الأولى

التطابق السوري الروسي وخطة دي ميستورا

بقلم رئيس التحرير :

لا أعرف إن كانت مصادفة أن يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المجلس الموسع لمجلس الأمن الاجتماعي في العاصمة الطاجيكية دوشانبه قبل يوم من بث اللقاء الصحفي الذي أجراه الرئيس بشار الأسد مع سبع قنوات تلفزة روسية بدمشق، وبعد ساعات من تصريحات دي ميستورا الذي يصل اليوم إلى سورية، وكل ذلك وسط معلومات عن اتصالات ومشاورات روسية أميركية، وأخبار عن زيادة الدعم العسكري واللوجستي الروسي لسورية في الآونة الأخيرة.
الواضح بعد الاستماع إلى الرئيسين الأسد وبوتين هو تطابق الموقفين الروسي والسوري تجاه الحلول المقترحة للأزمة السورية وللحرب على سورية، فالرئيسان أكدا أن لا حلول سياسية قبل دحر الإرهاب، كما دعوا معاً كل دول العالم الجادة للانضمام إلى الحرب على الإرهاب وحذرا من خطورة انتشاره ليشمل كل بلدان الإقليم والعالم.
كلام الرئيسين هو عملياً وفعلياً الحل الوحيد لإنهاء الحرب على سورية، فخلاص السوريين والعالم والإنسانية من إجرام داعش والنصرة وأخواتهما هو المقدمة والممر الإلزامي قبل أي كلام عن حلول سياسية أو إصلاحات، فالمواطن السوري يريد أولاً عودة الأمن والاستقرار إلى حيه ومدينته وبلده قبل أن يفكر في التصويت لفلان أو لفلان آخر، أو المشاركة في أي استفتاء أو عملية انتخابية تحدد مصير نظامه السياسي ومستقبل وطنه.
صحيح أن مكافحة الإرهاب كانت مطلب سورية منذ عدة سنوات وتم تأكيده خلال مؤتمر جنيف الثاني، لكن أن تنضم روسيا اليوم وحلفاء دمشق إلى هذا الموقف دليل على أن التنسيق السوري الروسي، بات الآن أكثر صلابة من أي وقت مضى، ويأتي في ظل حديث وخطة للمبعوث الأممي منحازين لمصلحة «الحلف المعارض» الأميركي التركي السعودي يطالب أن يكون الحل السياسي قبل الحرب على الإرهاب، في محاولة لحماية الإرهابيين أطول وقت ممكن وإطالة الحرب على سورية واستنزاف قدراتها ومؤسساتها وتهجير وقتل شعبها.
في مواجهة المخطط الأميركي السعودي التركي، بات من الواضح الآن أن التنسيق وتطابق المواقف بين دمشق وموسكو قد يولد، في حال تعنت داعمي الإرهاب، خطة سورية روسية أمنية عسكرية هدفها القضاء على الإرهاب ليس في سورية وحسب بل في العراق أيضاً وكامل المنطقة، بالتعاون مع الجيوش والقوى العاملة على الأرض، وهذا ما يفسر ربما زيادة التعاون والتنسيق العسكري السوري الروسي وتصريحات الرئيس بوتين بأن موسكو قدمت وستقدم في المستقبل جميع المساعدات الضرورية في المجال العسكري والتقني داعياً دول العالم للتخلي عن ازدواجية المعايير والاستخدام المباشر وغير المباشر لبعض التنظيمات الإرهابية من أجل تحقيق أهداف متغطرسة بما في ذلك تغيير الحكومات التي لا تروق للغرب، وهو الكلام ذاته الذي سبق أن تحدث عنه الرئيس الأسد في لقاءات إعلامية وعاد وأكده في اللقاء مع الإعلام الروسي.
إذاً، واعتباراً من الآن وبعد تصريحات الرئيسين الأسد وبوتين، بتنا أمام مواجهة سياسية وعسكرية محتملة بين خطتين، الأولى تنادي بمكافحة الإرهاب قبل الشروع في الإصلاح السياسي، والثانية تطالب بحل سياسي قبل القضاء على الإرهاب! مواجهة باتت شبه علنية اليوم من خلال التصريحات والمعلومات المتداولة مؤخراً.
بطبيعة الحال هذا كلام ليس بدبلوماسي، فالدبلوماسية السورية ستستقبل اليوم دي ميستورا وتضع النقاط على الحروف بعد تصريحاته الأخيرة، كما ستتلقى منه أجوبة عن استفساراتها.. وكما سبق أن ذكرنا في زاوية سابقة، فإن سورية لم يسبق أن رفضت مبادرة سياسية من أي جهة كانت، وما زالت تؤكد أن الحل يبدأ من مكافحة الإرهاب وليس من أي مكان آخر، والواضح الآن أن الصراع السياسي والدبلوماسي بات مفتوحاً وقد يترجم بمزيد من العسكرة، كما قال دي ميستورا نفسه، في حال لم يعِ العالم خطورة الاستمرار في دعم التنظيمات الإرهابية عسكرياً ومالياً ليس على سورية والسوريين فقط، إنما على البشرية جمعاء.
انطلاقاً من كل ذلك، لا بد أن تكون بداية الحل من القضاء على كل الإرهاب وهذا ما أكده الرئيسان بشار الأسد وفلاديمير بوتين، وبما أن من يخوض الحرب الفعلية على الأرض هما الجيش السوري والشعب السوري، فمن المؤكد أن هذا الجيش وهذا الشعب هما، بعقيدتهما وإيمانهما وعشقهما لتراب سورية، من سيفرض الحل وليس من يغذي الإرهاب ويموله ويعادي الشعب ويذله، لذلك قد تكون الفرصة مؤاتية الآن لكل من يريد فعلياً مكافحة الإرهاب أن ينضم إلى المحور السوري الروسي وحلفائه لأنه الحلف المنتصر عاجلاً أم آجلاً، وكل مناورات أعداء سورية وخططهم المعلنة وغير المعلنة لن تكون قادرة على فرض ما رفضه السوريون وعلى إضاعة مزيد من الوقت، ما يعني مزيداً من الدماء السورية المقدسة، وخاصة بعد تطابق المواقف بين دمشق وموسكو ومع طهران والدول المستقلة التي تحترم وتلتزم القانون الدولي بعيداً عن أطماع الغرب وإملاءاته ومحاولاته السيطرة على أنظمة وحكومات العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن