ثقافة وفن

مستر بريزيدنت! … أحبك لأنك تحب وطنك.. فارفع يدك عن وطني الذي أحبه ودعه في سلام

| ضحى مهنا

مستر بريزيدنت ترامب! إني أحبك، وإن كنت أحب الوسيم من الرجال.
ولكني أحبك لأنك تحب وطنك أميركا. وفي حب الأوطان أشترك معك.
فأنا بدوري أحب بلادي حباً «عظيماً». فهو الحقيقة الراسخة الأكثر جمالاً في هذه الحياة الطائشة.

مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب وطنك. فدع الآخرين يحبوا أوطانهم ويعملوا لأجلها إن تركت لهم ثرواتهم، فقد يتوقف المهاجرون إلى وطنك. ولا يموت أطفالهم في مراكز الحجز وقد انتزعوا من أهليهم أو يموت أحدهم في الماء مع صغيرته. إنه أقل كلفة من بناء جدار ترفعه أمامهم. ما قيمة المليارات الأربعة التي أرسلتها منذ أيام إلى تلك المراكز؟
مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب وطنك. وأنا أحب وطني، فهلاّ توقفت مع أصدقائك عن إشعال الحرائق والفتن والتجويع؟ الناس أيها الرئيس سيهربون إليكم، وليس أفضل من أميركا الحنون وأوروبا الإنسانية مكاناً للعيش، وخاصة حين رأوكم تذرفون الدموع وتطلقون الحسرات على حياتهم البائسة في أوطانهم، وتراءى لهم أنكم تلوحون لهم بأياديكم البيضاء السمحة.. أن تعالوا واهجروا أوطانكم فلا خير فيها ولا رحمة لكنهم أفاقوا من أوهامهم متأخرين، فما كانت تلك الدموع والآهات سوى أفخاخ وقع فيها الجميع بعد أن سارع إليكم التذمر والضجر من اللاجئين.
مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب بلادك. وتعمل من أجلها، تحارب منافسيك وتحاصرهم، تبتز حلفاءك وتهددهم، كل ذلك في سبيل أن توفر لمواطنيك فرص عمل وأموالاً، ولن تنسى بالتأكيد شركات الأسلحة والأدوية و… و…. ياله من حب أيها السيد الرئيس، دفعت ثمنه الشعوب الأخرى، وكانت تستحقها فهي أموالها وثرواتها لو تركت لها لما سافرت أو هاجرت إلى أميركا وغيرها.
مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب وطنك. وأنا أحب وطني، فارفع يدك عنه. بلادي أيها السيد الرئيس ما اعتدت يوماً على بلد آخر أو سرقت ثرواته، وما كرهت يوماً مهاجراً أو لاجئاً. فكانت تعيش في سلام وأمان، خيراتها الوافرة كانت تكفيها، إنها الشام أرض السلام والله حاميها وإن استدار عنها حيناً، فسارعتم وغيركم إلى إرسال غربان الجهل والتخلف والضباع المفترسة، لكنكم سهوتم عن جيشها البطل وشعبها العظيم، ولم تحسبوا لهم حساباً بعد أن استمعتم إلى عملائكم ومخبريكم الذين ضلّلوكم وقلتم عنهم لاحقاً «لعنة اللـه عليهم» أخبارهم كانت ضعيفة وكاذبة، ولم تتوقفوا، انتقلتم إلى خطط تلو الأخرى، كادت تصل إلى عدد الحروف الأبجدية، وما نجحتم إلا في الدمار، ويبدو أن هذا كان قصدكم وإليه السبيل من أجل مشاريع استعمارية واقتصادية. انتهت اللعبة بعد أن انكشف الهدف والطريق.
مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب وطنك… تقول وتعيد بأنك تكره الحرب، وأنا كذلك أكره الحروب المختلفة، ولكل منا أسبابه، أنت ترى في الحرب تراجعاً للبورصة والأعمال و.. و…. أما أنا فإني لا أعرف شيئاً عن البورصة و…. أكره الحرب لأنها تدمر البشر والشجر والحجر وتذل النساء والأطفال. وما استطعتم مرة أن تعيدوا بناء ما هدمته جيوشكم التي ادعت التحرير والحرية والديمقراطية و….
تعال أيها السيد الرئيس (بليز، رجاء) لتنظر ماذا حلّ ببلادي التي أدّعي أنها الأجمل بين الأوطان كحال من يحب وطنه، وكانت لتكون أكثر جمالاً لولا ظروف صنعتموها أنتم، فتعثرت التنمية وتأخر التحرير، وقد وقعت بلادي في أخطاء وخطايا كما يحدث في كل مكان وفي أميركا بالذات، لكنها ما كانت تستحق هذا الهجوم الإرهابي الطويل.
سأخبرك شيئاً عن بلادي أيها السيد الرئيس، شيئاً أحبه وأعتز به.
كان للسوريين المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الثقافية تنتشر على أرض سورية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فتعال وانظر ماذا حلّ ببعض تلك المدارس والجامعات و…. نسيت أن أحدثك عن دار الأوبرا، فرحنا عندما قامت فرحاً «شديداً» وإن كانت سورية أوبرا بحدّ ذاتها فهي تملك أصواتاً ساحرة من نسائها ورجالها والأغاني تصدح في ديارنا صباح مساء.. وأبشرك بأن سوءاً لم يلحقها، ولكن لا تخبر أحداً بذلك فقد يلحقون بها أضراراً كما فعل الجهلة بالآثار و… ومن المهم أن أخبرك أيها السيد الرئيس بأن سورية ما كانت في حاجة إلى أحد إلا في أمور بسيطة، فقد كانت تأكل مما تزرع وكانت تسدّ حاجات الآخرين… والأهم الأهم أيها السيد الرئيس أن السوري كان يمشي آمناً مطمئناً وكذلك كان يمشي فيها غيره. كان يلقي التحية على أخيه من دون أن يعرف اسمه ومدينته وبيته ودينه «فالسلام لله» كما يقولون في وطني و«كل مين ع دينو اللـه يعينو»، لن أسترسل فقد تهاجمني الدموع وقد يصيبك الضجر مستر بريزيدنت ترامب.
رجوت ابني أن يترجم لك رسالتي هذه، فما عدت أجيد لغتكم، وقد لا يكون لك مترجم أمين، فأجابني بأن ما كتبته عبث، فالسيد ترامب لا يقرأ ولا يستمع إلى الموسيقا ولا يشاهد أخبار العالم التي تزدهر على وسائل التكنولوجيا، يكتفي بما تنقله له ابنته وزوجها، ولا أحسب أنهما يقرأان كثيراً أو يستمعان إلى الموسيقا، فهما لا ينصتان إلا إلى أصدقائهما ممن نزلوا جيراناً قرب وطني، ولكن يا لهم من جيران!
ظننت أن ابني يمزح ويردد ما تشيعه صحافتكم التي تسميها بالكاذبة أو مراكز بحوثكم وقد سمعنا كيف ومن أين تتدفق إليها الأموال. ولم أصدقه إلا حين رأيتك تأمر بقصف بلادي، وتحكم إغلاق صنابير المال عن الفلسطينيين وغيرهم بدعوى أن شعبك يستحقها، ولا يفعل هذا إلا جاهل لئيم لا يقرأ التاريخ ولا يسمع الموسيقا ولا يتابع أخبار العالم.
مستر بريزيدنت ترامب، إني أحبك وإن كنت أحب الوسيم والحنون والكريم بين الرجال لكنك أيها السيد لا تحب سوى وطنك ولا تفكر في الأوطان الأخرى بل لا تحبها وحرام على أبنائها أن يحبوها ويعملوا لأجلها، هنا أختلف معك فأنا أحب بلادي ولا أكره الأوطان الأخرى إلا من يعادينا منها ويقاتلنا.
أيها السيد الرئيس
تقول إنك تكره الحرب ولكنك مازلت ترسل إلينا المقاتلين والوحوش لتمعن في معاناتها من أجل جيران نزلوا قربنا يوماً بمكيدة من مدينة الضباب قالوا إننا لم نحسن الجوار فأصابهم الخوف والذعر من بلادي وأخواتها وكانوا هم من نشروا الخوف والذعر، وما هكذا يكون الجيران الجدد، لقد راحوا يقضمون كل يوم من أرضنا وأرض غيرنا ويحيكون المؤامرات في الظلمات والنهارات، يبكون أمامك من خوف قد يأتيهم من هنا أوهناك، فأتيت بقلمك الثخين لتعطيهم ما ليس لك، يا لك من كريم أيها السيد الرئيس، ما كان ثمة خوف ولا ذعر ولا عداوة الجيران، إن هي إلا مشاريع اقتصادية استعمارية للسيطرة على العالم، كما فعل أجدادكم ومارسه أصدقاؤك المعروفون لكن وطني بلد السلام لن يجنح له إلا أن عادت الأراضي يا مستر بريزيدنت، الأراضي، أيها السيد الرئيس وليس أوراقاً نقدية لا قيمة لها.
السيد الرئيس أحبك وإن كنت أحب الوسيم والحنون والكريم والعادل من الرجال!
كنت سأطلب منك أن ترسل سائقك لأحمّله صندوقاً «خشبياً» مطعماً بالأصداف من صنع بلادي الجميلة، فيه صور من بلادي قبل العدوان وبعده ومجموعة أقراص مدمجة موسيقية (C.D) وبعض من قصص أصدرتها للأطفال والفتيان لتقرأها على أحفادك، فالقراءة مهمة مستر بريزيدنت، وكنت لأهديك نسخة من روايتي الأخيرة، لكني أمسكت عن هذا وأنا أرى ابني وابنتي يتبادلان نظرات الأسى، فشعرت بغيظ حقيقي.
أيها السيد الرئيس، إنه حاضر ومقيم في داخلي وألم سيرافقني وغيري، لن أتخلص منها إلا حين أرى وطني يعود بأرضه كلها أكثر بهاء وقد تخلصت من أخطائها وعندئذ قد تجنح إلى السلام، وإلا لن يكون سلام وأمان في أي مكان،
أقول هذا وقد تذكرت المثل «إذا جارك بخير فأنت بخير» فلا تلعبوا أيها الجيران مع سورية ألعاباً قذرة.
مستر بريزيدنت ترامب! أحبك لأنك تحب وطنك. وأنا أحب وطني مهما عملت الأساليب الهليوودية على تشويه صورته، فمن المحزن أن يخجل الإنسان من وطنه، سنبقى فيه ما توالى النهار والليل، ويقولون «لا أرض لا إنسان» ويصح أن يقولوا أيضاً «لا إنسان لا أرض»
وسلام للأوطان كلها وعليها السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن