قضايا وآراء

بين الصمت الإيراني والقلق «الإسرائيلي»: ماذا لو صدقت مقولة مبارك؟

فرنسا – فراس عزيز ديب :

في العام الماضي، تحدث وزير الخارجية المصرية الأسبق «محمد أبو الغيط» عن زيارته لواشنطن في العام 2005، والكلام الذي سمعه هناك عن حتمية ما سموه آنذاك «إسقاط النظام السوري». أبو الغيط الذي شهدت سنوات توليه وزارة الخارجية أسوأ علاقةٍ بين سورية ومصر منذ عودتها في نهاية الثمانينيات، اعترف كذلك الأمر بأن مبارك كان يقول له «المتغطي بالأميركان عريان».
في مراجعةٍ بسيطةٍ لمسار الأحداث في المنطقة منذ غزو العراق حتى الآن، وبالمطابقة مع ما نشره ويكيليكس عن الخطة الأميركية لضرب الاستقرار في سورية، ربما تجعلنا نسأل متى سيتم الكشف بالكامل عن أرشيف التآمر؟ متى سيتم وضع الأسس الأخلاقية لمحاسبة «النازيين الجدد» من سوريين ومستعربين وأوروبيين وأميركيين تورطوا في هذه المحرقة أو الدوامة التي أدخلوا فيها الشعب السوري بالكامل؟ وكانت نتيجتها مأساةً لن يرحم التاريخ صانعيها مهما طال الزمن، والأهم متى سيفهم هؤلاء -على طريقة مبارك- أن «المتغطي بالأميركان عريان»، فهل حقاً بدأت الولايات المتحدة تزيد من عري غلمانها تعرياً انطلاقاً من رفع سقف المواقف الروسية، بما يتعلق بالشأن السوري، أم إن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن تحولاتٍ جدية؟
في الأسبوع الماضي قلنا «اذا ماكبرت مارح تصغر»، بالتالي بدا واضحاً من تسارع الأحداث والتصريحات والتصريحات المضادة أن مفاجآتٍ كثيرة باتت تنتظر الأميركيين، مفاجآتٌ عليهم التعامل معها بواقعيةٍ أو بجنون، وفي الحالتين هناك ما سيوجعهم؛ عسكرياً ودبلوماسياً.
يبدو أنه لم يعد بإمكان الأميركيين اللعب على الورقة الداعشية، لأنها ببساطةٍ ورقةٌ باتت محروقة، فطائرات التحالف رصدت يوماً «داعشياً يمارس الجنس مع حيوانٍ»، ورصدت – حسب زعمهم – قيام الروس بنشر طائرات في سورية، لكنها للأسف لم تتمكن من رصد تحركات داعش باتجاه المناطق التي احتلتها في العراق وسورية، والتي أثبتت الوقائع أنها زادت من حيث المساحة أضعافاً منذ إعلان انطلاق التحالف. هذا التناقض بات فاضحاً، وربما أن الأميركيين أدركوا أنه ليس وحدهم من يمتلك المعلومات والقرائن. من هنا دعا كيري الروس لمباحثاتٍ عسكريةٍ متعلقةٍ بالشأن السوري، فما النتائج المحتملة لهذه المباحثات التي طلب كيري أن تكون في القريب العاجل؟
من كل ما تقدم يمكننا النظر لأمرين بالتوازي:
الأول أن سورية بالنسبة للروس باتت فعلياً وعملياً «خطاً أحمر»، حتى حديث السيد وليد المعلم بأن سورية ستدرس أي طلب روسي لإرسال قواتٍ روسيةٍ، قابلته تصريحاتٍ من الكرملين بأنهم سيدرسون إجراء كهذا. في النهاية تبدو التصريحات نوعاً من «أخذ العلم لمن يهمه الأمر»، «قد» يُفضي فعلياً لإرسال هذه القوات، تحديداً إن مشكلة الإرهاب العابر للحدود لم تعد مشكلة سوريّة فحسب، لكنها مشكلة دولية. من هنا حاول كل من فرانسوا هولاند وكاميرون حجز مكانٍ لهما والإيعاز للصحافتين الفرنسية والبريطانية، «الفرنسية تحديداً»، لإفساح المجال كثيراً للحديث عن الدور الفرنسي القادم في الحرب على داعش، علماً أن دور القوات الفرنسية في الحالة العادية لن يتعدى دور وزير خارجية الإمارات – المحنك جداً – في شرح عدالة القضية الفلسطينية.
الأمر الثاني: هو رد الفعل الأميركي، عملياً بات من الصعب الحديث عن احتمال قيام الولايات المتحدة بإرسال قواتٍ بريّة إلى سورية كردٍ على الإجراء الروسي – إن حدث -. بات واضحاً أن قرار أوباما لا رجعة عنه، لا خروج للقوات البريّة خارج الولايات المتحدة، تحديداً إن هناك من يمول ويقاتل ويدمر ويحقق طموحات الولايات المتحدة من دون أن تخسر جندياً واحداً، حتى الاستعراضات التي يقدمها «المرشحون الجمهوريون» في مناظراتهم لانتقاء أحدهم لتمثيل الحزب في الانتخابات القادمة، وتأكيد رغبتهم بإرسال قواتٍ بريةٍ لمحاربة داعش، هي تبدو بمعظمها استعراضاتٍ انتخابية تخرج من مرشحين لا يملكون الخبرة أمثال «لينزي غراهام»، هذا إذا افترضنا أساساً أن داعش ستبقى مسيطرةً في المناطق التي هي فيها بسورية حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، فوجهة النظر الروسية واضحةٌ بأن داعش ستنتهي عندما يكون هناك جديّة في القضاء عليها وليس تسهيل أمرها.
لكن، إذا فهمنا أن نتنياهو سيزور موسكو للتباحث في شأن توسيع الروس الإمدادات العسكرية لسورية، والتي ستُفضي حتماً لتأكيداتٍ روسية بأن هذا السلاح سلاح دفاعي ضد التنظيمات الإرهابية، فأين الإيراني من كل مايجري؟!
بشكلٍ عام، هناك تساؤلاتٌ عن غياب التصريحات الإيرانية عن ما يجري، فهل هم غير راضين عن ما يقوم به الروس، أم إن الأمر هو نوعٌ من توزيع الأدوار لا أكثر؟
عندما قالت إيران إنها ستقدم مبادرةً للحل في سورية، قلنا إن إيران ليست بموقع يؤهلها لذلك، لأنها بالأساس لاتمتلك القدرة على جمع الأطراف، تحديداً إن الاتهامات الموجهة لإيران بما يخص الشأن السوري قديمة، وهي تحديداً إحدى النقاط التي حاول السفير الأميركي بدمشق اللعب عليها لإيجاد آليةٍ لضرب الاستقرار في سورية كما تحدثت وثيقة ويكيليكس. من هنا يبدو الصمت الإيراني مبرراً، فإيران ليست مطالبةً بإرسال قواتٍ ولا برفع سقف التحديات، تحديداً إن لإيران دوراً مهماً في لجم الاندفاعة التركية، ورفع مستوى الطمأنات لمشيخات النفط. بنفس الوقت، لايمكننا اعتبار رفع السقف الروسي والصمت الإيراني نوعاً من تبادل الأدوار لأن إيران لايمكن لها أن تحل محل روسيا «بواقعيةٍ ولاعتبارات كثيرة»، بل هو قيام كل طرفٍ بلعب دوره المناسب، تحديداً إننا ما زلنا في لحظات ما قبل نزع فتيل المعركة الكبرى، فلامشكلة بتوكيل الروس لقيادة العملية والتسويق لمسعاهم بمحاربة الإرهاب وإيجاد حلولٍ سياسيةٍ للأزمات المتفجرة في المنطقة، فهل سينجح المسعى الروسي؟
حتى الآن تبدو فرص النجاح كبيرة، صحيح أن الولايات المتحدة – كما نذكِّر دائماً- لم تخسر شيئاً حتى الآن لكي تتراجع، لكنها في النهاية باتت أمام حقيقةٍ أساسية أن الروس مستعدون للذهاب حتى النهاية في المعركة السورية، وهي حالياً أمام خيارين:
إما الاقتناع بوجهة النظر الروسية، عندها ماذا عن حلفائهم؟ إذا كان أردوغان يعاني سرطان الأمعاء وأيامه حسب التسريبات «باتت معدودة» مهما صدرت بياناتٌ رئاسيةٌ تحاول تجميل الصورة، فهل سنشهد إقالة عادل الجبير مثلاً؟ ثم كيف ستنتهي الحرب في اليمن؟ تحديداً إن لـ«آل سعود» أسرى بيد اليمنيين، والقاعدة بدأت تتمدد باليمن بشكلٍ واسعٍ. المعني الوحيد بالإجابة عن هذه الأسئلة كلها هي الولايات المتحدة، وهي ليست بالأسئلة السهلة إطلاقاً، لأنها أمورٌ جوهريةٌ، فانقطاع الدعم الخليجي عن التنظيمات الإرهابية يعني فيما يعنيه انتهاءها، وهناك تقاريرٌ بدأت تتحدث عن هروب قادةٍ في الجماعات الإرهابية من الجنوب السوري نحو «جنة ميركل» الألمانية.
الاحتمال الثاني، هو أن تواجه الولايات المتحدة التصعيد الروسي بتصعيدٍ مماثلٍ، عندها كلُّ الاحتمالات مفتوحةٌ وهذا الأمر يبدو الآن مستبعداً، فالروس عندما يتحدثون عن محاربة الإرهاب يرتكزون إلى قوة الجيش السوري الذي صمد منذ 5 سنوات في وجه الإرهاب العالمي وداعميه، أما الولايات المتحدة فعلى ماذا سترتكز في المعركة على الأرض؟! إن كان في سورية أم في اليمن، والأهم أن لا قرار أميركياً بالحرب دفاعاً عن أحد، ولندقق ملياً بقرار السلطات العراقية السماح للمقاتلات السورية بقصف أرتال داعش واستخدام المجال الجوي العراقي، وهذا الأمر لايبدو أنه كان سيتم لولا الرضى الأميركي.
سقطت الرافعة في الحرم المكّي – المكّي ياسعد الحريري وليس الملكي – بذات التاريخ الذي سقط فيه برجا التجارة، المتوافق مع تاريخٍ يحبه السوريون. جاهلٌ من يُسقط من حساباته علم الماورائيات في محددات بعض الأحداث التي تدور من حولنا. عليه، لاتسلّطوا النظر فقط على «سقوط الأقصى» الذي يُحتضر، بما يتعرض له منذ أسبوع من هجمةٍ شرسةٍ مترافقةٍ – كالمعتاد – بصمتٍ عربي وإسلامي و… أردوغاني، فموعد سقوطه لم يحن بعد، دعوا التركيز الآن على قمة أوباما – بوتين نهاية الشهر – إن عُقدت – فعند هذه القمة… الخبر اليقين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن