ثقافة وفن

رواية جديدة بعنوان «نبوءة على التلفاز» … أمين الساطي: هذه القصة استحوذت عليّ لأنها تختزن الرغبة في التمرد

| سارة سلامة

رواية جديدة يخطها الكاتب أمين الساطي في عالم الأدب من خلال مؤلفه «نبوءة على التلفاز» يقصُّ فيها حكاية بطلها إنسان يسكن في مجتمعنا يسرد الكاتب حياته بتفاصيل كثيرة، صغيرة وكبيرة يلفت من خلالها تركيزنا لنرى هول تلك الحياة لإنسان موظف في القطاع الحكومي، قد لا تكون تلك الوظيفة المتمناة له، إلا أنه يعمل لضمان الأمان، يقضي وقتاً كبيراً وهو يعيش حالات أحلام اليقظة.

مغامرة جديدة
ويقول الكاتب في المقدمة: «بعد أن أصدرت دار النشر أوستن ماكولي الطبعة الثانية من مجموعتي القصصية أوهام حقيقية، بدأت أفكر بمغامرة جديدة، أسافر من خلالها عبر هواجسي لكتابة الرواية، بالنهاية وجدت نفسي، قد استحوذت عليّ قصة نبوءة على التلفاز، لأنها تختزن في أعماق كلّ واحد منا الرغبة في التمرد لتحسين أوضاعه الحالية، على الرغم من إدراكه المسبق، بأنه لا يملك المقومات لنجاح هذا الانقلاب، ما يجعله يخلط بين الفوضى والتغيير نحو الأفضل».
وأضاف الساطي إن «الأفكار الغريبة التي لا تخضع للمنطق، تتسرب أحياناً إلى عقولنا رغماً عنا، فلا تلبث إلا أن تتحكم فينا، لأنها تتوافق مع مصالحنا الشخصية ورغباتنا المقموعة، فنجدها بعد فترة، وقد تحولت إلى هواجس، لا تنفك عن مطاردتنا، حتى تسيطر علينا، فنصبح عبيداً لها، وخصوصاً إذا لم نجد في تلك اللحظات من يقف إلى جانبنا لينقذنا من هذه الضغوط النفسية الرهيبة التي نرزح تحتها».

تكرار الكلمات نفسها
وخطَّ الإهداء بكلمات مؤثرة حيث قال: «في كل مرة، بعد أن أنتهي من كتابة مؤلفي القصصي أو الروائي، وأجلس لكتابة الإهداء، يخطر لي أن أغير في الكلمات، التي استخدمتها في السابق، لكنني أجد نفسي مدفوعاً بطريقة لا يمكنني مقاومتها بتكرار الكلمات نفسها. إلى ولديّ منير وعمر خاصة، اللذين شجعاني على الكتابة والاستمرار في متابعة حياتي اليومية، بعد أن تقاعدت عن العمل، وإلى كل الأصدقاء الذين شجعوني على كتابة الرواية، ثم ساعدوني في مختلف مراحل العمل.. أتقدم بخالص محبتي وشكري».

إضاءة من الفصل الأول
ويسرد الكاتب في الفصل الأول من بداية الرواية قائلاً: «بينما وائل جالس وحده في غرفته، يتسلى بضغط أزرار جهاز «الرموت كونترول» الموجود أمامه، للتنقل من محطة إلى أخرى، يقتله الملل، لكثرة أوقات الفراغ التي يعيشها، فجأة استرعت انتباهه قناة تلفزيونية، لم يشاهدها من قبل تقدم الأخبار باللغة العربية، فتوقف عندها، ظهر المذيع خلف الشاشة، كان رجلاً أبيض بعينين عسليتين ضيقتين ولحية كثيفة سوداء، يرتدي بدلة رمادية، وتحتها قميص أبيض وربطة عنق خمرية اللون، أنيقاً من دون تكلف زائد، شدّ المذيع وائل إليه بصوته العميق، ولكنته الغريبة جداً، وكأنه أجنبي بالكاد يتكلم العربية.
تحدث المذيع عن سقوط طائرة إندونيسية من طراز بوينغ في البحر ومقتل جميع ركابها، كما تحدث عن أسعار العملات الافتراضية، وعن أهم أخبار العالم، وتصريحات المسؤولين السياسيين وإفادات مراسلي المحطة، بعد فترة شعر وائل بالتعب من تكرار سماع هذه الأخبار التي قلما تتغير، ذهب إلى فراشه لينام، لأن عليه أن يأخذ الباص في الساعة السابعة صباحاً، ليكون في وظيفته بالثامنة في مبنى أمانة السجل العقاري، الذي يبتعد مسافة طويلة عن بيته، وليحافظ على هذه الوظيفة، التي حصل عليها بجهد كبير بوساطة ابن عمته، على الرغم من أنها لا تلبي تطلعاته، التي كان يعيشها وهو طالب في كلية الفلسفة بالجامعة اللبنانية، لكن تبقى للوظيفة الحكومية ميزاتها، فهي توفر له الأمان، الذي لا يمكن أن يجده في القطاع الخاص، إن كل ما هو مطلوب منه، أن يداوم في كل يوم سبع ساعات لخمسة أيام في الأسبوع، لكنه عملياً لا يعمل أكثر من ساعة بالنهار، يوقع بعض المعاملات الواردة ويحولها إلى الأقسام المختصة، أما بقية الوقت فيمضيه بين شرب القهوة وقراءة الجرائد، وزيارة مكاتب الموظفين في دائرته.

إضاءة من الفصل الخامس
وفي الفصل الخامس يقول الكاتب إن: «وائل استعاد عالمه الخاص، واستأنف حياته اليومية بشكل عادي، أصبح نفسياً جاهزاً للاستماع إلى نصائح المعلم على شاشة التلفزيون فهو يمضي معظم أوقات النهار بمتابعة أخبار العالم على شاشة جواله، دفعه الفراغ إلى الانخراط في مشاهدة مباريات كرة القدم على التلفزيون، اكتشف هواية جديدة لقتل الوقت، وجد فيها الإثارة والتخدير، بشكل يفوق متعة مشاهدة الأفلام السينمائية التي مازال يعشقها منذ أيام الصغر، ميزة مباريات كرة القدم، أنك تشعر بالأحداث الحية تجري أمامك على التلفزيون، وقد يأخذك الحماس لتتصور نفسك بأنك من أنصار أحد الفريقين المتصارعين، لذلك ترى الأشخاص الجالسين أمامك يتحمسون لفريق ما، من دون أن يكون هناك أشياء مشتركة بينهم، لأن مجرد فكرة الانتماء إلى فريق ما، يجعلهم جزءاً من اللعبة التي تجري أمامهم، إنها أسهل وأرخص وسيلة لزيادة جرعة التخدير».
اختراعه لهذه الهواية الجديدة، بمشاهدة مباريات كرة القدم على التلفزيون، ملأ ساعات الفراغ الطويلة التي يعيشها، ما أجبره على الذهاب في أغلب الأمسيات مع سعيد إلى مقهى الغلاييني على الشاطئ لمتابعة مباريات كرة القدم على شاشة التلفزيون، إن لرائحة البحر وصوت تلاطم الأمواج سحراً خاصاً يخلصه من الاضطرابات التي يعانيها، ويجعله أقل توتراً، ويعطيه الشعور بالاطمئنان، ربما يعود ذلك إلى امتداد البحر اللامتناهي، وإلى لونه الأزرق الذي يشعره بالعزلة والحزن، ليس من المفروض أن تكون المباراة مهمة أو أن الفريقين اللذين يلعبان بها مشهوران، المهم أنها مباراة ممتلئة بالحركة، وهو يجلس مراقباً الجمهور قد لا تعرف اسمه، من أجل المزيد من الإثارة والتخدير، هذه السهرات بالمقاهي على الرغم من تكلفتها القليلة ولكن استمراريتها قد رتبت على عاتق وائل مصروفات جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن