قضايا وآراء

شرق الفرات ما بعد صفقة «إس 400»

| موفق محمد

خطت روسيا خطوة إستراتيجية لا يستهان بها على طريق إبعاد النظام التركي عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «ناتو» عبر تسليمه منظومة صواريخ «إس 400»، ما أدى إلى تصاعد التوتر في العلاقات بين واشنطن والحلف من جهة وأنقرة من جهة ثانية.
مع الخرق الروسي هذا لـ«ناتو»، وإمكانية كشفها لأسرار التكنولوجية داخل الحلف، وكذلك أسرار المقاتلة الأميركية الشبح «إف 35»، بات مستقبل العلاقة بين الجانبين محط تساؤلات كثيرة، وكذلك مصير الملفات العالقة بينهما.
السؤال الأبرز الذي يطرح في هذا الصدد هو: ما السيناريوهات التي يمكن أن تحصل في منطقة شرق الفرات ومدينة منبج شمال غرب حلب اللتين تسيطر عليهما ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية- قسد» المدعومة من قوات الاحتلال الأميركي المتواجدة في المنطقة، على حين يعتبر النظام التركي الذي يحتل أيضاً مناطق في شمال سورية تلك الميليشيا «منظمة إرهابية» ويهدد على الدوام باجتياح مناطق سيطرتها واحتلالها.
بعد موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتنصل مما حصل والتريث بفرض عقوبات جديدة ضد تركيا بخلاف مطالبات الكونغرس، وكذلك بعد موقف أمين عام «ناتو» ينس ستولتنبرغ، الرافض لإخراج تركيا من الحلف لأنها «حليف مهم»، بدا أن الجانبين يحاولان قطع الطريق على روسيا واحتواء أنقرة، حيث كثفت واشنطن من اتصالاتها مع النظام التركي، وعقدت في العاصمة الأميركية يومي الجمعة والسبت الماضيين مجموعة عمل تركية أميركية، اجتماعات تم خلالها بحث التطورات في سورية، ولاسيما فيما يتعلق بانسحاب قوات الاحتلال الأميركي وانشاء ما يسمى «المنطقة الآمنة» وما يسمى «خريطة طريق منبج»، على أن يبدأ المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري زيارة أنقرة وبحث الملف السوري مع المسؤولين الأتراك.
نظام رجب طيب أردوغان، في المقابل، وفي محاولات للضغط على واشنطن والحصول منها على أكبر قدر ممكن من التنازلات في ملفي «الآمنة» و«منبج»، استبق الاجتماعات التركية الأميركية، برفع وتيرة التصعيد ضد «قسد» عبر إرساله حشودا عسكرية ضخمة على الحدود قبالة مناطق سيطرتها، وإزالة الجدار الفاصل على الحدود في مدينة تل أبيض بمحافظة الرقة.
رغم التجارب المريرة للأكراد سواء منهم من في العراق أو سورية مع الولايات المتحدة التي غدرت بهم مرات، يبدو من سياستها الحالية في سورية أنها ليست في وارد التخلي عنهم في هذه الفترة، فبعد إعلانها «هزيمة» تنظيم داعش الإرهابي في بلدة الباغوز آخر معاقله في شرق الفرات، إلا أنها أبقت على احتلالها لمناطق في شمال وشمال شرق سورية، لا بل أعلنت مؤخراً عن نيتها نشر مزيد من جنودها في هذه المنطقة، وأرسلت المزيد من السلاح والعتاد إليها، ما يدل على أن هدفها، أبعد من القضاء على داعش ودعم «قسد»، وإنما الضغط على الحكومة السورية المنتصرة ميدانيا وسياسيا على أمل الحصول منها على تنازلت في العملية السياسية، وبالتالي يرجح عدم إبداء واشنطن خلال مفاوضاتها مع أنقرة مرونة في ملف «الآمنة»، التي يريدها النظام التركي تحت إدارته فقط وطرد الميليشيات منها، بمعنى إفقاد الولايات المتحدة لأوراقها في سورية.
النظام التركي من جانبه، وبعد أن قربته صفقة «إس 400»، أكثر من روسيا، يتوقع أن يرد على عدم إبداء الولايات المتحدة مرونة في ملف «الآمنة»، برفع وتيرة تصعيده عن بعد ضد الميليشيات الكردية، تصعيد ربما يصل أماكن قوات الاحتلال الأميركي من دون الوصول إلى صدام عسكري مباشر مع تلك القوات، وذلك بهدف زعزعة الموقف الأميركي في شرق الفرات.
الحكومة السورية، أكدت وما زالت تؤكد أن مصير المناطق التي تسيطر عليها «قسد» هو العودة إلى سيطرة الدولة السورية سواء كان ذلك بالحوار أو عملية عسكرية كما حصل في مناطق كانت التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة تسيطر عليها وأجرت عدة اجتماعات مع وفود من «مجلس سورية الديمقراطي- مسد» الذي يعتبر الغطاء السياسي لـ«قسد» في دمشق، إلا أن تلك الاجتماعات لم تسفر عن نتائج، بسبب إصرار «مسد» بتحريض من الاحتلال الأميركي على الإبقاء على مشروعه الانفصالي المتمثل بما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في الشمال بإشراف «حزب الاتحاد الديمقرطي– با يا دا».
في ظل إطلاق دمشق وحلفائها لعملية عسكرية في منطقة «خفض التصعيد» الرابعة، يبدو أنها تريد إنهاء ملف إدلب ومحيطها أولاً، والذي ظهرت مؤخراً مؤشرات، بأن هذا الملف «يتجه لحله سياسياً بالتوافق مع تركيا»، في وقت قريب، ثم الالتفات إلى ملف الشمال، الذي يرجح أن تواصل دمشق مساعيها مع حلفائها لحله عن طريق الحوار مع «مسد» عبر محاولات إقناع الأخير بأن دمشق وحدها من يجب أن يثق بها وأنها هي القلب وليس من مصلحتهم اللعب على الحبال، لأنه ثتبت من خلال العديد من التجارب والوقائع، كما حصل مع أكراد العراق، والرئيس المصري محمد حسني مبارك، والرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي، أن لا ثقة بأميركا، بالترافق مع تكثيف روسيا الحليف الأبرز لدمشق، محاولاتها لدفع «مسد» إلى التخلي عن أميركا واستئناف المحادثات مع دمشق للتوصل إلى اتفاق يفضي إلى عودة سيطرة الدولة السورية ومؤسساتها على المناطق التي تسيطر عليها حاليا الميليشيا.
إن «مسد»، الذي لم يستطع حتى الآن الخروج من تحت العباءة الأميركية، شاهد لا بل عاش واقعاً، تجارب تخلي واشنطن عنه في عفرين وأعزاز وجرابلس التي كان يسيطر عليها واحتلها النظام التركي مع اتخاذ أميركا موقف المتفرج، وبالتالي السيناريو الأكثر احتمالا في شرق الفرات إدراك «مسد» لحقيقة أن دخول الجيش العربي السوري إلى شرق الفرات وحده فقط، الكفيل بحماية الأكراد ومناطق شمال وشرق سورية، ووضع حد لتهديدات النظام التركي وتحرير المحتل من المنطقة، خصوصاً في ظل صفقة صواريخ «إس 400» والتقارب أكثر بين أنقرة وموسكو الحليف الأبرز لسورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن