ثقافة وفن

الغاية من الحوار

| إسماعيل مروة

لابد عند الحديث عن حوار، أي حوار، من تحديد الغاية من هذا الحوار أو الغايات، وذلك قبل البدء بالحوار نفسه، لأن الغاية هي الأساس، فإن كانت محددة، فإن الحوار يصل إلى نتائج مباشرة ومرضية، ولا يحدث أي خلاف بين المتحاورين، مهما كان هذا الحوار عنيفاً أو إشكالياً، فتحديد الغاية من الحوار، بيّن النتيجة النهائية، وأظهر الاتفاق عليها والوصول إليها، والاختلافات تتركز في آليات الوصول إلى الغاية النهائية التي اتفق المتحاورون عليها نتيجة نهائية قبل البدء بالحوار، وإذا لم تحدد هذه الغاية، فإن أي حوار يتحول إلى حوار جدلي يشبه ما يسمى بحوار الطرشان الذي لا يقدم إلا المزيد من الخلافات بين المتحاورين، ويزيد شقة الاختلاف لتصبح خلافاً غير قابل لأي إجراء إصلاحي على الإطلاق وتصبح القضايا المطروحة على طاولة الحوار من القضايا التي يصعب الوصول إليها، لأن الطريق إليها زرعت بالتفاصيل.. ولا يعني الإنسان هنا ضياع الحوار والوقت، بل الذي يعني هو ضياع القضايا الجوهرية التي من أجلها كان الحوار! فعندما يجتمع المجتمعون من أجل الوطن وازدهاره وإطلاق العجلات لتحقيق الإنجاز، يجب أن تكون هذه هي الغاية، ولا تعني التفاصيل التي تتعلق بالمتحاورين ما داموا ينتمون إلى بيئة إصلاحية، ويحملون القناعات الطيبة والخبرات الجيدة للقيام بهذا المشروع الكبير، وعندما يتم العمل للوصول إلى الغاية سنصل حتماً، وإن بقينا عند التناتيف المصلحية والشخصية والعداوات والمشاحنات، وإن حافظنا على قناعاتنا، على أخطائها وصوابها، تجاه أشياء وأشخاص فإن كل ما نقوم به يكون عبثاً ومضيعة للوقت والحوار!
وفي كثير من حواراتنا التي نحضرها أو نسمع بها، أو نسمع عنها، أو نشارك فيها لا تقدم فائدة ترتجى، وأزعم أنها معول هدّام يزيد شقة الخلاف، ويضيء على نقاط بسيطة ليحولها إلى نقاط جوهرية تصبح أهم من الغاية الكبرى، وكل طرف يستغل ما لدى الطرف الآخر، لتتحول الغايات النبيلة إلى قضايا مصلحية آنية، وتتحول كل قضية لم تكن موجودة إلى موضوع حوار قادم، وتتشعب الحوارات، وتضيع الغاية النهائية الأولى الموضوعة!
وفي أغلب الحوارات الوطنية والقومية التي كانت أو هي كائنة لم تحدد الغاية النهائية والنبيلة لذلك بقينا في تفاصيل، وضاعت الغاية، وتعددت الرؤى، وصار الوطن يحمل أكثر من مفهوم واحد، وكل واحد يحدد مفهومه وكأن الوطن ملكية شخصية له وهو من يملك السندات التي تؤهله لتغيير المفهومات التي لا يختلف عليها اثنان!
وفي جميع حواراتنا الدينية والمذهبية والطائفية لم نجد مرة واحدة تحديداً للغاية النهائية، فالغاية النهائية دوماً هي الفهم وسعادة الإنسان، وتعميم ثقافة الحب بين جميع مكونات المجتمع المتحاور.. ولكن ما من مرة وصلنا إلى هذه الغاية، وأزعم أن كل هذه الحوارات عملت على زيادة الهوّة بين المتحاورين وكشفت للمتحاورين – مصلحياً- ما كان خافياً عليهم لتعميق الخلاف، وليس للوصول إلى الغاية النهائية!
ويتحول الحوار من الفهم إلى الإقناع والإفحام!
ومن الحياة المشتركة إلى فرض الرأي الواحد!
ومن فتح عينين على الجوهر إلى تخطئة الآخر وإصدار الحكم عليه!
لابد عند كل حوار من تحديد الغاية النهائية، وتجهيز الطرق والآليات، والتوجه إلى الغاية النهائية دون الدخول في المنعطفات المصطنعة والزواريب، وأي طارئ يمكن أن يؤجل ليكون موضوعاً بعد الوصول إلى الغاية.
عندها لن نحتاج إلى مؤتمرات وحوارات، وإنما ننغمس في العمل الذي يشكل أعلى درجات الحوار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن