قضايا وآراء

دبلوماسية ترامب في طور الاحتضار.. بين غطرسة القوة والإرهاب الاقتصادي

| د. قحطان السيوفي

الدبلوماسية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعاني من اضطراب شديد بسبب صعود الشعبوية والعصبية الغربية البيضاء، التي أوصلت ترامب إلى الرئاسة، ورسوخ غطرسة القوة في أذهان النخب السياسية والعسكرية الأميركية. وإذا كانت الدبلوماسية الأداة الرئيسية التي تستخدم لإدارة العلاقات الخارجية، فإنها في إدارة ترامب المتهورة فقدت مفهومها التقليدي، ويليام بيرنز، السفير ومساعد ونائب وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية المخضرم قال: الدبلوماسية الأميركية، كأداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية، في غرفة العناية الفائقة اليوم، وهو يرى أن هذه الدبلوماسية مهددة بالموت، وأن الحفاظ على موقع الولايات المتحدة كقوة دولية، وثيق الصلة بنجاح مهمة إنقاذها أو فشلها. تاريخياً، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، قال وزير الخارجية الأميركي السابق والأدهى هنري كيسنجر، أمام واشنطن أحد خيارين: إما أن تستخدم قوتها لفرض سيطرة أميركية شاملة، أو تعمل عبر الدبلوماسية، لصياغة نظام يتيح موقعاً للخصوم السابقين وحصة للقوى الصاعدة. الواقع أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب عملت في الاتجاه الثاني في نهاية عهدها، لكن السياسات التي اعتمدتها الإدارات التالية، إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وإدارة الرئيس الأميركي السابق بوش الابن، نحت نحو الاتجاه الأول. وبقيت الأداة العسكريّة تحتلّ الموقع الأول في خيارات صنّاع القرار، ليستمر مفهوم «غطرسة القوة» واختراع مفهوم «الدبلوماسية القسرية»، ليحل مكان الدبلوماسية التقليدية. وقد انشغل الدبلوماسيون الأميركيون خلال الحروب الطويلة في أفغانستان والعراق، بما زعموا أنه الهندسة الاجتماعية وبناء الأمم، وهي مهمات تتجاوز قدرات الولايات المتحدة، وكانت المزاعم والادعاءات الكاذبة حول فرض الاستقرار ومكافحة التمرد ومواجهة التطرف وغيرها من المفاهيم المضلّلة التي انتشرت في تلك الفترة، أبعدت الدبلوماسية الأميركية عن مهماتها لتأخذ طابع اللجوء إلى التملّق والإقناع، وأحياناً إلى الترهيب والتهديد لدفع حكومات وقيادات بلدان أخرى إلى اعتماد سياسات منسجمة مع المصالح الأميركية. أكثر من ذلك بدت وزارة الخارجية الأميركية في حالات كثيرة وكأنها أشبه بدور وزارة المستعمرات البريطانية. يرى المراقبون أن عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حقق بعض الإنجازات الدبلوماسية كالاتفاق النووي مع إيران والتطبيع مع كوبا والشراكة العابرة للأطلسي، إلا أن الاستخدام المفرط للقوة استمر في أفغانستان والعراق. شهدت الدبلوماسية الأميركية أسوأ أيامها في عهد إدارة ترامب التي تعتبر العالم شركة خاصة لمصلحة أميركا أولاً، كما عملت إدارة ترامب على هدم كل منجزات الدبلوماسية الأميركية منذ عقود على الصعيد الدولي، وأضعفت جهاز الخارجية عبر التخفيض الكبير لميزانيتها وتطهيرها بناء على معايير أيديولوجية، وأحياناً عرقية، من العناصر الكفوءة /أو المتحفّظة على سياساتها. وقد دق العديد من السياسيين والدبلوماسيين المُخضرمين ناقوس الخطر في ظل احتدام الصراعات السياسية الداخلية الأميركية، وهي مؤشر إضافي إلى أن الولايات المتحدة كقوة دولية لم تعد تمتلك إستراتيجية بالمعنى الفعلي للكلمة تسمح ببناء التحالفات والتوافقات الضرورية، لوقف انحدارها المتسارع.! لاحظت مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية أن طريقة ترامب المشخصنة والمتسرعة في صنع القرارات تجرّد فريقه الدبلوماسي من قدرته على الحركة. المشكلة الحقيقية في حالة ترامب هي الطبيعة المتهورة لدبلوماسيته المشخصنة، تشجّع مقولة: إنه عندما يكون ترامب موجودًا، فإن أي شيء ممكن. نمط سلوكه يوفر حافزًا للحلفاء والخصوم على السواء كي يتجاهلوا المسؤولين الأميركيين ذاتهم الذين يحاولون تنفيذ توجيهات الرئيس. قليلة هي الدول التي تريد التفاوض مع البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، إذا كانت تعتقد أن بإمكانها الحصول على صفقة أفضل بالتعامل مباشرة مع الرئيس.
في 2005 قال الرئيس الأميركي السابق دبليو بوش، إنه لا يستبعد اللجوء إلى القوة ضد إيران بعد قرارها استئناف نشاط تحويل اليورانيوم ولم ينفذ تهديده، وبعد 4 سنوات من تهديدات بوش قال أوباما إن كل الخيارات بما فيها الخيارات العسكرية ستبقى متاحة ضد إيران. بعد 6 سنوات من تحذيراته وجدت الولايات المتحدة نفسها بمشاركة (5+1) توقع على الاتفاق النووي مع إيران، نجحت الجهود الدبلوماسية الإيرانية وعلى مدار عشر سنوات من إقناع العالم بتوقيع الاتفاق النووي 2015 الذي اعتبر انتصاراً دبلوماسياً غير مسبوق لطهران.
ترامب يعتقد أن سلفه الديمقراطي أوباما تفاوض على اتفاق سيئ للولايات المتحدة بالموافقة على «خطة العمل الشاملة المشتركة» وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي. انسحب ترامب من الاتفاق النووي وعكس صورة سيئة عن الولايات المتحدة وعدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة، فضلاً عن تداعياتها السلبية على علاقاتها بالدول الموقعة على الاتفاق. رغم تهديدات ترامب من المستبعد أن تتهور أميركا بالإقدام على عمل عسكري ضد طهران لأن الحرب ستؤثر سلباً في مستقبل ترامب السياسي ويبقى الأمر في إطار الإرهاب الاقتصادي باستخدام العقوبات كعامل ضغط وابتزاز ليس أكثر.
المشهد الجيوسياسي الدولي يشير إلى أن سياسات ترامب المتهورة وتهديداته الرعناء لإيران وتعنت الإدارة الأميركية ونهجها غير المتزن على الصعيد الدبلوماسي والدولي كل ذلك يؤدي إلى تصعيد التوتر في منطقة الشرق الأوسط والعالم. سياسة التسرع والاندفاع الفوضوية التي ينتهجها ترامب دفعت سياسيين أميركيين إلى التحذير من مغبة القرارات الأميركية الهوجاء ولاسيما تجاه إيران.
حذر السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز وهو أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020 في مقال نشره بصحيفة «الغارديان» من سياسة ترامب المتهورة إزاء إيران، مؤكداً أن تحركات الإدارة الأميركية تهدد بحدوث كارثة جديدة على غرار ما حدث في الغزو الأميركي للعراق الذي كان أسوأ قرار في تاريخ السياسة الأميركية. ترامب يتخبط في سياساته الخارجية وتردده بين الإصغاء لتحذيرات معظم مستشاريه من مغبة تصعيد الوضع في الشرق الأوسط وبين الآراء المحرضة التي يدس بها مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي سخر منه ترامب قائلاً: سنكون في حرب في كل مكان؛ إذا تُرك الأمر لهذا الرجل. الكاتب سايمون تيسدال في مقاله بصحيفة «الغارديان» البريطانية ذكر أن سياسة ترامب الحمقاء تجاه إيران تزيد من احتمالات اندلاع الحرب رغم أنه يريد تجنبها، لكن الصقور في إدارته، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتونِ، يُديرون السياسة الخارجية، بينما الرئيس مُنهمك في التغريد على تويتر ولعب الغولف.
أخيراً، دبلوماسية ترامب في غرفة العناية الفائقة، وسياسته الحمقاء المتقلبة تجاه إيران تعتمد غطرسة القوة والتهديد بحرب يخاف أن تحدث فتنهي مستقبله السياسي، وهو يشدد العقوبات كإرهاب اقتصادي مقابل دبلوماسية إيرانية حازمة مرنة وواقعية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن