدة، وعلى الخصوص في فترة الحرب السورية، لأن التصوير الفوتوغرافي ذهب باتجاه التوثيق أكثر لما يحدث في البلد، لهذا أنا ذهبت في الاتجاه الآخر، وهذا الأمر بالنسبة لي كنقلة كي أجرب أمراً جديداً باستخدام تقنيات جديدة وبوسائل وطرق جديدة، وهنا أؤكد فكرة أنه في هذا المجال ليس لأحلامي أو طموحاتي حدود، لأن هذا الفن هو فن متجدد دائماً بتقنياته وأساليبه».
وعن استهواء الشباب لهذا الفن ومساعدة التكنولوجيا الحديثة عبر الموبايلات أكثر من الكاميرات بنشره بشكل واسع يضيف: «هذا الفن بالفعل يستهوي الشباب أكثر لأنه يحاكي أهواءهم في بلدنا، ولكن علينا دائماً الاطلاع على الخبرات الجديدة وأن يكون هذا سعينا وطموحنا، وعن نفسي أنا أنتقل إلى مكان آخر، وأبتعد قدر الإمكان عن الأنماط المطروقة وعما هو منتشر في هذا الفن، وأتمنى أن يتطور وخصوصاً أنه حديث العهد ولا يتجاوز عمره مئة سنة تقريباً».
وعن الموازنة ما بين اللوحة التشكيلية والصورة الفوتوغرافية أكد ربيع أنه لا يوجد أي تنافس بين كل من الفنين، ولكن الفكرة هي من حيث استقطاب الجمهور ومتابعته للفنون واقتناؤها، فالمُشاهد يعود إليه التقييم أو المفاضلة.
وأخيراً وحول التشجيع العالمي للفن الفوتوغرافي يقول للجهات المعنية «المهرجانات والاهتمامات العالمية بالفن الفوتوغرافي تعود لجهات راعية أكثر منها جهات حكومية معنية، والأساس يعود لانطلاق الذائقة الفنية وتشكيلها، ولكن هذا لا يمنع من أن تتم رعاية هذا الفن والاهتمام به من جهات راعية، وخصوصاً أن الحرب على سورية أفردت مكانا واسعا للفن الفوتوغرافي الذي يواكب كل الأحداث ويوثقها، بمساعدة من الموبايلات التي سهّلت هذا الموضوع، وهو ما زاد الاهتمامات بتطوير التصوير الفوتوغرافي في العديد من مجالاته. وأخيراً وبالنسبة لي أنا اهتممت بالمجال الذي يلامس الأشخاص أكثر وأقاربه بالفن التشكيلي من عدة زوايا».

عزة حيدر
على حين أفردت لنا الفنانة التشكيلية ومصممة الأزياء عزة حيدر 15 لوحة بحجوم صغيرة، اشتغلتها بتقنية اللون المائي في مواضيع -كالعادة- تسبح في فضاءات الطبيعة والآفاق، عبر شفافيات لونية هدفها دعوة إلى التأمل وأخذ نفس عميق لتحقيق الاسترخاء والراحة.
وفي بداية حديث الفنانة حيدر عن تجربتها الحالية والتقنية المتبعة قالت: «في تقنيتي المتبعة أنا أستخدم الألوان المائية، لأنها تجذبني بشفافيتها ورقتها، وتمنحني المقدرة على رسم شعاع النور في الطبيعة بمداه الواسع، من خلال موضوعات أتطرق لها سواء أكانت سماء وأرضاً أم غيوماً وأشجاراً بشكل يخدم ما أسعى إليه في لوحاتي. وبالنسبة إلى التقشف والعناصر، فهو قليل جداً، مع تدرّج لوني واضح، فغايتي من أسلوبي أن تكون لوحتي بسيطة وعناصرها قليلة، الأمر الذي يوحي بالراحة النفسية ويمنح الاسترخاء، وهنا أحب أن أشير إلى أنني منذ عام2011 وأنا أعمل بالألوان المائية وأرسم امتداد الأفق، ولكن بعدها سأعمل على مواضيع أخرى، لكون الفن مرتبطاً بواقع الفنان، وبالتالي ما سأقدمه سيكون حسب الظروف، وما يؤثر فيّ سأصوره في اللوحة وضمن بساطتي التي أسعى إليها دائما، وكلّه سيبقى دائماً كطرح جديد وبالألوان المائية».
وحول تقنية الألوان المائية تشير الفنانة حيدر«نحن متعودون الواقعية أو الطريقة النمطية بالألوان المائية، الأخيرة التي التعامل معها متعب جداً، وهو الأكثر صعوبة بين الألوان الأخرى التي تتحمل التصليح».
وأخيراً تلفت الفنانة إلى التقارب بين الفن التشكيلي وتصميم الأزياء الذي درسته فتقول: «هناك الكثير من مصممي الأزياء المتأثرين بالفنانين التشكيليين، وكل من الفنين مرتبطان ببعضهما، وأنا أحب تصميم الأزياء، ولكن الفن التشكيلي يحقق لي التوازن النفسي، فأنا لا أستطيع الجلوس من دون رسم لوحة ما، بعكس تصميم الأزياء الذي يمكنني الابتعاد عنه مقابل انشغالي بالرسم التشكيلي الذي درسته في مركز أدهم إسماعيل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن