من دفتر الوطن

أبو الجرائم!!

| عبد الفتاح العوض

لسنا بحاجة إلى إحصائيات وأرقام لتؤكد ما يمكن أن نصفه بعبارات ملطفة «الانحدار الأخلاقي» في المجتمع السوري.
زيادة الجرائم على مختلف أنواعها ليست مجرد ظاهرة للعيان فحسب، بل أيضاً أصبحت في بعض أشكالها جديدة على المجتمع السوري.
يقيناً لا مجتمع بلا جرائم، ولا يوجد مجتمعات من الملائكة، وثمة ما يحدث في كل دول العالم يبدو أكثر خطورة وأكثر احترافاً!
لكن الجديد في القضايا التي تخص الانحدار الأخلاقي في المجتمع السوري أننا كنا إلى وقت قريب لا ندركها أو لا نعرفها أو حتى لا نتوقع وجودها.
لعل سرعة انتشار أخبارها جعلت الأمر أكثر وضوحاً وزادت من الأضواء حولها، وانتشار التفاصيل يعطي لهذه الأحداث تشويقاً يتداوله الناس مع إضافات الحبكة والدراما، لكن الواقع أيضاً يثبت أن ما يحدث في المجتمع السوري يشكل حالة جديدة سواء في عدد أو نوعية الجرائم التي تحدث هنا وهناك، سأقف عند ثلاث نقاط رئيسية في مقاربة هذا الموضوع:
الأولى: أن مستوى الجرائم من حيث التنفيذ يبدو أنها جرائم «هواة» وهذه نقطة إيجابية تعني فيما تعنيه أن المسألة ما زالت سطحية وما زالت في طور البدايات، وأن ما نسميهم «مجرمين» هم في الواقع يتدربون على «الجريمة» ولحسن الحظ يبدو أنهم فاشلون.
هذه النقطة مهمة جداً لأنها تقدم فرصة لإمكانية الحل وأن الأمر لم يصل بعد إلى المستوى الذي لا يمكن إنقاذه.
فهذه الجرائم تتم بهذه البساطة وأحياناً السذاجة تعبر عن أن مرتكبيها مبتدئون وهواة ولم يصلوا إلى مرحلة الاحتراف.
النقطة الثانية: أن زيادة عدد ونوعية الجرائم ليست أمراً خارج التوقعات في ظل نتائج الحالة السورية التي عاشت كل هذه الويلات على مدار السنوات السابقة.
فهذا منتج طبيعي للحروب ولا أحد يمكن أن يتوقع غير ذلك، لكن الذي زاد حدة الموضوع هو العامل الاقتصادي وحالة الفقر الذي زاد عن المستوى الذي يمكن للمجتمع أن يتأقلم ويتعايش معه.
وهنا لا أبرر هذه الجرائم بل أحاول تفسيرها بقدر ما أستطيع، ففي الحالة التي مرت بها سورية خرج جيل بلا «ذاكرة» عن القانون وسلطة الدولة.. ثم رأى ما رأى من سلب ونهب وظن أن هذا هو الطريق الطبيعي للحياة، كذلك فإن مستويات الفقر تغري وتدفع باتجاهات سلبية.
النقطة الثالثة والأخيرة ما نلاحظه أن أحداً لم يقم بواجب البدء بعملية إصلاح مجتمعية.
جهود الداخلية في المتابعة أمر عادي، لكن الشيء الذي نحتاجه هو إصلاح ما خربته الحرب في جيل ربما كانت الجريمة لعبته المفضلة.
الحكومة ومؤسسات المجتمع الأهلي معنية جداً بهذه الخطوات الضرورية.
وقبل وبعد كل ذلك فإن الفقر أبو الجرائم، وكلما زاد الفقر زادت جرائمه وتنوعت.. ولاشك أننا في حال يسير فيه الفقر مطمئناً على مستقبله!

أقوال:
يصنع الفقر لصوصاً، كما يصنع الحب شعراء.
ألا وإن من البلاء الفاقة، وأَشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب..
ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب.
الذي قال إن الفقر ليس عيباً كان يريد أن يكملها ويقول: بل جريمة، ولكن الأغنياء قاطعوه بالتصفيق الحار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن