قضايا وآراء

الاعتراف بإسرائيل يوازي التخلي عن فلسطين

| د. يوسف جاد الحق

في يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر الجاري لمسيرة العودة التي تحمل الرقم 57 عند الحدود المصطنعة مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، ارتفعت حتى عنان السماء أصوات الجماهير الفلسطينية، تنادي بشعار: «لا تفاوض ولا اعتراف» بالكيان الصهيوني.
ينبغي أن يحمل هذا الشعار مبدأ أوليّاً وأساسياً، يلتزم به العرب المقيمون على العهد لفلسطين، ومن معهم في تحالف المقاومة، إلى جانب الفلسطينيين، على أنه لا مطلب أو توجه آخر غير قتال العدو، يعبر عن الحقيقة التي ينبغي التمسك بها والنضال من أجلها، إذ ينبني عليه مستقبل الفلسطينيين أرضاً وشعباً إلى ما لا نهاية.
مسألة الاعتراف بالعدو هذه كانت منذ البدايات مطلباً طالما سعت إليه إسرائيل، مستجدية هذا الاعتراف لحاجتها الماسة إليه، لإكسابها شرعية دولية ترنو إليها، إذ هي تعرف أن الأرض التي أقامت عليها كيانها مسروقة مغتصبة، تتعرض في أي وقت قادم لاستعادتها من غاصبيها.
الاعتراف بإسرائيل، كما حدث فيما بعد، كان يعني، ولم يزل الإقرار بالأمر الواقع الذي يكتسب، بمضي الزمن، وتكاثر الجهات المعترفة به ما يشبه الشرعية القانونية دولياً، ولاسيما أن هذا الإقرار بالاعتراف تدعمه أميركا ومعظم دول الغرب، بل إن هذه الجهات يمكنها أن تفرضه فرضاً، ولاسيما إذا كان هناك بعض دول عربية، فما بالنا إذا كانت هناك جهات فلسطينية تقدم عليه؟ وإذا أضفنا إلى هذه الجهات هيئة الأمم المتحدة الضالعة مع العدو منذ البداية، فهي التي قسمت فلسطين بين أصحابها التاريخيين وبين الدخلاء الأغراب من شتات يهود العالم، أصبحت المسألة عندئذ حقيقة واقعة لا سبيل إلى إنكارها، ما لم يقم أصحاب الأرض ومن معهم بالقتال من أجل استعادة الديار العربية المقدسة.
لبث الأمر على هذه الحال زمناً طويلاً، بين أخذ ورد، قبول ورفض، سكوت واعتراض إلى أن جاءها الاعتراف المنشود أخيراً، في السبعينيات من القرن الماضي، مع ما سمي، تضليلاً وخداعاً، بمفاوضات السلام مع الفلسطينيين وغيرهم من بعض العرب، ابتداءً باتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ثم اتفاقية وادي عربة مع الأردن واكتملت المهزلة باتفاقية أوسلو بين العدو والفلسطينيين أنفسهم.
هذا الاعتراف جاء إذاً إقراراً للأمر الواقع واعترافاً بالدولة الإسرائيلية كوجود أقرته مؤسسات المجتمع الدولي ولاسيما بعد حرب عام 1967، والدعوة بعدها لإعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل يومئذ، على أن ما حدث كان عدواناً، وأن على المعتدي أن يعيد الأرض التي احتلت إلى أصحابها ولتغطية هذه الناحية وإكسابها شرعية حقيقية صدر قرار الإعادة هذه لما احتل في تلك الحرب حسب القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، وكأن ما كان قبل ذلك منذ 1948 لم يكن عدواناً، هذان القراران هدفا إلى إضفاء الشرعية الرسمية الدولية على الكيان الصهيوني باعتبار أن الوجود الصهيوني قبل عام 1967 كان واقعاً مشروعاً، وفي هذا ما فيه من تضليل وتواطؤ على فلسطين وشعبها والأمة العربية برمتها.
الاعتراف بإسرائيل كوجود قائم هو إذاً بمنزلة التسليم بما هو قائم والتخلي النهائي عن المطالبة بفلسطين من البحر إلى النهر.
من هنا يحق لنا أن نقولها صريحة، دونما مواربة، بأن أي كلام بعد الآن عن مفاوضات وتسويات وصفقات ووساطات ما هو إلا احتيال وخداع وتضليل لأجل إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، بل أكثر من ذلك محاولة إسرائيل بنيامين نتنياهو وأميركا دونالد ترامب تهويد فلسطين كلها، بعد أن منح ترامب الكيان الصهيوني، القدس عاصمة أبدية له، وبعد أن أقرها على استعادة أجزاء من الضفة، وتشريع وجود المستوطنات التي تشغل الآن 90 بالمئة من مساحة الضفة، وتعود إدارتها إلى إسرائيل، وليس إلى السلطة الفلسطينية، التي نرى أن بقاءها لن يطول كثيراً هناك ما لم تقم انتفاضة تعيد الحق إلى نصابه كاملاً وشاملاً، غير أن السلطة نفسها للأسف والأسى، تعلن كل يوم أنها لن تسمح بقيام انتفاضة مسلحة!
إذاً كيف تستعاد الأرض أيها السادة هناك وكيف يتحقق التحرير المنشود؟ وأنتم تعلمون، أو لا تعلمون لا ندري، أن ما أخذ اغتصاباً بالقوة لن يستعاد بالمفاوضات والمجاملات وتبادل القبلات مع ألدّ أعداء الأمة على مر التاريخ؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن