من دفتر الوطن

مدَى.. غَشْقر، مدَى.. نَهرو!

| فرنسا- فراس عزيز ديب

جمعتني بها مصادفة تشابه الأحرف الأبجدية خلالَ إحدى سنوات الدراسة، كان من المفترض أن نجهِّزَ معاً «حلقة بحثٍ» لتقديمها شفهياً أمام مجموعتنا. جلسنا في المكتبة لنتعرَّفَ ونضع الخطة التي سنسير بسياقها، فكان من الطبيعي أن يكون السؤال الأول عن جنسيةِ كلٍّ منا، فكان جوابها: مدغشقر.
ربما سحرني سمارها الداكن وعيناها اللتان صحَّ فيهما قول نزار قباني: كزهرَتي غاردينيا في عُتمةِ شعرٍ إسباني، فأضعتُ بوصلتي الجغرافية لدرجةٍ خِلتُ فيها أن مدغشقر هي إحدى مستعمرات ما وراء البحار الفرنسية وقلتُ لها إذن أنتِ فرنسية؟ فأجابت لا، نحن دولة مستقلة وأنا مدغشقرية.
حاولت تدارك الأمر وقلتُ لها مبتسماً أعتذر فأنا لا أعرف عن قارةِ أوقيانوسيا إلا استراليا ونيوزيلندا، ضحكت وقالت لكننا ننتمي للقارة الإفريقية، هنا شعرتُ أن الحل يكمن بكرة القدم فقلتُ لها: أنا أعرف الدول الإفريقية من خلال كأس إفريقية ولم أسمع يوماً بفريق دولة اسمه مدغشقر!
ابتسمت وقالت لي: كرة قدم! أنا لستُ متابعة ولا أعرف أساساً إن كان لدينا فريق!
هنا شعرتُ بنفسي وكأنني خرجتُ من عنق الزجاجة ولكي يصلكم معيار فرحتي حينها، عليكم تخيل فرحتنا كعربٍ وسوريين بهدفِ الجزائري رياض محرز في مرمى نيجيريا.
لا أنكر أنني كنت أتذكر هذه الفتاة في كل مرة كان ينتصر فيها فريق مدغشقر في كأس إفريقية الجارية حالياً في مصر، هذه البطولة التي شارك بها للمرةِ الأولى وحقق فيها نتائجَ غير متوقعة، كيف انتقل هذا الفريق من المجهول حتى لمن هم مثلي يعتبرون أنفسهم مدمنين لكرة القدم إلى فريقٍ أصبح حديث الساعة ولاعبوه مطلوبون في العديد من الأندية الأوروبية، ماذا تبدل عبرَ الوقت وبالتالي ماذا ينقصنا حتى نحقق ما يحققه الآخرون؟
ربما الكثير قد تبدل، لكم أن تتخيلوا مثلاً أن هذه الحادثة جرت عندما كان ميسي ورونالدو يبحث كل منهما عن كرتهِ الذهبية الأولى، أما نادي الحرية فإضافة لكونه مفرخة نجومٍ سوريين، كان رقماً صعباً في الدوري السوري أما إسبانيا فكانت بطولتها العالمية الوحيدة هي كأس أوروبة 1964، لكم أن تتخيلوا كم تبدلت الخارطة الكروية العالمية، كل هذا تغير إلا شيء واحد: العقلية التي تتحكم بمفاصِل الرياضة السورية.
لا أعلم لماذا هذا الانتقاص من حقِّ الرياضة، لا أعلم لماذا على المشجع السوري أن يبكي فرحاً بتأهل الجزائر وأن يحزن ألماً لخروج تونس، هل بدأ المشجع السوري يشعر بعقدِ النقص فتراهُ يقضي وِطرَ مشاعرهِ بإنجازات وإخفاقات الآخرين، متى سنتعلم أن الرياضة اليوم لا يمكن لها أن تُدار بعقلية «رتلاً ترادف»؟!
اللافت مع كل إخفاق هناك من يخرج علينا متذرعاً بالحرب والقول هذه هي الإمكانات، لكن لماذا أحرز العراق يوماً كأس آسيا وهو الفريق الذي صنع المستحيل من رحم الحرب، لماذا يتألق لاعبونا في الأولمبياد الخاص وعلماؤنا الصغار في الأولمبيادات العلمية الدولية؟
إن كان بعض القيادات الرياضية كما يقولون «لا يحبون كرة القدم» وبعض قيادات الكرة أساساً متطفلون على كرة القدم عندها قولوا لنا ما الرياضة التي تحبونها حتى نحاسبكم على نتائجها، من اختبارات انتقاء منتخب كمال الأجسام التي انتهت بمهزلةٍ مروراً بمنتخب الناشئين لكرةِ السلة الذي خسرَ قبل أمس بفارقٍ مذل وصولاً إلى النتائج الفضائية للمنتخب الأول في دورة «نهرو» الهندية؟
في الخلاصة: هناك جملة شهيرة كان يكررها الراحل عدنان بوظو:
هذه حدودنا، ولعلنا نقول، «غَشقر» أو «نهرو».. هذا مدانا لكن إياكم أن تظنوا أنكم قادرون أن تحددوا المدى الذي سيصل إليه صوتَ الغيورينَ على الرياضةِ السورية، ونخشى ما نخشاه أن يكون حديثنا في الأشهر القادمة عن الفيلبين هل عرفتوها؟ هي ذاتها التي ضحك سن الكثيرين عندما شاهدوها كخصمٍ لنا في مجموعتنا الضعيفة للتصفيات الآسيوية القادمة.. لكن تذكروا دائماً:
يضحك كثيراً من يضحك أخيراً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن