الأولى

الخطر = تركيا

| بيروت – محمد عبيد

ماذا بعد وإلى متى سيبقى النظام التركي طليق اليدين يدفع بأرتال المجرمين الإرهابيين لشن الهجومات على أرياف اللاذقية حماة وحلب، بل قصف المدن والبلدات المحررة من هؤلاء الإرهابيين؟
أليس من المفترض أن تلك الأرياف والمدن والبلدات وصولاً إلى الحدود السورية-التركية تقع ضمن الاتفاقيات التي ترعاها مجموعة رعاة «مسار أستانا» ومن ضمنها النظام التركي حول ما يسمى مناطق «خفض التصعيد»؟
ألم يكن من المفروض أن يقوم النظام التركي بفرز هؤلاء الإرهابيين عن المجموعات المسماة من قبله «معارضة مسلحة»، وأن تقوم قواته العسكرية وأجهزة استخباراته الأمنية بالتراجع تدريجياً إلى الحدود الدولية، على أن تستعيد الدولة السورية بسط سلطتها السياسية والعسكرية والأمنية وتعزيز حضورها الإداري والخدماتي في المناطق التي ستخليها هذه القوات والأجهزة ومعها ما سيتبقى من الإرهابيين و«المعارضين»؟
ألم يكن من المتفق عليه في أستانا وسوتشي أيضاً أن إشراك النظام التركي في التفاهمات والاتفاقيات مع روسيا وإيران سيسهل صياغة الحلول السياسية والعسكرية والأمنية في شرق سورية وشمالها بالأخص، ما يعني بالتالي سحب فكرة إنشاء المنطقة العازلة التي كان يجهد النظام المذكور لتحقيقها؟
يبدو أنه على الرغم من محاولات الاحتواء التي تقوم به القيادة الروسية مع النظام التركي، فإن قيادة هذا النظام لم تقطع الاتصالات مع القيادة العسكرية والاستخبارية الأميركية. ذلك أن تبادل لوائح العروضات بينهما حول صياغة ترتيبات عسكرية-أمنية في شمال وشرق سورية مازال قائماً.
فعلى حين يعرض الأميركي على التركي موافقته المبدئية على إنشاء المنطقة العازلة إنما بحدود متحركة وذلك وفقاً لحاجة أنقرة لضمان أمنها القومي، تُصر الأخيرة على تكوين منطقة عازلة بشريط بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود داخل الأراضي السورية. مع ما يعني ذلك من تفريغ لذلك الشريط من معظم أهله وإجراء تغييرات ديموغرافية تتيح للنظام التركي فرض أمرٍ واقع يسمح له بالسيطرة لمدة أطول في تلك المنطقة.
إن الوقائع كافة تشير إلى أنه على الرغم من الشوائب التي يقال إنها تعتري العلاقة الأميركية-التركية حول موضوع منظومة الصواريخ الروسية وغيرها، فإنه من الواضح أن هناك تفاهماً خفياً بين واشنطن وأنقرة على عدم تمكين الدولة السورية من استعادة سيادتها على إدلب وريفها وشمال سورية بأكمله، على الأقل في الوقت الراهن الذي تحتاجه إدارة ترامب لتسوية المسألة الإيرانية وفق شروطها.
تعتقد واشنطن أن إبقاء الوضع في شمال سورية وشرقها مُعلقاً بمساعدة النظام التركي من جهة والانفصاليين الأكراد من جهة أخرى سيؤدي حكماً إلى إرباك ركيزتي محور المقاومة: سورية وإيران، كما أنه سيمنعهما من استكمال انتصارهما على الإرهاب ورعاته والتفرغ للمواجهة الأوسع على الجبهة الإيرانية-الأميركية.
لهذا السبب أيضاً منعت إدارة ترامب الأنظمة العربية في الخليج من العودة إلى دمشق ومؤازرتها لدرء الخطر التركي الذي استفاقت عليه بعض هذه الأنظمة ومعها مصر متأخرين.
إلا أن الأخطر يكمن في محاولات النظام التركي استنزاف مقدرات الجيش العربي السوري البشرية والعسكرية، بعدما نجحت القيادة السورية خلال السنوات القليلة الماضية في إعادة تعزيزه على مستوى العدة ورفده بالعديد اللازم لبسط سلطة الدولة على أراضيها.
والأكثر خطراً هو المحاولات التركية لتوهين حالة الأمن والاستقرار التي ينعم بها الكثير من المناطق المحررة من خلال تعريضها للقصف وهجمات الإرهابيين، وهو أمر تلاقيه فيه دول الاتحاد الأوروبي من خلال إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية وحجز البواخر التي تحمل النفط خصوصاً إلى سورية.
إن الوقت حان لإلزام النظام التركي تنفيذ تعهداته التي قطعها لشريكيه الروسي والإيراني في اجتماعات أستانا وسوتشي حول إدلب وحول دوره عامة في الداخل السوري، أو البحث عن البدائل التي تؤدي إلى إخراج المحتل التركي كي لا يبقى للأميركي شريك يبرر بقاء قواته المحتلة للأراضي السورية في شرق الفرات، أو يمنحه الوقت الكافي لتنفيذ أجندته بإشغال جبهات محور المقاومة كافة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بانتظار نجاح ترامب في العودة مجدداً إلى المكتب البيضاوي في العاصمة واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن